أصدرت النيابة العمومية، بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي يوم 31 أوت الجاري، قرارا يقضي بتحجير السفر على مروان المبروك وعدد من أفراد عائلته لمدّة 15 يومًا، للاشتباه في وجود سوء تصرّف في الممتلكات المصادرة.

مروان المبروك، أو ”رجل الأعمال المعروف“، كما عنونت بعض الصحف والاذاعات والمواقع الالكترونية تجنّبًا لذكر اسمه، هو صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وهو سليل عائلة نافذة في مجال التجارة والتوزيع والقطاع البنكي والاتصالات ووكالات السيارات، يدير سلسلة محلات ”جيان” و”مونوبري” و”الزفير”، يمتلك أسهما في بنك تونس العربي الدولي ومشغّل الاتصالات ”أورونج” وشركة البسكويت سيدة.

 بعد 2011، صودرت أملاك بن علي وأفراد عائلته وأصهاره، من بينهم مروان المبروك الّذي ورد اسمه بالملحق الخاصّ بالأشخاص المعنيين بإجراء المصادرة، على اعتبار أنهم اكتسبوا أموالا بطريقة غير مشروعة بحكم قربهم من الرئيس الأسبق، وذلك بمقتضى المرسوم عدد 13 لسنة 2011 المتعلّق بمصادرة الأموال والممتلكات المنقولة والعقاريّة. تتمثّل هذه الأملاك بالخصوص في شركة أنفستاك Investec المالكة لشركة أورانج تونس (51 % من أسهم الشركة) والمغرب للمساهمات (MPH) وشركة غات للتأمين GAT إضافة إلى أملاك عقارية منقولة وغير ذلك.

خفّة يد رجل الأعمال

خضعت شركة ”مجموعة المغرب للمساهمات“ MPH إلى التصرف القضائي منذ 2011 بطلب من الشركة التونسية للبنك على اعتبارها دائنًا، صودرت أسهم مروان المبروك وعائلته بما يمثل 99% من أسهم الشركة، لفائدة الدولة التونسية في 31 ماي 2012. إلا أنّ المبروك بادر بشكل استباقي بسداد ديونه لدى الشركة التونسية للبنك واستصدر حكما

استعجاليّا في 05 مارس 2012 مكّنه من رفع الائتمان القضائي على شركة المغرب للمساهمات MPH، وشراء سهم على ملك شركة ”الاستثمار والتنمية الميكانيكية“ المساهمة في رأس مال شركة MPH، وهو ما اعتبره تقرير هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية التابعة لرئاسة الحكومة خرقًا للقانون نظرًا لحصول مروان المبروك على السهم بطريقة غير شرعية، وبالتالي حصوله على صفة في الشركة رغم أنّها مُصادَرة.

في مراسلة وجّهتها إلى المكلّف العام بنزاعات الدّولة في 25 جانفي 2019، أكّدت هيئة الرقابة العامّة أنّ ما قام به مروان المبروك ساهم في الإضرار بحقوق الدولة في شركة المغرب للمساهمات، وتحقيق منفعة شخصية مكنته من تسيير الشركة رغم أنها مصادرة.

أمّا بخصوص شركة أنفستاك، فقد خضعت بدورها إلى التصرف القضائي في 28 فيفري 2011 ليتمّ رفعه في 06 مارس 2012 بطلب من المكلّف العام بنزاعات الدّولة، وتمّت مصادرة أسهم مروان المبروك وابنيه في 12 جويلية 2012. مواصلة في انتهاج الأساليب الملتوية، قام مروان المبروك بشراء السهم الوحيد الّذي تملكه ”شركة المغرب للمساهمات“ في رأس مال شركة أنفستاك، ليستعيد تسيير الشركة دون وجه حقّ.

تساهم شركة أنفستاك بنسبة 51% في شركة أورونج تونس للاتصالات، فيما تساهم أورونج فرنسا بنسبة 49% في الشركة ذاتها، منذ 2009. تمّ الاتفاق بين الطرفين على التفويت في نسبة من رأس مال شركة أنفستاك تتراوح بين 2 و16% لفائدة الشريك الفرنسي، ليتحصّل على أغلبية الأسهم في شركة أورونج تونس. ونظرًا لكون مروان المبروك معنيًّا بإجراءات تحفّظية، فقد تمّ رفع التجميد على ممتلكاته خارج تونس حتّى يتمكّن من إبرام هذا الاتّفاق، بتدخّل مباشر من رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ما أثار ردود أفعال سياسية وحقوقية غاضبة إزاء التدخّل الصارخ لرئيس الحكومة بنفسه في ملفّ شائك، يُفترَض أن يكون محسومًا قضائيّا، وأن تُفصَل فيه الأحكام لفائدة الدّولة، لا لفائدة المقرّبين من النظام.  منظمة أنا يقظ ، تقدمت بشكاية لدى وكيل الجمهورية بتاريخ 7 جانفي 2019 ضدّ رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الّذي تدخّل لدى الاتحاد الأوروبي لرفع قرار تجميد أموال مروان المبروك، فيما دافع وزير أملاك الدّولة السابق الهادي الماكني المنتمي إلى حزب يوسف الشاهد ”تحيا تونس“ عن قرار رفع التجميد على اعتبار أنّه سيخلق ثروة لفائدة الدولة التونسيّة تُقدَّر بـ160 مليون دينار تُوجّه لخلاص الدّيون.

أمّا مشغّل الاتصالات أورونج تونس، فقد سجّل تقرير هيئة الرقابة العامّة عدم تمكّن الدولة من امتلاك كافّة الأسهم المصادرة واستيلاء مروان المبروك على تسعة أسهم جديدة في الشركة بسبب تقصير الهياكل الإدارية والقضائية في إتمام إجراءات نقل الأسهم المصادرة لفائدة الدّولة التونسية.

ترحيل الأزمة عبر الحكومات

في 08 جوان 2020، استمعت لجنة الإصلاح الإداري بالبرلمان المنحلّ إلى غازي الشواشي، وزير أملاك الدّولة الأسبق، الّذي يقبع في السجن حاليّا على خلفية ما يعرف بقضيّة التآمر على أمن الدّولة. قال حينها إنّ المحكمة الإدارية أصدرت ستّة عشر حكما في جويلية 2018، لكنّها لم تُنشَر، ما يعطّل مهامّ المكلّف العام لنزاعات الدّولة ويحول دون تنفيذه قرارات المصادرة. قال الشواشي حينها إنّ ”المحكمة الإدارية تُعطّل وتُماطل في نشر هذه الأحكام“، متسائلا: ”كيف يُمكن للقضاء أن يُعطّل أحكاما صادرة عن الدّولة التونسية“؟

ويبدو أنّ فتح ملفّ مروان المبروك الابن المدلّل لمنظومة التوافقات كان من بين الأسباب الّتي عجّلت بإسقاط حكومة إلياس الفخفاخ في جويلية 2020.

في المقابل، يقدّم قيس سعيد وصفة استرجاع الأموال المنهوبة كحلّ جذري لمحاربة الفقر وتحقيق السيادة الوطنية. سعيد التقى للغرض بوزير الخارجية نبيل عمار في 29 أوت 2023 ليحدّثه عن ضرورة ”تكثيف العمل الدبلوماسي لاسترجاع أموال الشعب التونسي المنهوبة في الخارج“، ما دفع منظمة أنا يقظ التي تشتغل على ملفّ الأموال المنهوبة منذ عشر سنوات إلى إصدار بيان يوم 31 أوت الجاري بعنوان ”أزمة الأموال المنهوبة تكمن في الأقوال المكذوبة“، وضعت من خلاله كُلّا من رئيس الدولة ووزير الخارجية أمام مسؤولياتهما الديبلوماسية في استرجاع الأموال المنهوبة بالخارج، مذكّرة الوزير بتولّيه منصب سفير ممثل للدولة التونسيّة لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسيل معقل الديبلوماسيّة الأوروبيّة، في الوقت الّذي رفع فيه الأوروبيون التجميد على أموال سبعة أفراد من عائلة بن علي، إلى جانب تولّيه شؤون سفارة تونس ببلجيكا في نوفمبر 2020 بعد إحداث لجنة رئاسة الجمهوريّة لاسترجاع الأموال المنهوبة. في الأثناء، صدر القرار عن القطب القضائي الاقتصادي والمالي القاضي بتحجير السفر على مروان المبروك، ليسارع على إثره إلى اقتراح صلح جزائي مع اللجنة المختصّة.

قرار تحجير السفر هو إجراء تحفّظي إزاء الأشخاص المظنون فيهم، قد يمهّد لإدانة المعني بالأمر أو تبرئته. يرى بعض المحلّلين ورجال القانون مثل الرئيس الشرفي لجمعية القضاة الإداريين أحمد صواب أنّ المبدأ هو البراءة وليس العكس، خاصّة وأنّه من الصعب تمييز الأملاك التي تمّ اكتسابها بطريقة غير مشروعة وبين الأموال التي انتقلت عن طريق المواريث. وفي كلّ الحالات، تتحمّل الدّولة التونسية بمختلف أجهزتها الحكومية والقضائية والإدارية والديبلوماسية أثقال استرجاع الأموال والتسريع بإصدار الأحكام القضائية ومباشرة تنفيذها. أما وسائل الاعلام التي تمثل مداخيل الاشهار عمودها الفقري، فقد وجدت نفسها في حرج مهني أخلاقي بين واجب نشر المعلومة والخوف من إغضاب آل المبروك وأخطبوط شركاتهم، التي تمثل عقود الاشهار معها طعما تقضمه وسائل الاعلام لتعلق توازناتها المالية به، فتتحول أخبار تحجير السفر والايقاف والملاحقة القضائية إلى ما يشبه المشي داخل حقل ألغام مهجور.