لم تفلح حكومة نجلاء بودن في ستر عجزها عن تأمين الأسواق بالخضر والغلال واللحوم، بتوريد 70 طنا من الموز المصري وتحديد سعر خمسة دنانير للكلغ الواحد قبل دخول شهر رمضان، لتتراوح أسعاره بعد أسبوعين من شهر رمضان بين 7,5 و10 دنانير .لم تصدق مقولة الإمام مالك التي أوردها أبو نعيم في كتاب ”حلية الأولياء وطبقات الأصفياء“ حين قال، ”لا شيء أشبه بثمر الجنة منه، لا تطلبه في شتاء ولا في صيف إلا وجدته“، فالعثور على الموز بالسعر الذي حددته وزارة التجارة يتطلب ثلاث خيارات: الأول ضبط منبه الساعة من أجل الاستيقاظ باكرا للوصول إلى الموز في أحد الفضاءات التجارية الكبرى، والثاني هو إلغاء نصف يوم من المواعيد من أجل حجز مكان في الصفوف الطويلة أمام إحدى نقاط البيع من المنتج إلى المستهلك، أما الخيار الثالث فهو جولة كبيرة على الأسواق في العاصمة، وغالبا ما تكون جولة غير مجدية.

البحث عن الموز

بدأت رحلتنا في البحث عن الموز وفق السعر الذي حددته وزارة التجارة في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، كانت الوجهة الأولى هي إحدى مغازات ”مونوبري“، كان المكان المخصص للغلال خاليا من الموز رغم أن الساعة لم تتجاوز التاسعة ونصف صباحا، قال أحد العملة لنواة إن كميات الموز التي تتزود بها المغازة غير متكافئة مع حجم الطلب الكبير، لذلك يترصد الحرفاء موعد فتح المغازة صباحا لنيل حاجتهم قبل أن تنفذ الكمية في وقت قصير جدا. الوجهة الثانية كانت ”المغازة العامة“ وكان الأمر مشابها، مع وعد أطلقه أحد الباعة هناك، بحكم معرفة سابقة، قائلا ”يمكن أن أحجز لك كيلوغراما من الموز غدا قبل فتح باب المغازة ويمكنك المرور لتنالي حاجتك حين تشائين“.

كان الخيار الثاني هو الأصعب، فالوقوف أمام نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك يتطلب صبرا كبيرا، وسط طابور طويل من المواطنين الباحثين عن توفير بعض المليمات داخل حافظة النقود. روى أحد الحرفاء الواقفين في الطابور لموقع نواة، أنه يخيّر الوقوف في صف طويل على شراء حاجته من اللحوم والغلال بأسعار مرتفعة من الأسواق العادية. ويستدرك ”للأسف هذا الخيار لا يلائم الأجراء بسبب طول وقت الانتظار من أجل الدخول، لا أعتقد أن أحدا ما سيطلب إجازة من عمله حتى يقصد نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك لتوفير بعض المليمات“. تنتهي الرحلة بعد أكثر من نصف ساعة من الوقوف الممل، لتبدأ رحلة ثالثة نحو سوقين عاديين.

رسم تمثيلي للعمل الفني المثير للجدل ”كووميديان“ لماوريزيو كاتيلان

كانت الوجهة الأولى هي سوق سيدي البحري بالعاصمة، والذي يقصده عدد كبير من سكان أحياء لافايات وباب الخضراء خاصة. وسط السوق المغطى، لم يكن هناك أثر للموز في عربات الغلال، قال أحد الباعة هناك إن زيارة وزيرة التجارة كلثوم بن رجب للسوق في الثاني من شهر رمضان، مصحوبة بفرقة مراقبة، أجبرت الباعة الذين كانوا يبيعون الموز بسعر سبعة دنانير أو أكثر على الامتناع عن بيعه مجددا، خاصة بعد حجز كميات كانت غير معروضة خلال تلك الزيارة، وإجبار أحدهم على عرضه وبيعه بسعر خمسة دنانير للكلغ الواحد. الوضع في السوق البلدي بحي الخضراء كان مماثلا. أحد الباعة صرح لنواة أن جميع باعة الغلال في السوق المذكور خيّروا عدم التزود بالموز خاصة بعد تحديد سعره من قبل وزارة التجارة مضيفا : ”أتعجّب من اللهفة الكبيرة على الموز من قبل التونسيين وكأن الأمر متعلق بمادة لا يمكن الاستغناء عنها، وأستغرب من تحديد سعره بخمسة دنانير، وهو سعر مرتفع نسبيا مقارنة بسعره قبل ثلاث سنوات والذي وصل إلى ثلاثة دنانير ونصف حينها“.

انتهت رحلة نواة في البحث عن الموز دون نتيجة تسُرّ، لتبدأ رحلة مضنية ثانية في البحث عن أرقام رسمية لكميات الموز المستوردة خلال هذا العام وقيمتها بالدينار التونسي.

أرقام مخفية

أعلنت وزارة التجارة عن حصيلة مراقبتها للأسواق في شهر رمضان، وحسب بلاغها تمكنت من حجز 138 طنا من الموز والتفاح والفراولة، من ضمنها ما يقارب خمسة أطنان من الموز، بسبب مخالفات قام بها باعة الخضر والغلال. في المقابل، لم تقدّم الوزارة أرقاما عن حجم واردات الموز هذا العام وقيمتها وقائمة الشركات المختصة في توريده. وقال المكتب المكلف بالإعلام في الوزارة إنها لا تملك تلك المعطيات لأن توريد الموز لا يخضع إلى ترخيص مسبق منها، وأن الديوان التونسي للتجارة الذي يحتكر توريد المواد الأساسية، سبق أن قام بتوريد الموز سنة 2019، وهي من الحالات الاستثنائية، وذلك بعد 19 سنة من الغياب، وأن الإدارة العامة للديوانة هي المكلفة بتوفير المعطيات عن حجم الإيرادات من الموز وقيمته والشركات التي تقوم بتوريده.

توجهت نواة بطلب المعطيات من هيثم زناد الناطق الرسمي باسم الديوانة، غير أنه قال إن الإجابة تتطلب ترخيصا من المديرة العامة وذلك عبر إرسال مكتوب يشرح المعطيات المراد الحصول عليها، ولم تتوصل نواة إلى حد الآن بأي رد.

حسب موقع volza، وهو موقع متخصص في توفير البيانات للمستثمرين عن الأسعار والشركات المورّدة والمصدّرة، توجد 44 شركة تونسية تقوم بتوريد الموز، أهمها شركة ”Sotudis Fruits“ تليها شركة ”Le Finar SA“ ثم ”Univers De L’agriculture“، وحسب موقع “موردور أنتلجنس“ المتخصص في توفير بيانات للشركات والمصنعين، فإن معدل استهلاك تونس للموز متوسط شأنها شأن دول أمريكا الجنوبية وكل دول القارة الإفريقية، وأن معدل استهلاكها يفوق معدل استهلاك الأوروبيين لذلك النوع من الغلال. بلغت قيمة واردات تونس من الموز سنة 2021 أكثر من 27 مليون دولار أي ما يقارب 70 مليون دينارا حسب موقع ”تريدج“، واستوردت تونس حسب منظمة الأغذية والزراعة سنة 2022 ما يقارب 35 ألف طن من الموز.

Burstein Collection, Corbis/VCG Via Getty Images

في كتابه ”سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي“ يروي عبد الملك العصامي قصة إغواء الشيطان حواء وآدم بأكل ثمرة محرمة، فكانا يعلمان أَن ”من أكل مِنها بدت عورته، ومن بدت عورته أُخرج من الجنة.  فقيل إن آدم استتر بورق التّين وحواء بورق الموز، وفي كتاب الوصية، استترا بورق الموز“. لكن عجز حكومة بودن ومن ورائها إجراءات الرئيس سعيد الشعبوية لم تستره أوراق الموز ولا قشوره اللزجة.