وزير المالية السابق بالنيابة فاضل عبد الكافي، كان تاسع اسم تقلّد هذا المنصب منذ سنة 2011، ليقدّم استقالته في 18 أوت الجاري على خلفية صدور حكم غيابي ضدّه في علاقة بقضيّة تهرّب جبائي منذ سنة 2014. هذه الوزارة التي تعاقب عليها تسعة وزراء، مثّلت بعد 14 جانفي 2011 أحد أهمّ محاور الصراع السياسي تزامنا مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة وما ترتّب عنها من ارتدادات اجتماعيّة. لكن الذراع المالية للدولة ومركز القرار المالي والاقتصاديّ فيها، لم تستطع رغم تعاقب الأسماء الخروج من التصوّر المسطّر سلفا من قبل هيئات النقد الدوليّة، لتتحوّل وزارة المالية طيلة السنوات الستّ الماضية إلى خطّ النار الأوّل في مواجهة الحراك الاجتماعي.

وزارة الماليّة: تسعة وزراء في ستّ سنوات برؤية واحدة

  • رضا شلغوم: 15 جانفي 2010 – 27 جانفي 2011

تقلّد آخر وزراء بن عليّ منصب وزير الماليّة قبل سقوط نظام هذا الأخير بسنة، ليستمرّ في مهامه على رأس وزارة الماليّة حتّى مع انهيار النظام الحاكم في 14 جانفي 2011. بعد خروج الرئيس الأسبق من تونس وتولّي محمدّ الغنوشي زمام الأمور، استمرّ رضا شلغوم وزيرا للماليّة إلى تاريخ 27 جانفي 2011، لينسحب من المشهد لفترة طويلة إثر الإطاحة بما يُعرف بحكومة محمد الغنّوشي الأولى.

  • جلّول عيّاد: 27 جانفي 2011 – 24 ديسمبر 2011

رجل البورصة والمصرفي المتخرّج من جامعة ميرلاند الأمريكية ومدير فرع سيتي بنك الأمريكي في تونس، تولّى مقاليد تسيير وزارة الماليّة خلال الفترة الانتقاليّة وفي المرحلة الأكثر هشاشة بالنسبة للاقتصاد التونسي. جلّول عيّاد كان أوّل وزير يحسم ملفّ جدولة الديون، عبر إعلانه في أفريل 2011 عن اغلاق النقاش بخصوص هذا الملّف وأنّ مطالبة هيئات النقد الدولية بجدولة ومراجعة الديون التونسية قبل 2011 “أمر غير وارد”. تصريح تلته تحرّكات حثيثة لمراكمة أقساط أخرى من القروض عبر اجتماعات متتالية مع ممثّلي صندوق النقد الدولي طيلة الفترة التي قضاها على رأس وزارة المالية. مؤلّف كتاب طريق الياسمين، لم يخف في مؤلّفه أو خلال تصريحاته المتعاقبة عن تطابق رؤاه الاقتصاديّة مع ما جاء لاحقا في برنامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي من تقليص دور الدولة والتفريط في المؤسّسات العموميّة وتخفيض الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسيّة والمحروقات، بل والحدّ من التأثير النقابيّ عبر إنشاء خلايا أو مجالس داخليّة تتولّى الحوار بين المشغّلين والعملة.

  • حسين الديماسي: 24 ديسمبر 2011 – 27 جويلية 2012

قبل تولّيه منصب وزير المالية في أوّل حكومة عقب انتخابات أكتوبر 2011، شغل النقابي والأستاذ الجامعي المختصّ في الاقتصاد حسين الديماسي منصب وزير التشغيل والتكوين المهني لأقلّ من 24 ساعة في حكومة محمد الغنوشي الأولى. بدأت خلافاته مع الفريق الحكومي لحمادي الجبالي منذ الوهلة الأولى حول السياسة المالية للدولة ومسألة التعويضات، لتنفجر الخلافات أكثر مع إقالة محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي انتهاء بتسليم رئيس الحكومة الليبية الأسبق محمود البغدادي والتي أعقبها تقديم استقالته في 27 جويلية 2012.

  • سليم بسباس: 27 جويلية 2012 – 13 مارس 2013

بعد استقالة حسين الديماسي، تمّ تعيين النائب الحالي عن حركة النهضة في مجلس نوّاب الشعب سليم بسباس، وزيرا مؤقّتا للمالية إضافة إلى منصبه ككاتب دولة في نفس الوزارة. أستاذ القانون وعضو لجنة المالية والتخطيط والتنمية في المجلس النيابي، أدّى مهمّة سدّ الشغور واستكمال قانون المالية لسنة 2012 دون الدخول في معارك سياسية او إعلامية تُذكر، ليغادر منصبه ويعود لكتابة الدولة في وزارة المالية عقب تعيين خلفه الياس الفخفاخ في 13 مارس 2013.

  • الياس الفخفاخ: 13 مارس 2013 – 29 جانفي 2014

شغل الياس الفخفاخ منصب وزير المالية خلال أكثر مراحل الصراع السياسي عقب جانفي 2011. المهندس السابق في شركة طوطال الفرنسيّة، ووزير السياحة الأوّل في حكومة حمّادي الجبالي، ثُبّت في منصب وزير المالية في حكومة علي العريّض عقب اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية شكري بلعيد ليكون شاهدا على أزمة أخرى عقب اغتيال القيادي الثاني محمد البراهمي واسقاط حكومة الترويكا. ارتبط اسم الياس الفخفاخ برسالة النوايا السرية المُرسلة إلى مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في فيفري 2013 والتي أمضاها وزير المالية حينها رفقة محافظ البنك المركزي الشاذلي العيّاري، متعهّدين بالالتزام ببرنامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي مقابل حزمة من القروض.

  • حكيم بن حمّودة: 29 جانفي 2014 – 06 فيفري 2015

المرحلة الانتقالية الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، برئاسة مهدي بن جمعة شهدت تنصيب الخبير الاقتصادي والمستشار الخاصّ لرئيس البنك الافريقي للتنمية على رأس وزارة المالية. هذا الوزير لم يحد عن خطى سابقيه من حيث الالتزام بالتطبيق الحرفي لرسالة النوايا الخاصّة بصندوق النقد الدولي. تجميد الانتدابات، وإعلان الاكتتاب العمومي إضافة إلى مواصلة التفاوض حول أقساط قروض هيئات النقد الدوليّة، تأجيل النظر في مشروع الإصلاح الجبائي والتلويح بعصا الترهيب الاقتصادي كانت أهمّ ملامح عهد الوزير حكيم بن حمودة على الصعيد المالي والاقتصادي.

  • سليم شاكر: 06 فيفري 2015 – 27 أوت 2016

جاء سليم شاكر المستشار السابق للبنك الدولي إلى وزارة المالية مع رئيس الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية والرئاسيّة في أكتوبر 2014. شهدت حقبة هذا الوزير تراجع النموّ الاقتصاديّ ب0.3% عن سنة 2015، وفقدان الدينار التونسي 20% من قيمته أمام الدولار، إضافة إلى تطوّر نسبة البطالة من 15.4% سنة 2015 إلى 15.5% سنة 2016 وارتفاع عجز الميزان التجاري إلى 31.10% نهاية سنة 2016 مقابل 30.38% بداية سنة 2015 وتطوّر عجز الموازنة العموميّة من 4.8% سنة 2015 إلى 5.7% نهاية سنة 2016. في المقابل كرّس سليم شاكر جهده لتنفيذ نقاط برنامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي ليتمّ في عهده تخفيض في دعم محروقات والمواد الأساسيّة بقرابة 600 مليون دينار والمصادقة على قانون رسملة البنوك العمومية والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاصّ إضافة إلى المصادقة على مشروع قانون النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي و قانون إصلاح البنوك والمؤسسات المالية. غادر سليم شاكر وزارة المالية نهاية شهر أوت 2016 تاركا الملفّ مفتوحا في واحدة من أشهر القضايا التي ارتبطت بوزارة الماليّة فيما عُرف بقضيّة الحاوية البلجيكيّة. مع قدوم رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد استُثني سليم شاكر من الفريق الحكومي ليتمّ استدعاؤه كمستشار مكلّف بالشؤون السياسية في بداية شهر سبتمبر من نفس السنة.

  • لمياء الزريبي: 27 أوت 2016 – 30 أفريل 2017

على عكس سابقها وزير المالية سليم شاكر، لم تخض لمياء الزريبي تجربة سياسية تُذكر، واكتفت بدور تقني صلب الإدارة التونسية ومؤسّساتها الاقتصاديّة. وهو ما يجعل منها أداة تنفيذية لمشروع الإصلاح الهيكليّ الذي استوفى شروطه القانونية بعد أن استطاع الفريق الحكومي السابق تمرير القوانين الخاصّة بالقطاع المالي على مجلس النواب والمصادقة على حزمة “الإصلاحات” المشروطة من صندوق النقد الدوليّ.

انتهت مسيرة لمياء الزريبي على رأس وزارة الماليّة بقرار رئيس الحكومة اقالتها من منصبها عقب تصريح أدلت به على أحد الإذاعات الخاصّة في 18 أفريل من السنة الجارية، معلنة المضي قدما في تخفيض سعر صرف الدينار التونسي تماشيا مع توجيهات صندوق النقد نحو إضفاء مرونة أكبر على سعر الصرف. زلّة لسان تسببت في هبوط غير مسبوق للدينار أمام الأورو والدولار وأجبرت البنك المركزي على التدخل في سوق الصرف وضخّ 100 مليون دولار لمواجهة الهبوط الحاد للدينار ورفع نسبة الفائدة الرئيسية من 4.25% إلى 4.75%.

  • فاضل عبد الكافي: 30 أفريل 2017 – 18 أوت 2017

لم يستطع فاضل عبد الكافي وزير الاستثمار والتنمية الذّي كُلّف بنيابة وزيرة المالية المُقالة الاستمرار طويلا في منصبه، ليترك كلتا الوزارتين في 18 أوت الجاري على خلفية صدور حكم غيابي ضدّه في علاقة بقضيّة تهرّب جبائي منذ سنة 2014. المدير السابق للشركة التونسيّة للأوراق الماليّة ورئيس بورصة تونس من سنة 2011 إلى سنة 2014، لم يختلف في رؤاه الاقتصاديّة عن سابقيه، حيث كشف صراحة عن مقاربته لحلّ الأزمة الاقتصاديّة المتواصلة عبر الاقتراض أو بيع المؤسسات العمومية. تمشٍ ترجمه من خلال خياراته في وزارته الأولى واشرافه على منتدى تونس الدولي للاستثمار، أو خلال الجلسات العامّة التي حضرها في مجلس النوّاب ومضيّه قدما في سياسة التداين والبحث عن مصادر تمويل واقتراض جديدة.