لقد كان ملف عمال الحضائر مطروحا على طاولة الحكومات المتعاقبة منذ الثورة دون أن يجد طريقه إلى الحل، ويستعد عمال الحضائر إلى استئناف احتجاجاتهم للمطالبة بتفعيل اتفاق 28 ديسمبر 2018 الممضى بين الحكومة واتحاد الشغل والذي تضمن إجراءات تهدف إلى غلق هذا الملف نهائيا. ومن المتوقع أن تبدأ الحكومة المنتظرة عملها تحت وقع احتجاجات هؤلاء العمال، البالغ عددهم قرابة 70 ألف، حيث دعا عدد منهم إلى تنفيذ اضراب وطني وتنظيم تحرك احتجاجي وطني امام مقر رئاسة الحكومة حسب ما أكده أحد منسقي مجمع التنسيقيات الجهوية لعمال الحضائر محمد العكرمي لموقع نواة.
آلية عمل الحضائر من متنفّس إلى مأزق
19/02/2016
وقال المكلف بالإعلام في منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن هذا الملف لم يحظى بالاهتمام اللازم من الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، مشيرا إلى أن عددا من عمال الحضائر اقتربوا من سن التقاعد مما دفعهم إلى المطالبة بمنحة شيخوخة وافقت عليها الحكومة فيما بعد دون أن تلتزم بتنفيذ ما تعهدت به حسب قوله.
تعددت الاحتجاجات واشتبهت المطالب
تنسيقية اعتصام الكامور بدورها بدأت تحضر لاستئناف التحركات الاحتجاجية في المناطق البترولية التابعة لولاية تطاوين، هذه التحركات المنتظرة سببها عدم تطبيق كامل بنود الاتفاق الذي وقعه المعتصمون العاطلون مع الحكومة بضمان الاتحاد العام التونسي للشغل في جوان 2017. وحسب الاتفاق فإنه يجب من المقرر انتداب 500 من العاطلين عن العمل خلال سنة 2019 لكن ذلك لم يتم، في مقابل انتداب 2500 عاطل طيلة سنتي 2017 و2018 في شركة البيئة والغراسة والبستنة والذين مازالوا بدورهم يعانون من بعض المشاكل في خلاص الأجور والتغطية الاجتماعية.
رغم اختلاف السياق والخصوصية بين التحركات الاحتجاجية المطالبة بالتشغيل والتنمية إلا أن المطالب تتشابه تقريبا، حيث اتفقت مختلف الحركات الاحتجاجية على مطلب توظيف العاطلين عن العمل وتنمية الجهات المحرومة وتفعيل التمييز الايجابي المُضمن في الدستور. وهو ما رأيناه طيلة السنوات الماضية في المناطق البترولية بتطاوين وقبلي وقرقنة وفي الحوض المنجمي وفي ولايات أخرى أبرزها سيدي بوزيد والقيروان، الولاية الاولى من حيث عدد التحركات الاجتماعية.
بعد فشل الحل الأمني، التشغيل الهش كمسكن
في المقابل استعملت الحكومة نفس الاستراتيجية في التعامل مع هذه التحركات على اختلافها، فبعد الحل الأمني ترسل الحكومة وزراءها للتفاوض وفق منطق إطفاء الحريق، وغالبا ما ينتهي المتحاورون إلى اتفاق يقضي بتشغيل العاطلين في شركات البيئة والغراسة ويلزم الدولة والشركات البترولية (تحت عنوان المسؤولية المجتمعية) بتمويل صندوق دعم التنمية في الجهة المعنية. وغالبا ما لا يتم احترام الاتفاق، باستثناء تشغيل جزء من العاطلين عن العمل، فتتكرر الاحتجاجات نظرا لعدم انتفاء أسبابها وهو ما حصل في قبلي والكامور وقفصة وقرقنة.
منطقة الحوض المنجمي تعتبر من “المناطق الساخنة” في تونس والتي لم تتغيب عن خارطة الاحتجاجات طيلة السنوات التي أعقبت الثورة وحتى بعدها. لم تكن الاحتجاجات الاجتماعية مطلبية تهدف لتشغيل العاطلين فقط بل كان عدد منها بيئيا للمطالبة بالحد من التلوث الذي تسببت فيه المجمعات الكيميائية خاصة في ولايتي صفاقس وقابس، فقد توقفت الاحتجاجات في صفاقس بعد قرار الحكومة في 15 أوت 2019 بغلق مصنع السياب وهو ما يمثل استجابة لمطلب الأهالي منذ سنوات طويلة. لكن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبر عن تخوفه من أن يكون هذا القرار بأهداف انتخابية باعتبار أنه جاء قبل شهر الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها وأن تعود الاحتجاجات ضد السياب بسبب عدم الالتزام بهذا القرار خاصة مع عدم إيجاد بديل لهذا المصنع.
من جهتها شهدت ولاية قابس احتجاجات متعددة من اجل غلق المجمع الكيميائي المتسبب الرئيسي في تلوث الهواء والبحر في الولاية، بلغت حد رفع قضايا من قبل مواطنين ضد المجمع. وكانت الحكومة قد تعهدت بنقل المجمع الكيميائي من مدينة قابس إلى مدينة الحامة وهو ما تسبب في احتقان بين أهالي المدينتين، وستجد الحكومة المنتظرة أمام هذا الملف الشائك الذي أرق الأهالي والحكومات المتعاقبة لعقود طويلة.
نستنتج من خلال متابعة التحركات الاحتجاجية طيلة السنوات الماضية أن البطالة ونقص التنمية وتهميش المناطق الداخلية هي المحرك الأساسي للاحتجاجات والاعتصامات التي ساهم بعضها في تعطيل انتاج البترول والغاز والفسفاط، ووضعت الحكومات في مأزق حقيقي هدد وجودها مع كل اعتصام خاصة في مناطق انتاج الطاقة. في المقابل رغم أن المشكل قديم ومتكرر إلا أن الحكومات بقيت تتعامل معها بمنطق “رجال الإطفاء” الذي يهرعون إلى اخماد حريق دون معالجة أسباب اندلاعه، لتجد نفسها بعد فترة وجيزة امام نفس الاحتجاجات ونفس المطالب ونفس المأزق.
iThere are no comments
Add yours