المنشور الحكومي وموقف السلطة المحلّية
في اتّصال لها مع نواة، أوضحت الأستاذة عفاف مراكشي أنّ ”المناشير من الناحية الشكلية ليست وسيلة تعامل بين الحكومة والسلطة المحلية“. فالسّلطة المحلّية تستمدّ صلاحيّاتها من الدستور ومن مجلّة الجماعات المحليّة، في حين أنّ المنشور يُعدّ ”إجراءً داخليّا يُسيّر العلاقة داخل مؤسّسة أو بين وزير ومدير جهوي“، وهو أدنى مرتبة من القانون.
أمّا من حيث المضمون، اعتبرت أستاذة القانون العامّ أنّ المنشور اعتمد عبارات ”لا وجود لها قانونا“ مثل ”سلطة الإشراف“ و ”الموافقة المُسبقة“، والحال أنّ الدّستور ينصّ على مبدأَيْ التدبير الحرّ للجماعات المحليّة والرّقابة القضائيّة اللاحقة، وهو ما ينمّ عن ”نقص المعرفة القانونيّة لدى ديوان رئيس الحكومة“. ودعت في هذا الإطار إلى ”التنسيق بين السّلطتين المركزيّة والمحليّة مع احترام صلاحيات كل سلطة ومجال تدخّلها“، ويشاطرها الموقف أستاذ القانون الدستوري معتز القرقوري الّذي أفاد في ندوة افتراضية حول ”السلطة المحليّة في زمن الكورونا“ أنّ ”المنشور الصادر عن رئاسة الحكومة يحتوي مصطلحات لا تتلاءم مع مقتضيات الدستور، إذ لا وجود لسلطة إشراف على البلديات“، معتبرا إياه ”خطابا فوقيّا إزاء الجماعات المحليّة، وهو أمر تجاوزته الأحداث“. وأضاف:
كان من الأجدر أن يتمّ تثمين عمل الجماعات المحلية، ثمّ التطرّق إلى ضرورة التنسيق مع السّلطة الجهوية والمركزيّة لمواجهة الوباء. أستاذ القانون الدستوري معتز القرقوري
وفي مجال القانون المُقارن، أوضحت الأستاذة عفاف المرّاكشي أنّ فرنسا أصدرت نصوصا قانونية استثنائيّة لتسيير شؤون المواطنين في هذا الظّرف الاستثنائي تنصّ على ضرورة ”احترام صلاحيات الجماعات المحلّية“ باعتبار اللامركزية ”مبدأ مُقدّسا“ في التّشريع الفرنسي.
كما أثار تصريح رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لدى حضوره أمام البرلمان لمناقشة مشروع القانون المتعلّق بالتفويض للحكومة في إصدار مراسيم بتاريخ 26 مارس 2020 تحفّظات الكنفدرالية التونسيّة لرؤساء البلديات إلى جانب عدد من رؤساء البلديّات، حيث دعا رئيس الحكومة في خطابه إلى توحيد الجهود نحو تنفيذ القرارات المركزيّة المتمثّلة في احترام حظر التجوّل والالتزام بالحجر الشّامل. وأضاف:
وقت الأزمات لا توجد لامركزيّة، وفي وقت الحرب لا مجال للاجتهاد. لا بدّ من العودة إلى مركزيّة القرار. رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ
وإزاء هذا التصريح وردّا على ما ورد بالمنشور الحكومي، أبدى عدنان بوعصيدة رئيس الكنفدرالية التونسية لرؤساء البلديات ورئيس بلديّة روّاد اعتراضه على الموقف الحكومي لكونه ”يتضارب مع القانون“، مؤكّدا في الوقت ذاته استعداده لأن يكون في ”صفّ واحد مع السلطة الجهوية والمركزيّة في مواجهة فيروس كورونا“.
وفي اتصال له مع نواة أكّد بوعصيدة أنّ ”السلطة المركزية لا يمكنها مجابهة كورونا دون السلطة المحلية“، مُضيفا أنّ ”البلديات كانت في الصفّ الأول منذ الإعلان عن أوّل إصابة يوم 2 مارس عبر تكوين خلايا أزمة داخل المجالس البلديّة بالتعاون مع رجال الأعمال والمجتمع المدني“. وذكر رئيس الكنفدرالية أنّ السلطة المحلّية كانت سبّاقة في اتخاذ التدابير الوقائيّة من خلال عمليّات التعقيم ومنع الاكتظاظ وغلق قاعات الأفراح ووصف هذه الإجراءات بـ”الناجحة“، بدليل أنّ
السلطة الجهويّة اتّخذت نفس التدابير ولكن في وقت متأخر بالمقارنة مع البلديات. عدنان بوعصيدة، رئيس الكنفدرالية التونسية لرؤساء البلديات
وفي نفس الإطار صدر بيان مشترك عن رؤساء بلديّات منّوبة بتاريخ 2 أفريل 2020 وبيان ثان عن رؤساء بلديات توزر دعَوا من خلالهما السّلط الجهويّة إلى “الارتقاء بالعلاقة مع البلديات إلى مستوى الشراكة الفعلية“ في التخطيط والتنفيذ وعبّروا عن “رفض حجب المعطيات المتعلقة بالوضع الصحي خاصة قائمة المصابين والتي من شأنها أن تساعد البلديات على انتشار الفيروس“.
وعلى إثر هذه التجاذبات صدر بتاريخ 4 أفريل 2020 منشور مشترك بين وزارتي الداخليّة والشؤون المحلّية حول إحكام التنسيق بين السلط العمومية المركزية والجهوية والمحلية دعتا فيه إلى ”تفادي كل مظاهر عدم الانسجام وتشتيت القرار بين السلط العمومية على اختلاف مستوياتها“، مع التّذكير بمقتضيات الدّستور ومجلّة الجماعات المحلّية في ترسيخ المسار اللامركزية.