palais-justice-tunis

شرع مجلس نواب الشعب مؤخرا في مناقشة فصول مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء الذي أصدرته وزارة العدل بحكومة الحبيب الصيد بتاريخ 11 مارس 2015. ويتمثل دور هذا المجلس الدستوري حسب الفصل الأول من مشروع القانون الخاص به في ضمان استقلال السلطة القضائية وحسن سير القضاء طبق أحكام الدستور ودعم استقلالية القاضي والسهر على التزامه بأخلاقيات القضاء.

هذا المشروع الذي تجب المصادقة عليه ثم تركيز المجلس الأعلى للقضاء قبل تاريخ 26 أفريل القادم حسب ما ينص عليه الدستور الجديد، أحدث جدلا كبيرا في الأوساط القضائية والبرلمانية، حيث تواترت التصريحات من ذوي الإختصاص حول قيام وزارة العدل بإدخال تغييرات في نص مشروع القانون تمس من استقلاليته بالإضافة إلى تأكيد عديد الأطراف على استحالة إمكانية المصادقة عليه قبل الموعد المحدد مما ينبئ بخرق محتمل للدستور.

أهم بنود مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء

يتضمن مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء 89 فصلا صلب خمسة أبواب تنظم الأحكام العامة وتركيبة المجلس واختصاصاته وتنظيمه الإداري والمالي والأحكام الإنتقالية الخاصة به.

وينظم الفصل 13 من هذا المشروع تركيبة المجلس الأعلى للقضاء حيث ينص على تكونّه من أربعة هياكل هي : مجلس القضاء العدلي، مجلس القضاء الإداري، مجلس القضاء المالي والجلسة العامة القضائية الثلاث. كما تقدم الفصول من14 إلى 37 تنصيصا تفصيليا حول تركيبة هياكل المجلس الأعلى للقضاء وكيفية انتخابها.

ويحدد الفصل 38 من هذا المشروع اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء وتتمثل أهمها في الآتي:

● إصدار قرارات ترتيبية في مجال اختصاصه،

● وضع التدابير المتعلقة بالمسار المهني للقضاة ونظام تأجيرهم،

● تعيين أربعة قضاة بالمحكمة الدستورية،

● إعداد مدونة أخلاقيات القاضي،

● تلقي الشكاوى والبلاغات المتعلقة بمخالفة بعض بنود الدستور،

● إصدار القرارات المتعلقة بالمسار المهني للقضاة وبالتأديب ورفع الحصانة.

ومن بين الإختصاصات الأخرى نذكر إصدار القرارات المتعلقة بإلحاق القضاة واستقالتهم وإحالتهم على عدم المباشرة والإعفاء والتقاعد المبكر بالإضافة إلى الإشراف على المعهد الأعلى للقضاء والإشراف على التفقد القضائي.

أما الأحكام الإنتقالية فقد نصت على أن تحدث بصفة وقتية لجنة وطنية تسمى ”اللجنة الوقتية المستقلة لعضوية المجلس الأعلى للقضاء” يكون مقرها بمقر الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات تتولى الإشراف على الإنتخابات الأولى لأعضاء المجالس القضائية الثلاثة من القضاة وتلقّي التعيينات المقترحة والخاصّة بالأعضاء المستقلّين من غير القضاة.

تجاذب بين القضاة والمحامين وإخلالات دستورية

مرة أخرى يفرض غموض بعض التنصيصات في الدستور حالة من الفوضى تتعلق بتطبيق بعض ما جاء فيه من فصول. ويمس الغموض في هذه الحالة تأويل الفصل 112 من الدستور والذي ينص على الآتي:

يتكوّن المجلس الأعلى للقضاء من أربعة هياكل هي مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي، والجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة.

يتركب كل هيكل من هذه الهياكل في ثلثيه من قضاة أغلبهم منتخبون وبقيتهم معينون بالصفة، وفي الثلث المتبقي من غير القضاة من المستقلين من ذوي الاختصاص، على أن تكون أغلبية أعضاء هذه الهياكل من المنتخبين. ويباشر الأعضاء المنتخبون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات.ينتخب المجلس الأعلى للقضاء رئيسا له من بين أعضائه من القضاة الأعلى رتبة. يضبط القانون اختصاص كل هيكل من هذه الهياكل الأربعة، وتركيبته، وتنظيمه، والإجراءات المتبعة أمامه. الفصل 112 من الدستور

وفي هذا الخصوص أكدت رئيسة نقابة القضاة التونسيين روضة العبيدي خلال ندوة انتظمت مؤخرا بالعاصمة أن باب السلطة القضائية في الدستور يتميز بالغموض حيث يفتح الفصل 112 الباب أمام تضارب التأويلات في ما يتعلق بتعريف مفهوم “ذوي الإختصاص” ما من شأنه أن يعطل النقاشات ويؤخر المصادقة على هذا المشروع.

وطالب الرئيس الشرفي لإتحاد القضاة الإداريين أحمد صواب في تصريح لنواة بضرورة حل الإشكال المتعلق بعضوية هياكل المجلس الأعلى للقضاء من غير القضاة مشددا على أهمية تجاوز الغموض بالتنصيص على أن تشمل هذه الفئة المحامين والجامعيين المختصين في المجال القانوني.

من جهة أخرى يسعى المحامون إلى الظفر بتميثلية جيدة في تركيبة هياكل المجلس حيث أكدوا أنه من حقهم دون غيرهم من الإختصاصات القضائية التمتع بالثلت المتبقي في هذه التركيبة. ويستند المحامون في هذا الرأي إلى الفصل 105 من الدستور الذي ينص على ضرورة أن يتشارك المحامون والقضاة في إقامة العدل.

المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات. يتمتع المحامي بالضمانات القانونية التي تكفل حمايته وتمكنه من تأدية مهامه. الفصل 105 من الدستور

وقد عرفت أشغال لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب تجاذبات عديدة حيث احتدم النقاش حول سيطرة النواب المحامين وعددهم 16 من أعضاء هذه اللجنة على مجريات النقاش وإمكانية استغلال صفتهم لمنح قطاع المحاماة صلاحيات واسعة على حساب بقية القطاعات القضائية، هذا الأمر الذي نفى رئيس لجنة التشريع العام عبادة الكافي في تصريح لنواة إمكانية حدوثه موضحا أن جميع النواب يتعاملون مع النص التشريعي بحياد ومسؤولية.

كما عرفت نقاشات هذا المشرع احتجاجات واسعة من مختلف مكونات سلك القضاء حيث نظم القضاة مؤخرا إضرابا عاما بسبب ما اعتبروه تصرفا خاطئا من طرف وزارة العدل بقيامها بإصدار نسخة مشوهة لمشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء تتعارض بعض فصوله مع ما جاء في الدستور. كما شملت الإحتجاجات العدول المنفذين وعدول الإشهاد والجامعيين والقضاة العسكريين وغيرهم من ممثلي القطاع.

وأكد رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرحموني في تصريح لنواة أن أغلب الإحتجاجات ضد مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء لم تأت من فراغ. ووضّح الرحموني أن

تصور الدستور للمجلس الأعلى للقضاء لم يجد موقعه في مشروع القانون الذي تتم مناقشته في هذه الفترة بمجلس النواب. وقد تمت مخالفة الدستور في عدد من النقاط من بينها نذكر تنصيص الفصل 107 من الدستور على عدم قابلية القضاة للعزل وعدم احترام مشروع قانون المجلس لهذا المبدأ. أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

كما يحد هذا المشروع حسب محدثنا من اختصاصات المجلس حيث لا ينص على ضرورة إشرافه على المحاكم رغم تأكيد الدستور على أن للمجلس اختصاصات مطلقة من أجل ضمان حسن سير القضاء. كما حمّل الرحموني مسؤولية اللغط الحاصل حول تركيبة المجلس لوزير العدل الذي قام بتغيير التركيبة في مشروع القانون بطريقة انفرادية دون استشارة الهيئات المعنية ليخلق أزمة بين مختلف هياكل القطاع

إضافة إلى هذه اللخبطة على مستوى احترام النص الدستوري أو محاولات تجاوز غموضه فإن إشكالا أهم دفع نواب مجلس الشعب إلى التسريع في مناقشة مشروع هذا القانون ويتمثل في كيفية الإلتزام بالآجال الدستورية. ويعتبر تأكيد الدستور على ضرورة تركيز المجلس الأعلى للقضاء قبل يوم 26 أفريل الجاري (بعد مرور ستة أشهر على الإنتخابات التشريعية) بمثابة المهمة المستحيلة حيث أكد بعض أعضاء لجنة التشريع العام لنواة أنه في صورة نجاح مجلس نواب الشعب في المصادقة على هذا القانون قبل تاريخ 20 أفريل الجاري فإن انتخاب تركيبة هياكل المجلس ستتطلب وقتا طويلا وبالتالي فإن خرق الدستور في هذا الخصوص سيكون حتميا.