خديجة الهمامي، 63 سنة، هي مهاجرة تونسية مقيمة منذ أربعة عقود في فرنسا، وجدت نفسها سجينة سياسية ومُلاحقة من قبل الميليشيات السرية للنظام السابق و مُعرّضة للتصفية الجسدية جرّاء تجرّئها على تنفيذ اعتصامات واضرابات جوع أمام القنصلية التونسية بفرنسا للمطالبة بحقها في قضاء مستقلّ يعيد لها منزلها الذّي استولى عليه أحد جيرانها في منطقة المعمورة (ولاية نابل) وقام بتسويغه للدولة التونسية لتحوّله الى مقرّ دائم للمعتمدية.
انطلقت مأساة خديجة منذ مطلع الألفيّة الجارية عندما تفطّنت الى أنّ أحد جيرانها الذّي استأمنته على الاشراف على أشغال بناء منزلها – نظرا لتواجدها في المهجر – خان الأمانة، حسب قولها، وتلاعب بوثائق المنزل وحوّل ملكيّته الى نفسه بعد “توظيف” علاقاته الواسعة لخوض معركة قضائية ضدّ “غائب” انتهت بنقل ملكية المنزل لحسابه الخاصّ وفق ما توثّقه الشهادات و الوثائق الرسمية التي بحوزتنا.
تقول خديجة الهمامي في هذا السياق :
“نظرا لاقامتي الدائمة في فرنسا كنت مضطرّة للتعويل على أحد الثقات لكي يُشرف على أشغال بناء المنزل و عملية خلاص العمّال و موادّ البناء. وقد وجدت في أحد جيراني (طبيب و عضو سابق في برلمان بن علي) خير سند للاضطلاع بهذه المهمّة، الّا أنّه خان الأمانة و زوّر بعض الوثائق مستندا في ذلك الى علاقاته الواسعة بأذرع نظام بن علي في القضاء والادراة التونسية. و بمجرّد أن انتهت أشغال المنزل قام بتسويغه للدولة التونسية لتحوّله الى مقرّ دائم للمعتمدية، و بذلك وجدتني أحارب طواحين الرياح و تحوّلت معركتي من مجرّد خصومة قضائية لاسترجاع منزلي الى صراع طويل و مؤلم مع ماكينة بن علي القمعية”.
حاضرة بالغياب في المحكمة
استوفت خديجة الهمامي كل شروط التقاضي و يئست من العدالة التونسية بعد أن أيقنت بأنّ كلّ شيء يسير وفق مخطط محكم بدليل أنّ المحامي الذّي ورد اسمه في التسخير القضائي للدفاع عن الشاكية تنصّل كتابيا، جملة وتفصيلا، من القضيّة مؤكّدا بأنّ هيئة المحكمة زجّت باسمه في القضية دون أن يكون قد اتّصل بأيّ تسخير أو تكليف في الغرض، ما يعني ضمنيا أنّ مجرى القضيّة باطل أصلا وشكلا وفق ما جاء في اعترافه الكتابي.
و بعد أن ضاقت بها كلّ السّبل لم تجد خديجة من حلّ للتعريف بقضيتها سوى الاعتصام أمام القنصلية التونسية ب”ليون” ومن ثمّ الدخول في اضراب جوع في ثلاث مناسبات بداية من 2004 رفعت خلالها شعارات مطالبة بالعدالة بالاضافة الى ارتداء قميص يحمل صورة بن علي ملطّخة بالدماء في ايحاء الى طبيعة حكم النظام السابق.
“لقد تجرّعت الويلات – تقول خديجة – فبالاضافة الى قرابتي الدموية بالمناضل حمّة الهمامي الذي أشترك معه في لقب العائلة (الهمامي) وجدتُني في مواجهة سيل جارف من التّهم الاخرى التي كالها لي بعض عناصر ميليشيات مأجورة تابعة للنظام حاولت منعي من الاعتصام أمام القنصلية في عديد المناسبات دون جدوى”.
وتواصل خديجة الهمامي قولها :
“كانوا يتعاملون معي على أساس أنّني معارضة سياسية محسوبة على حمّة الهمامي وحزب العمال الشيوعي المحظور آنذاك في حين أنني لم أكن سوى مواطنة بسيطة أناضل من أجل استعادة منزلي المنهوب منّي. وقد تواصلت المضايقات لتبلغ أعلى مستوياتها خلال سنة 2006 حينما عمد مجهولون الى محاولة قتلي قبل أن يعمدوا الى رشّ وجهي بواسطة سائل ماء النار المُسمّى بماء الفرق ما تسبب لي في حروق وتشوّهات لم تنجح السّنون المتعاقبة في ازالتها”.
القنصل يَعدُ و النظام ينكث العهد
تواصلت أزمة خديجة الهمامي وتواصلت معها اضرابات الجوع ما تسبّب في احراج كبير للنظام التونسي نظرا لتهافت الاعلام الفرنسي على تغطية الاعتصام. وقد اضطرّ قنصل الجمهورية التونسية ب”ليون” صلاح رمضان موفّى شهر جوان من سنة 2004 الى زيارة خديجة في المستشفى داعيا ايّاها الى انهاء الاعتصام واضراب الجوع و متعهّدا لها في الأن ذاته بعدم التعرّض لها بسوء في حال عادت الى تونس لمتابعة قضيّة منزلها أمام المحاكم التونسية.
تقول محدّثتنا في هذا السياق :
“وثقت في ما قاله القنصل وامتطيت الطائرة وعدت أدراجي الى وطني وكلّي أمل في أن تنصفني العدالة. وبمجرّد أن وطئت قدماي أرض المطار قامت السلطات الأمنية باعتقالي وتمّت معاملتي معاملة سيّئة ومن ثمّ محاكمتي بتهمة مفبركة تدور في فلك ثلب بن علي. وقد قبعت في السجن طيلة خمسة أشهر ولم أغادره الّا بتاريخ بتاريخ 9 أفريل 2004 بعد أن شملني العفو الخاص.
و عندما لاحظ النظام بأنّني استأنفت النضال بأكثر حماس و جرأة ليس للدفاع عن منزلي فحسب هذه المرّة بل لمواجهة الديكتاتورية الفاشية والتشهير بالنظام البوليسي عمد الى ارسال عناصره الميليشيوية للاعتداء عليّ من خلال رشّ وجهي بماء الفرق ليتمّ على اثر ذلك محاكمتي في تونس غيابيا و الحكم علي بالسجن خمس سنوات بتهمة مفبركة تتمثّل في حرق العلم التونسي”.
خديجة الهمامي عادت بعد سقوط نظام بن علي الى تونس. وعلى عكس غيرها من المهجّرين المضطهدين واللّاجئين السياسيين فانّها لم تهرول باتجاه بلاتوهات التلفزيونات للحديث عن نضالاتها ضدّ ماكينة بن علي ولم تطالب بحقّها في التعويضات جرّاء ما لحقها من ضرر مادّي و بدني و معنوي بل اتّبعت المسلك القضائي وتوجّهت نحو المحاكم التونسية لملاحقة منزلها المنهوب ولكنّها الى يوم الناس هذا مازالت كمن يطارد طيف دخان.
محدّثتنا ختمت بالقول :
“حتّى وان لم تنصفني عدالة الثورة، يكفيني شرفا أنني قارعت ديكتاتورية بن علي برأس مرفوع و أنّ الشهيد الرمز الأستاذ شكري بلعيد كان المحامي الذي أخذ على عاتقه مهمّة الدفاع عن قضية أمام المحكمة التونسية قبل أن تمتدّ له أيادي الغدر و تغتاله”.
iThere are no comments
Add yours