حث سفراء دول السبع، وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا، تونس على “سرعة العودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمان منتخب بدور بارز، مع الحاجة الماسة لتعيين رئيس حكومة جديد”. هو موقف لم يبتعد كثيرا عن مواقف عديد الدول الغربية التي عبرت عن تمسكها بالنظام الديمقراطي في تونس، دون الدخول في تفاصيل الإجراءات الاستثنائية، خاصة وأن الرئيس قيس سعيد قد أكد في عديد المناسبات التي التقى فيها سفراء وبعثات رسمية غربية وعربية أن هذه الاجراءات تندرج في إطار الدستور وتهدف إلى حماية الدولة التونسية حسب قوله.

من التجميد إلى برلمان جديد ؟

ويظهر من خلال بيان الدول السبع أن قضية عودة مجلس النواب المجمد إلى النشاط لم تعد مطروحة، حيث اقتصرت الدعوة إلى العودة إلى “نظام دستوري يضطلع فيه برلمان منتخب بدور بارز”، أي أن هذه الدول لا ترى جدوى من عودة البرلمان إلى سالف نشاطه وإنما تدعو الرئيس بصفة ضمنية إلى الذهاب نحو انتخابات تفرز برلمانا جديدا. ولرئيس الجمهورية وضع خطة عمل نحو عودة مؤسسات النظام الديمقراطي فور انتهاء فترة العمل بالتدابير الاستثنائية. وبذلك لم يتطرق بيان الدول السبع إلى النزاع الداخلي ولم ينتصر إلى شق دون آخر، أي أنه لم يستجب لنداء النهضة بعودة البرلمان المجمد ولم يمنح الرئيس صكا على بياض، بل اكتفى بضرورة البقاء في إطار نظام دستوري ديمقراطي يستجيب لتطلعات الشعب.

بالعودة إلى وضع تونس ما بعد 25 جويلية نلاحظ أن المسار لم يحرز أي تقدم، إذ لم يشكل الرئيس حكومة إلى حد الآن رغم أنه تعهد بذلك منذ إعلانه تفعيل الفصل 80، ولم يصدر بيانا إلى الشعب كما تعهد بذلك عند تمديده العمل بالتدابير الاستثنائية إلى أجل غير مسمّى، ولم يحدّد ملامح الفترة القادمة من حيث الخيارات التي ستتخذها تونس: هل سيتم تعليق العمل بالدستور وحل البرلمان؟ هل سيصدر الرئيس تنظيما مؤقتا للسلط العمومية؟ هل سيعدل الدستور ويعرضه على الاستفتاء الشعبي أم أنه سيذهب مباشرة نحو انتخابات سابقة لأوانها بعد تغيير القانون الانتخابي؟ وكيف سيتمّ تغيير القانون الانتخابي، والحال أنّ البرلمان مجمّد، ومجال المراسيم يستثني تغيير القوانين الانتخابية؟

كلها أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة من رئيس الجمهورية بعيدا عن منطق المؤامرة والتخوين، فمن حق التونسيين معرفة مصير بلادهم.

فرضية الإستفتاء ودستور جديد

رغم هذا المشهد الضبابي إلا أن بوادر الخطة الرئاسية للمرحلة القادمة بدأت تظهر شيئا فشيئا عن طريق شخصيات رسمية وغير رسمية. فقد صرح المستشار برئاسة الجمهورية وليد الحجام لرويترز أن هناك نية لتغيير النظام السياسي في البلاد ربما عبر استفتاء باعتبار أن الدستور الحالي أصبح عائقا ويفترض تعليقه ووضع تنظيم مؤقت للسلط العمومية. وقد يعلن الرئيس عن برنامجه “قريبا” حسب ما نقلته رويترز عن وليد الحجام.

من جهته أدلى أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري والمقرب من رئيس الجمهورية، بتصريح مماثل اعتبر فيه أنه من المرجح أن يتجه الرئيس نحو إصدار تنظيم مؤقت للسلط العمومية يتم بمقتضاه تشكيل حكومة جديدة وتكليف لجنة تعنى بصياغة مشروع دستور جديد للبلاد يُعرض على الاستفتاء الشعبي في غضون أشهر.

يمكن القول إن تتالي الزيارات والبيانات من الدول الغربية بشكل خاصّ هو نتيجة حتمية للغموض وعدم وضوح الرؤية فيما يخص مستقبل تونس. فلو وضع الرئيس خطة عمل واضحة نحو استعادة الديمقراطية الحقيقة وعدم عودة الفاسدين وضمان القطع النهائي مع الإفلات من العقاب ومنع التلاعب بقوت التونسيين وانتهاك كرامتهم وتكريس دولة العدالة، لما تجرأت هذه الدول على “التدخل في شؤوننا الداخلية”، ولما واصلت حركة النهضة حملتها الدعائية لدى العواصم الغربية بهدف إقناعها بأن ما يحصل في تونس هو “انقلاب على الشرعية”، ولما استغل النائب المجمد عن حزب قلب تونس أسامة الخليفي وجوده في اتحاد البرلمانات العالمية بتكليف من راشد الغنوشي ليستجدي، بكل صفاقة، أطرافا خارجية للتدخل في الشأن الداخلي التونسي. فمن البديهي أن تصدر هذه الدول بيانات “تعرب فيها عن حيرتها” إزاء الوضع التونسي وهي التي تعتبر نفسها “راعية المسار الديمقراطي” وداعمة على المستوى الاقتصادي وخاصة أثناء خروج تونس إلى السوق المالية العالمية. لكن الكرة الآن لا تزال في ملعب الرئيس سعيد إذا ما التقط جيدا رسالة سفارات الدول السبع: طريق الاجراءات الاستثنائية أصبح أمرا واقعا لا يمكن الرجوع عنه، لكن في المقابل وجب اتخاذ إجراءات واضحة وسريعة تضمن بقاء تونس في نادي الدول الديمقراطية.