fmi-leaks-pv-ar

بقلم مريم بن عبيد، نقله من الفرنسية إلى العربية جبريل جالو.

كنا قد نشرنا يوم 28 مارس الماضي وثيقتين سريتين هما: رسالة النّوايا الموجّهة من طرف الحكومة التونسية إلى السيدة كريستين لاغارد المديرة العامة للصندوق النّقد الدولي والمتعلقة بقرض تناهز قيمته 2.7 مليار دينارا تونسيا، و وثيقة ثانية تتعلق بأجندة العام 2013 لتنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي المقترحة لصندوق النّقد الدولي.

نذكّر هنا أن صندوق النقد الدولي يقترح خطة للتقشف ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي. الشيئ الذي ستترتب عنه مضاعفات و عواقب اجتماعية وخيمة. حيث تهدف هذه خطة إلى الحد من دعم الطاقة و المواد الأوّلية مثل الخبز. كما أن صندوق النقد الدولي يقترح أيضا التدقيق في وضع الشركة التونسية للكهرباء و الغاز و ثلاثة بنوك عمومية من أجل خصخصتها لاحقا. و ستتبع هذه الشروط شروط أخرى من صندوق النقد الدولي، إذ لا يمكن إدّعاء السّيادة الوطنية في ظل تدخل صندوق النقد الدولي في رسم السياسات الإقتصادية. و هذا ما عبر عنه الرئيس الأرجنتيني الأسبق نيستور كيرشنر عندما صرح سنة 2005 بعد ما تم تسديد كافة ديون صندوق النقد الدولي المستحقة على الأرجنتين: “إن الأرجنتين تستعيد استقلالها بهذه الخطوة”.

و ننشر هنا وثيقة لمحضر جلسة أعضاء الحكومة بتاريخ 31 جانفي 2013 و المتعلقة بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي. أول شيء نلاحظه بعد قراءة المحضر هو تغييب و إقصاء المجلس الوطني التّأسيسي من دائرة اتخاذ القرار. إذ ضم المجلس 17 عضوا دون حضور أيّ من ممثلي المجلس الوطني التأسيسي. و على ضوء المحضر نلاحظ لاحقا أن عددا من أعضاء الحكومة قد عبروا عن اعتراضهم على الشروط التي يمليها صندوق النقد الدولي.

⬇︎ PDF

• فقد رفض السّيد عبد الوهاب معطر وزير التشغيل والتكوين المهني أي زيادة للأسعار خلال هذه الظرفية الصعبة التي تمر بها تونس، داعيا زملاءه إلى إجراء حوار وطني حول الإتفاق مع صندوق النقد الدولي.

• ودعا بوكر كاتب المستشار في القصر الرئاسي إلى إخضاع التعديل الضريبي إلى دراسة معمقة من أجل تفادي ما سماه ب”المبادرات الأحادية” في تلميح لمجلة تشجيع الإستثمار التي أعدتها “مؤسسة التمويل الدولية“(IFC) و هي عضو تابع للبنك العالمي، و التي لم تخضع لأي مشاورات مع هيئات المجتمع المدني ولا مع المجلس الوطني التأسيسي. مع أنها عرضت في جلسة عامة أمام مجلس النواب الفرنسي. و هذا واقع غير مشرف للتونسيين الذين لم يطلعوا بعد على محتوى هذه المجلة.

• السيدة لمياء الزواري المديرة في وزارة التنمية الجهوية أكدت من جانبها أن المشروع لم يتم مناقشته مع وزارتها. منبهة أن عددا من الإحصائيات المقدمة غير صحيحة. وأضافت أن أجندة الإصلاحات المقترحة تخص العام 2013 مع أنه توجد حاجة ماسة لرؤية أكثر وضوحا للعام 2014. في إشارة إلى المؤشرات الاقتصادية المتوقعة للعام 2014 وإلى الشروط التي سيفرضها صندوق النقد الدولي العام القادم.

• وشدد خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية على أن وضع برناج حماية الطبقات الاجتماعية الهشة قد يتطلب عامين قبل الانتهاء من فرز الأسر المحتاجة واستكمال تعدادها. و هو الشيء الذي أشرنا إليه في مقالنا الأخير.


ويكشف المحضر أيضا موقف السيد إلياس فخفاخ وزير المالية و الذي يبدو أنه أكثر اهتماما بجلب المستثمرين و توفير الأريحية للدائنين. ويغفل السيد فخفاخ انعكاسات هذا التعديل على مستوى عيش المواطن التونسي. أما بالنسبة للتنمية الجهوية والنمو والإقتصادي و التشغيل، و التي لا تعني الكثير للسيد إلياس فخفاخ، فإنه سيكون من المستحيل انجازها في ظل سياسية التقشف المبرمجة. هذا إلى جانب أن ثقة المستثمرين الدائنين لن تعود بفضل القروض الإحتياطية لصندوق النقد الدولي، كما يريد أن يقنعنا بذلك السيد فخفاخ، و لكن عبر استعادة الأمن داخل البلاد.

وأخيرا، فإن المجلس قرر عقد اجتماع آخر، و الذي تم يوم 22 فيفري 2013، في الوقت الذي قدم فيه السيد حمادي الجبالي رئيس الوزراء السابق استقالته، في 19 من شهر فيفري 2013 ولم تكن حينها حكومة السيد علي العريض قد تشكلت. وفي هذا الإطار فإنه من حقنا أن نتسائل عن المسؤولية السياسية لمثل هذه القرارات التي اتخذت في اجتماع 22 فيفري 2013 في ظل فراغ سياسي و ؤسساتي؟ يجب على المجلس الوطني التأسيسي أن يعاقب مثل هذه القرارت التي تتخذ خلسة.

كما أنه يجب على حكومة السيد علي العريض أن تستشير المجلس الوطني التأسيسي بخصوص ديون صندوق النقد الدولي. إذ أنه لا يمكن للحكومة أن تتخذ قرارت بهذا الحجم ذات انعكاسات كبيرة على البلد على المدى البعيد دون استشارة ممثلي الشعب.

ونذكر في هذا الصدد أن هذه الحكومة هي مجرد حكومة تسيير أعمال. وفي إطار المشروعية فإن أعضاء المجلس الوطني التأسيسي هم ممثلو الشعب الحقيقيون، بينما 10 من مجموعة 17 الشخص الذين اتخذوا القرار بخصوص هذه الديون -وهم يمثلون الأغلبية- هم غير منتخبين من الشعب، و هم بالتالي لا يعبرون عن إرادته. يحق فقط للمجلس الوطني التأسيسي اتخاذ مثل هذه القرارات، و هو ما يجري في كل الدول الديمقراطية.

ومن جهة أخرى فإن صندوق النقد الدولي يهدد الحكومة بخفض تصنيفها السيادي إن هي صادقت على مشروع مراجعة و تدقيق الديون السابقة. و تحت هذا الضغط عملت الحكومة على سحب المشروع من المجلس الوطني التأسيسي. في حرى النائبة مبروكة مبارك أن المشروع لا يزال قائما، لأن الـ 23 نائبا الذين اقترحوه هم وحدهم المخولون لسحبه. ومن المفارقات أن السيد أمين ماطي ممثل صندوق النقد الدولي في تونس ارتكب خطأ حين اعترف لنا خلال لقاء أجريناه معه يوم 27 فيفري 2013 بأن وكالة ستاندرد آند بورز إستشارته قبل القيام بالتخفيض في التصنيف السيادي الأخير لتونس. فهل يسعى صندوق النقد الدولي لممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة التونسية من أجل توقيع الاتفاق؟

ما هي البدائل؟

• التسريع بإقرار حواري وطني حول الديون و حول محتوى مجلة تشجيع الإستثمار قبل اتخاذ أي التزامات مع صندوق النقد الدولي. و عرض ذلك على المجلس الوطني التأسيسي. و بما أن هذه الديون تتعلق بميزانية سنة 2014 فإنه لا توجد أية مبررات لاستعجال بتوقيع هذا الاتفاق وتنفيذ هذه الإصلاحات الخطيرة. و ستظهر الحكومة بقبولها للحوار الوطني أنها منفتحة كما تزعم؛ و أننا حقيقة نعيش في ديمقراطية يكون فيها المجتمع المدني شريكا في عملية صنع القرار.

• إعادة النظر في مشروع التدقيق في الديون. و في هذا الإطار فإن مثال الإكوادور يستحق الدراسة و المتابعة. فقد نجح بفضل عملية التدقيق في التخفيض من نسبة الديون من 24 % إلى 11 % من الناتج الإجمالي المحلي، دون تحميل الشعب عناء التسديد. و بهذه الطريقة فإن الأموال التي تثقل كاهل الميزانية والتي تنفق في خدمة هذه الديون المريبة يمكن الإستفادة منها في مجال التنمية الجهوية.

• إرساء إجراءات جادة للحد من التهريب الضريبي وتعزيز الحكم الرشيد والشفافية، خاصة في قطاع الطاقة. هذا القطاع الذي يشهد اليوم ازدهارا بفضل احتياطات جديدة من النفط والفسفاظ تم اكتشافها في تونس.

• الاستغلال الأمثل للسيولة التي جنتها مبيعات الممتلكات المستعادة من مسروقات عصابة بن على من أجل تمويل ميزانية العام 2014، بدل استثمار هذه المداخيل و اللجوء إلى الخيار الأسهل و المتمثل في مزيدا من المديونية، في حين أن تكلفة هذه الديون باهضة جدا، كما أن هذه الاصلاحات الهيكلية المقترحة من صندوق النقد الدولي ستكون لها آثار كارثية على الصعيد الاجتماعي. فمن الحكمة إذن استخدام هذه الأموال لتسوية الميزانية.

• تأمين البلاد وتعزيز آليات مناهضة كل أشكال العنف الذي يبدو و للأسف أنه يُتساهل معه سياسيا. تأمين البلاد هو الطريقة الوحيدة من أجل كسب ثقة المستثمرين والدائنين و كذا من أجل النهوض بالتصنيف السيادي لتونس.

• االبحث عن بدائل لصندوق النقد الدولي مثل منظمة بريكس* و بعض الدول الدائنة التي تحظى باحتياطي كبير من العملة الصعبة على غرار الصين مثلا و بعض بلدان أمريكا اللاتينية. فنحن بحاجة للتعامل مع دائنين آخرين لا يفرضون شروطا تعرقل التنمية والنمو الاقتصادي.

الحكومة اليوم أمام خيارين إما أن تقبل بديون صندوق النقد الدولي مع حزمة الشروط القاسية التي ستستنزف الشعب التونسي، على أمل استعادة ثقة المقرضين. و إما اختيار “العدالة الاجتماعية” و “التشغيل” الذان يمثلان أهم مطالب للثورة التونسية و الذان لا يمكن تحقيقهما بالتوازي مع إقرار خطة التقشف لصندوق النقد الدولي.

و نذكر هنا أن الأرجنتين كانت قد اختارت الخيار الثاني، واستطاعت تسديد كل ديونها. هذا و قد فضلت دول أخرى التمادي في عجز ميزانياتها من أجل تحرير مزيد من رؤوس الأموال لصالح التنمية الاقتصادية و من أجل خلق فرص عمل اكثر.

و مهما يكن القرار، فإن على الحكومة التونسية أن تجيب أولا على السؤال الرئيسي : هل أن قرارها سيعكس المشروع المجتمعي الذي يطمح له التونسيون و هل سيحقق أهداف الثورة؟

=====

* – بريكس: هو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتتينية المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم. وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.