A2T-ATT-surveillance-tunisie

تم إحداث “الوكالة الفنية للإتصالات” بمقتضى الأمر عدد 4506 لسنة 2013 المؤرخ في 6 نوفمبر 2013 الصادر عن رئيس الحكومة السابق علي العريّض. وجاء في بلاغ عن وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصال أن “هذه المؤسسة عمومية وذات صبغة إدارية وتتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي وتخضع لإشراف الوزارة المكلفة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وتلحق ميزانيتها ترتيبيا بميزانية الوزارة.”

وتتمثل المهمة الأساسية للوكالة الفنية للاتصالات حسب نص البلاغ في:

تأمين الدعم الفني للسلطة القضائية في معالجتها لجرائم أنظمة المعلومات والاتصال والبحث فيها، وذلك من منطلق القناعة بضرورة حماية فضاءنا السيبرني الوطني من الجرائم مثلما نولي اهتماما بحماية للفضاء المادي، وهو ما أجمعت عليه مختلف الدول وأساسا الدول المتقدمة والديمقراطية منها.

يجدر بالذكر بداية أن القانون الداخلي المنظم لعمل هذه الوكالة يتضمن فقط تحديد المهام الإدارية للجنة المكلفة بإدارتها وطرق التمويل وأنظمة الردع والعقاب. ويخلو هذا القانون من أي تعريف “للجرائم الالكترونية” أو تعداد أنواعها والعقوبة المسلطة عن كل نوع منها. هذا الغموض في تحديد الجرائم المذكورة أثار مخاوف الرأي العام التونسي وبعض المنظمات الحقوقية والعالمية حول إمكانية استعمال هذه الوكالة لفرض الرقابة من جديد على مستعملي الانترنت والتضييق على الناشطين والأحزاب. وفي هذا الإطار دعت منظمة مراسلون في بلاغ أصدرته سابقا حكومة علي العريض إلى سحب هذا القانون معربة عن قلقلها إزاء هذا المرسوم الذي يضع الأسس لنظام مراقبة تديره الوكالة الفنية للإتصالات، مما يعيد للأذهان الأنشطة التي كانت تقوم بها في الماضي الوكالة التونسية للإنترنت، المركز الفني السابق للرقابة في عهد زين العابدين بن علي.

وبالتوازي مع بعث هذه الوكالة، شن ناشطون على المواقع الاجتماعية حملة استنكار ضد مشروع قانون قدّم إلى المجلس التأسيسي تحت عنوان “مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والإتصال“.

⬇︎ PDF

وقد أعلنت الحكومة مضيّها في تنفيذ هذا القانون بدعوى تعدد التهديدات الارهابية واعتماد الإرهابيين على شبكة الإنترنت للإتصال والتنسيق فيما بينهم. وجاء استنكار الناشطين على خلفية العقوبات الصارمة التي يفرضها هذا القانون وغموض مفرداتها مما يفتح المجال لاستعماله ذريعة من أجل الحد من الحريات وفرض الرقابة على التونسيين بدون استثناء. ومن بين فصول هذا القانون نذكر الفصل 17 الذي ينص على عقوبة بالسجن تصل إلى سنتين لكل من “يملكك برنامجا معلوماتيا طوع لارتكاب جرائم إرهابية” وهو ما اعتبر عقوبة جائرة نظرا لأن مجرد حيازة بعض البرامج الالكترونية مهما كان نوعها لا يعدّ إرهابا.

كما ضمّن بهذا القانون فصلا اعتبر “غريبا” ولا يتناسب مع هدف إصدار هذا القانون أي مكافحة الإرهاب حيث جاء في الفصل 24 :

يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها 5 آلاف دينارا كل من يتعمد استعمال نظام معلومات أو اتصال لترويج بيانات ذات محتوى يشكل تجاهرا بفحش أو اعتداء على الأخلاق الحميدة.
الفصل 24

وقد تفاعل ناشطون على الفايسبوك مع هذا الفصل بالتكثيف من نشر صور وفيديوهات علقوا عليها بأنها منافية “للأخلاق الحميدة” في تحد لواضع هذا القانون الذي اعتبره البعض مجرد كليشيهات دينية يريد من فشل في تمريرها في الدستور إسقاطها عنوة على بعض القوانين الأخرى والعمل على تسريع مناقشتها قبل نهاية مدة عمل المجلس التأسيسي.

ولئن كان الدور الأساسي للوكالة الفنية للتصالات هو تأمين الدعم الفني للسّلط القضائية في معالجتها لجرائم أنظمة المعلومات وإلاتصال والبحث فيها حسب ما جاء في القانون المنظم لها فالأمر لا يعدو أن يكون إضافة لصبغة رسمية على آلة القمع والرقابة والحجب التي كان يستعملها بن علي لمراقبة الناشطين والمدونين والتي كانت تعرف ب”شرطة الانترنت” و”عمار 404″ والتي لا يوجد أية قرائن عن تجميد نشاطها رغم تخفيفها الضغط على مستعملي الإنترنت نسبيا. كما أن بعث هذه الوكالة بالتوازي مع إصدار مشروع قانون مكافحة جرائم أنظمة المعلوماتية يكشف مخططا مدروسا لإعادة إحكام السيطرة على الكم الهائل من النقد الذي يطال الحكومات على تنوع ايديولوجياتها وتوجهاتها، فالخطر الذي أسقط نظام بن علي لازال موجودا ويهدد الجميع بدون استثناء.

وفي قراءة للقانون المنظم للوكالة الفنية للإتصالات المبعوثة حديثا يمكن الخروج ببعض الإستنتاجات التي تثبت “نظرية المؤامرة” والرغبة في التسريع ببعث هذا الهيكل تحت إطار “أمر وزاري” لا قانونا تجنبا لأي اعتراضات أو نقاشات يمكن أن تعطل إصداره.

بداية وعكس ما صرح به وزير الداخلية لطفي بن جدو بعد الإعلان عن هذه الوكالة من أن الهدف الرئيسي لهذا الهيكل هو مقاومة الإرهاب الذي يمر عبر شبكات التواصل الإجتماعي فإن تعريف أهداف الوكالة لا تتضمن مسألة مقاومة الإرهاب وهو ما يمكن إثباته من خلال الفصل 2 من قانون الوكالة والذي ينص على الاتي :

تتولى الوكالة الفنية للاتصالات تأمين الدعم الفني للأبحاث العدلية في جرائم أنظمة المعلومات والاتصال.
الفصل 2

كما يضرب القانون المنظم لعمل الوكالة الفنية للإتصالات استقلالية القضاء، رغم أنه ينص على أن الهدف منها هو مساعدة القضاء فنيا. فالفصل الرابع من هذا القانون يحدد كيفية اختيار تركيبة الهياكل المسيرة للوكالة والتي تتم بأمر (لم يتم تحديد الجهة التي تصدره باقتراح من وزير تكنولوجيا المعلومات والإتصال وفي ما يلي نص الفصل:

يسير الوكالة الفنية للاتصالات مدير عام، تتم تسميته بأمر باقتراح من الوزير المكلف بتكنولوجيا المعلومات والاتصال.
الفصل 4

ويجعل هذا الإجراء مسؤولية تعيين مدير للوكالة بيد الحكومة مما يضرب مصداقيتها ويثير الشكوك بخصوص إمكانية جعلها تابعة للحكومة التي ستتركب من حزب أو من ممثلي أحزاب، مما يجعلها مجرد أداة بيد أطراف محددة لتشديد الرقابة على بقية مكونات الساحة السياسية من معارضين و ناشطين. هذا بالإضافة إلى خطورة الفصل الخامس الذي يجعل من عملية مراقبة الجرائم الالكترونية مهمة داخلية سرية بوضعه بين يدي الحكومة التي من الممكن أن تتحكم في المعلومات بالزيادة أو بالنقصان حسب مصلحتها خصوصا مع منع هذا الفصل لنشر المعلومات المذكورة.

التقرير السنوي حول نشاط الوكالة سرّي و يسلّم فقط الى الحكومة و لا ينشر.
الفصل 5

كما يطرح هذا القانون إمكانية تواجد خلية سابقة تقوم بنفس الدور الذي سيؤول إلى الوكالة ونستشف هذا من غموض في الفصل 17 من قانون الوكالة ذكر مواصلة بعض المسؤولين التمتع بمنح سابقة لم يذكر حولها أي توضيح قانوني حول إن كانت هده المنح تخص مهنهم السابقة أو تخص مهام خاصة تم تكليفهم بها. وسنسوق لكم نص الفصل كما جاء كأول فصل في باب الأحكام المختلفة :

– يواصل الأعوان المباشرون بالوكالة الفنية للاتصالات التمتع بالمنح والامتيازات المخولة لهم في تاريخ دخول هذا الأمر حيز التنفيذ.
الفصل 17

كل هذا الغموض الذي يلف قانون الوكالة الفنية للإتصالات يتناقض مع سلامة نية “الآمر” بإحداث هذه الوكالة من أجل إرساء قواعد شفافة للبحث في الجرائم المتصلة بتكنولوجيات المعلومات والإتصال ويقلص الضمانات التي يجب أن تتوفر في مثل هذه المهمات “الخاصة” والتي تمنح لبضعة أشخاص تم تعيينهم من طرف حكومة حزبية ومنحهم الحق في اختراق الفضاء الألكتروني الخاص للتونسيين.

نذكر أخيرا أن حكومات ما بعد الثورة سعت إلى القيام بإجراءات تشرّع للعودة إلى البلاد إلى خانة “دولة البوليس” من خلال الرقابة على الأنترنت بطرق قانونية وإصدار قانون الإرهاب الذي يتضمن عدة فصول مخلة بحقوق الإنسان. لكن مختلف القوانين المذكورة ومن بينها قانون الوكالة الفنية للإتصالات تخرق ما جاء في دستور تونس الجديد من حقوق وحريات وتجعل منه مجرد حبر على ورق. وهذا أهم ما جاء في الدستور من فصول تمنع سلفا إصدار قوانين وهياكل مخصصة لفرض الرقابة على حرية النشر والإعلام واستعمال شبكات التواصل الإجتماعي :

: تحمي الدولة الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية.
الفصل 24

حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة.
لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.
الفصل 31