تنقل رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى منطقتي بئر سلطان والعين السخونة. قبلي، الإثنين 14 ديسمبر 2020

في الأثناء تتوالى المبادرات في نفس الاتجاه تحت عنوان إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث أطلقت يوم 09 ديسمبر الجاري الهيئة الوطنية للمحامين “مبادرة وطنية لإنقاذ البلاد من الأزمة الحالية” قالت الهيئة أنها ستكون بالاشتراك مع كافة المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدنيّ وتتضمّن خارطة طريق تضمن البناء الدستوريّ للمؤسسات وإقرار الإصلاحات السياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة الضّروريّة لتجاوز الأزمة الراهنة.

خلفية مبادرة المحامين

يبدو أن مبادرة الهيئة الوطنية للمحامين، شريك اتحاد الشغل في مبادرة الحوار سنة 2013، جاءت ردا على مبادرة اتحاد الشغل الذي أقصى شركائه السابقين وخاصة كل من هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. وكان توجه الهيئة واضحا وهو جمع منظمات المجتمع المدني باعتبارها قوة اقتراح، في مواجهة مبادرات الأحزاب السياسية التي تعتبر جزء من المشكل ومن الاحتقان الذي تعيشه البلاد. ولكن ماهو موقف رئيس الجمهورية من كل هذه المبادرات، ومن الدعوات لوضع حد للأزمة التي تعيشها البلاد، والتي وصلت الى حد المطالبة بحل البرلمان ونشر قوات الجيش لحماية المدن ومناطق الإنتاج؟

منذ ما يزيد عن السنة، تاريخ تسلمه لمهامه رئيسا للجمهورية، لم يعبّر قيس سعيد عن مواقف واضحة وحاسمة لا تحتمل التأويل. فهو من جهة الداعم للتحركات الاحتجاجية والمتفهم لغضب الشعب من الأحزاب السياسية المتآمرة على الدولة والمتربصة بها، ومن جهة أخرى يدعو إلى تطبيق القانون ضد كل من يساهم في إثارة الشغب وقطع الطرق. ومرة حريص على الحوار باحترام للدستور والالتزام بالقوانين، ومرة أخرى يلوح بما لديه من “صواريخ على منصاتها، مستعدة للاطلاق في أي لحظة”.

وخلاله لقائه الأسبوع الماضي بعض النواب من الكتلة الديمقراطية، على خلفية تعرضهم للعنف الجسدي من نواب ائتلاف الكرامة، قال سعيد “ستأتي اللحظة التي سأحمّل فيها المسؤولية للجميع أمام الله وأمام الشعب”. لكن لم يحدد من هم هؤلاء الذين يجب أن يتحملوا المسؤولية وكيف، هل هم نواب ائتلاف الكرامة أم حركة النهضة أم الترويكا التي استولت على الحكومة التي اقترح رئيسها.

استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد وفدا من أعضاء الكتلة الديمقراطية. قرطاج، الإثنين 7 ديسمبر 2020.

سيناريوهات على طاولة قيس سعيّد

نظريا، ليس أمام قيس سعيد باعتباره رئيسا للجمهورية غير طريقين، الطريق الأول هو الدخول في مفاوضات وحوار وطني يضم كل الفاعلين السياسيين وخاصة القوى الممثلة في البرلمان إلى جانب المنظمات الوطنية والنقابات وفي مقدمتها اتحاد الشغل واتحاد الأعراف، على أن تفضي هذه المباحثات إلى ميثاق سياسي واقتصادي واجتماعي ملزم للجميع، حكومة وبرلمانا وأحزابا ومنظمات. وتحدد هذه المفاوضات الإصلاحات الممكنة وخاصة فيما يتعلق بتنقيح قانون الانتخابات والمراسيم المتعلقة بالأحزاب والجمعيات، واستكمال الهيئات وخاصة المحكمة الدستورية. فضلا عن تحديد خارطة سياسية تعطي تفويضا للحكومة لفترة محددة من خلال برنامج عمل واضح، يقرر على إثرها إما استكمال العمل بالحكومة أو حلها.

الطريق الثاني هو أن يتجه سعيد للحلول القصوى من خلال وضع الطبقة السياسية كلها في سلة واحدة وتحميلها مسؤولية الأزمة الراهنة، واستغلال التحركات الاجتماعية التي اندلعت أو ستندلع في مناطق كثيرة من البلاد والدفع بها إلى الأقصى، أي خلق حالة القوة القاهرة، وتطبيق الفصل 80 الذي ينص على أنه

لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب

وهي حالة قد تقود لاحقا، اذا تواصلت الاحتجاجات والتصعيد “الثوري”، إلى سيناريو إنهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة.

نشر الجيش ووضع الفاسدين في الإقامة الجبرية

دعا الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي محمد عبو، في تدوينة على فايسبوك، إلى نشر قوات الجيش بطلب من القائد الأعلى للقوات المسلحة في المدن وكافة مناطق الانتاج، واستنفار قوات الأمن لحفظ النظام ومكافحة الجريمة ووضع السياسيين الذين تحوم حولهم شبهات فساد تحت الإقامة الجبرية. كما دعا إلى ضرورة حل البرلمان وفقا للفصلين 98 و    89لوقف ما أسماه بالكارثة. وعلى الرغم من تنصيص الفصل 80 من الدستور صراحة على أنه “لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة” بل أن مجلس النواب يعتبر في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة، إلا أنه لا أحد بإمكانه التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية بالبلاد في هذه الحالة. كما أن نشوء حالة “وعي ثوري شعبي” قد تمثل مبررا لرئيس الجمهورية للذهاب إلى الحلول القصوى ووضع كل السلطات تحت تصرفه، لا سيما في ظل غياب المحكمة الدستورية.

لكن إنهاء تجربة من الانتقال الديمقراطي، رغم مصاعبها ومشاكلها، لن تكون رحلة نهاية أسبوع، وقد تفتح الباب على مصراعيه أما سيناريوهات أخرى كارثية على غرار نشوب صراع عنيف بين مختلف الأطراف المتنازعة أو في أفضل الحالات قيام نظام دكتاتوري يستغل واقع الأزمة لفرض سياسة القبضة الحديدية.

ربما كل هذه السيناريوهات تحيلنا إلى ما يفكر فيه الرئيس تحديدا بعيدا عن الجمل الاعتيادية من قبيل أن ما سيحدث هو ما سيقرره الشعب الذي يعرف ما يريد، وهو فقط في انتظار اللحظة التي “عندما تأتي فإنها ستأتي في أوانها”.