وقد مكّنت التنقيحات التي أُدخلت على القانون الأساسي عدد 50 لسنة  2015المتعلق بالمحكمة الدستورية، والتي تقدمت بها الحكومة منذ  2018من إلغاء تراتبية انتخاب أعضاء المحكمة الاثني عشر، حيث كان القانون القديم ينص على انتخاب الأعضاء الأربعة من قبل البرلمان ثم المرور إلى انتخاب بقية الأعضاء المتبقين من قبل المجلس الأعلى للقضاء، ثم الأعضاء الذين يعينهم رئيس الجمهورية. وبموجب تنقيح الفصل 10 من هذا القانون، أصبح بالإمكان المرور مباشرة لتعيينات الرئيس أو انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء دون انتظار انتخاب أعضاء البرلمان. وشملت التنقيحات المقترحة من الحكومة أساسا الفصول 10 و11 و12 من القانون الأساسي الحالي للمحكمة الدستورية، والذي سبق أن أجازه البرلمان السابق سنة 2015.

وتنص بقية التنقيحات بالخصوص على أنه في صورة لم يحرز المترشح للمحكمة الدستورية الأغلبية المطلوبة (145 صوتا) بعد ثلاث دورات متتالية، يتم المرور إلى انتخاب بقية الأعضاء بالاقتراع السري بأغلبية الثلاثة أخماس في ثلاث دورات متتالية، فإن لم يحرز العدد العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة، يتم المرور إلى دورة ثانية يتم فيها انتخاب بقية الأعضاء بالاقتراع السري بأغلبية ثلاثة أخماس. أي المرور إلى الانتخاب بــ131 صوتا.

ويُعرّف الدّستور في فصله 118، المحكمة الدستورية بأنها:

“هيئة قضائية مستقلة تتركب من 12 عضوا من ذوي الكفاءة، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون الذين لا تقل خبرتهم عن عشرين سنة. يعيّن كل من رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء، أربعة أعضاء، على أن يكون ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون، ويكون التعيين لفترة واحدة مدتها تسع سنوات”.

وتختص المحكمة الدّستوريّة أساسا بمراقبة دستورية كل من تعديل الدّستور والمعاهدات إلى جانب مراقبة دستورية مشاريع القوانين والقوانين ومراقبة دستورية النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب. كما تتعهّد المحكمة بمهامّ أخرى، وهي إعفاء رئيس الجمهورية من مهامه، وإقرار شغور منصب رئيس الجمهورية، وتلقي يمين القائم بمهام رئيس الجمهورية، واستمرار الحالة الاستثنائية، والنظر في النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

النهضة ماطلت في السابق

كان من المفترض أن يتم تركيز المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 أكتوبر 2014، مثلما ينص على ذلك الباب العاشر من الدستور المتعلق بالأحكام الانتقالية. كان التحالف الذي يضم كل من حركة النهضة ونداء تونس، ساعتها، يصل إلى حوالي 160 نائبا في البرلمان، وهو ما يمكن من انتخاب الأعضاء الأربعة دون أي عناء. وعلى الرّغم من المحاولات المتكررة، إلا أن التحالف “نهضة نداء” لم يتمكن سوى من انتخاب عضو وحيد وهي القاضية روضة الورسيغني في مارس 2018. وقد ماطلت كل من حركة النهضة ونداء تونس خلال الدورة النيابية التالية في انتخاب بقية الأعضاء، لا سيما وأن القانون يشترط استكمال انتخاب الأعضاء الأربعة من قبل مجلس النواب قبل المرور لبقية الأعضاء من المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية، وفي عديد الجلسات التي يطرح فيها انتخاب أعضاء المحكمة كانت الكتلتان المتحالفتان توظفان كل الوسائل لتعطيل انتخابهم.

منذ ذلك الوقت، وضعت حركة النهضة جانبا ملف المحكمة الدستورية إلى حين تصاعد الصراع بينها وبين رئيس الجمهورية قيس سعيد، بعد رفض الرئيس قبول أداء القسم للوزراء الجدد على إثر التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي حليف حركة النهضة. واعتبر قيس سعيد أن هذا التحوير غير دستوري نظرا لتورط بعض الوزراء المقترحين في شبهات فساد وتضارب مصالح.

ولادة مشوّهة

على الرّغم من أهمّية تركيز المحكمة الدستورية من أجل استكمال المسار الديمقراطي وخلق مناخ من الاستقرار في البلاد بعد الأزمات السياسية المتتالية، إلّا أن الإصرار على بعثها في ظل انعدام الكفاءة بين المترشحين سيمس كثيرا من مصداقيتها، وستولد مشوّهة وعاجزة عن القيام بدورها كما يجب. فالترشحات التي أقرّتها الأغلبية داخل المجلس، والتي سيتم النظر فيها يوم 8 أفريل القادم، لا يوجد من بينها اسم نسائي، وهو ما يمس من مبدأ دستوري ينص على التناصف ويجعل الترشحات محل طعن. كما أن انتخاب عضو من أعضائها سنة  2018ب150 صوتا وانتخاب البقية ب 131صوتا سيفتح الباب على الكثير من المطاعن.

أمّا المشكلة الأساسية في الترشحات فهي شبهات التطرّف، والمواقف المعادية للدستور ولقيم الجمهورية ولمدنية الدولة التي تلاحق مرشّحين عن حركة النهضة وائتلاف الكرامة، إلى حد أن النائب منجي الرّحوي اتهم صراحة مرشًح حركة النهضة بانتمائه إلى الجماعة المتطرّفة “جمعية علماء المسلمين”، وتبني المرشح الثاني لأفكار داعشية.

مترشح لا يؤمن بالدستور

النائب عن الكتلة الديمقراطية، خالد الكريشي، قال أن بعض المرشحين للمحكمة الدستوريّة ينتمون إلى حركة النهضة وائتلاف الكرامة ولا يؤمنون بالدولة المدنية، مشددا على أن هنالك إشكالات حول مرشحين لا يؤمنون بالقانون الوضعي ولا بالدستور.

وكانت منظمات غير حكومية قد نبّهت منذ سنة  2018إلى وجود نيّة لعدم اعتماد التناصف، وترشيح شخصيات لا تؤمن بالدستور نفسه، ودعت البرلمان إلى تخصيص جلسة استماع للمرشحين ونشر سيرهم الذاتية للعموم وتمكين أفراد الشعب من التعرف عليهم.

يبدو أن حركة النهضة وحلفائها في مجلس النواب قد قرّروا المرور بقوة، ليس لتركيز المحكمة الدستورية ولكن لخلق محكمة على المقاس تقوم على المحاصصة الحزبية. فدستور 2014 مليء بالفخاخ وفيه الشيء ونقيضه، وللمحكمة الدستورية دون سواها الحق في تأويله إمّا باتجاه دولة مدنية ديمقراطية تصان فيها كل الحقوق والحرّيات أو يتم تأويل الدستور باتجاه دولة استبدادية ثيوقراطية معادية للحقوق والحريات.