تقدّمت نواة في 2 جويلية 2021 بمطلب نفاذ إلى المعلومة لوزارة العدل تطلب فيه عدد المستفيدين من قانون المصالحة الإدارية، وذلك لمحاولة قياس مدى فاعليّة هذا القانون في تحرير روح المبادرة في الإدارة، ومعرفة ما إذا كانت الغاية من سنّه قد تحقّقت أو لا. ولكنّ المكلّف بالنّفاذ للمعلومة لدى وزارة العدل أفادنا بإجابة بتاريخ 23 أوت 2021 أكّد من خلالها أنّ “المعلومة المتعلّقة بعدد المستفيدين من قانون المصالحة الإدارية غير متوفرة بالنظام الإحصائي لوزارة العدل”، ممّا يجعل من الصعب حصر المعنيّين بهذا القانون.

ينطبق قانون المصالحة في المجال الإداري على الموظّفين العموميين وأشباههم الّذين ارتبكوا أفعالا متّصلة إمّا بمخالفة التراتيب أو الإضرار بالإدارة لتحقيق منفعة لا وجه لها للغير شريطة عدم الحصول على فائدة لا وجه لها لأنفسهم، وفق ما ينصّ عليه الفصل 2 من هذا القانون. وحسب الفصل 82 من المجلّة الجزائية (الصفحة 29)، فإنّ الموظّف العمومي هو “كلّ شخص تُعهد إليه صلاحيات السّلطة العموميّة أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدّولة أو جماعة محلّية أو ديوان أو مؤسّسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي”. أمّا أشباه الموظّفين العموميين فيُعرّفهم الفصل ذاته على أنّهم “كلّ من له صفة المأمور العمومي ومن انتُخب لنيابة مصلحة عموميّة أو من تعيّنه العدالة للقيام بمأموريّة قضائيّة”. وعليه، فإنّ مجال تطبيق القانون واسع، إذ يشمل المديرين العامّين، وكُتّاب الدّولة، ومُسيّري المرافق العموميّة وغيرهم ممّن أمضوا صفقات مشبوهة وفاسدة استفاد منها أصحاب النّفوذ والمُقرّبون من النّظام.

ولعلّ من أبرز القضايا الّتي تمتّع فيها موظّفون عموميّون وأشباههم بالصلح الجزائي، قضيّة كاكتوس برود مع التلفزة الوطنيّة، الّتي تتلخّص في استغلال شركة كاكتوس برود التي كانت على ملك سامي الفهري وبلحسن الطرابلسي صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لمعدّات التلفزة الوطنية واستغلال مساحات إشهارية وارتكاب أفعال موجبة للعقاب بحكم الفصل 96 من المجلة الجزائية. ولكن استفاد عبد الوهاب عبد الله مستشار بن علي وخمسة رؤساء مديرين عامّين لمؤسسة التلفزة الوطنيّة من قانون المصالحة في المجال الإداري، وذلك بمقتضى قرار من الدائرة المختصّة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس صدر في مارس 2021.

كما تمتّع عدد من المسؤولين في شركة الاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة “صوتيتال” بعفو جزائي في إطار تفعيل قانون المصالحة في المجال الإداري في فيفري 2018. وكانت هذه الوكالة تُشغّل برهان بسيّس، القيادي السابق في نداء تونس وأحد رجال الدعاية لنظام بن علي، بأجر قدر مجموعه ب198 ألف دينار، دون أن يُباشر عمله.

وتتعدّد الأمثلة حول الممارسات الفاسدة الّتي يتمّ العفو عنها بمقتضى نصّ قانوني رفضته أحزاب المعارضة وأغلبية المنظمات غير الحكومية وطيف واسع من الناشطين الشباب الذين أطلقوا حملة “مانيش مسامح”. وهو ما يُحتّم وجود قاعدة بيانات تُمكّننا من الاطّلاع على مختلف الأشخاص المستفيدين من قانون المصالحة الإدارية. فانعدام الإحصاء والتقييم يحيل إلى الصبغة السياسية الصرفة لهذا القانون الذي يزعم إنعاش الاقتصاد وتحسين الخدمات الإدارية كهدف له.