استقلالية هذه الهيئات بقيت خاضعة للسلطة التنفيذية والتشريعية، وهي هيئات تخضع أيضا إلى رقابة قضائية ثقيلة. الأمر الذي يضرب استقلاليتها.شوقي الطبيب

بهذا التصريح، أكد رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب لنواة أن القانون الأساسي المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة “قانون خطير وسوف تترتب عنه في المستقبل نتائج لن تكون في صالح الهيئات ولن تتمكن هيئة مكافحة الفساد من ممارسة صلاحياتها في القطاعين العام والخاص ونشر ثقافة التصدي لكل مظاهر الفساد”.

فصول تفتح باب الهيمنة الحكومية

إشكالية الاستقلالية التي أشار إليها شوقي الطبيب لا تنسحب فقط على هيئة مكافحة الفساد، بل يفسر رئيس اللجنة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري نوري اللجمي المس من هذه الاستقلالية بالقول :

إن الفصل 11 يشير إلى أنه حتى في حالة وقوع شغور فإن سد الشغور يتم بمعاينة من رئيس مجلس النواب ومن ثمة يعاد انتخاب المعني بسد الشغور وفق نفس العملية التي يقع من خلالها التعيين، أي أن المنفذ السياسي للتعيينات وسد الشغور سوف يكون واسعا وبالتالي لن يكون هناك معنى لاستقلالية الهيئة البتة.نوري اللجمي

وتخضع عملية تسمية أعضاء الهيئات إلى قواعد التحالف السياسي البرلماني وتكتيكات الكتل والأحزاب السياسية التي تسعى دائما إلى تثبيت وجودها في كل المجالات التي تعنى بالسلطة (وهذا طبيعي وفق فلسفة تكوين الأحزاب واهدافها)، لكن على الهيئات الدستورية المعنية بإنفاذ قوة تعديلية من دورها أن تحافظ على استقلاليتها وأن تقاوم تسييسها.

ويضيف نوري اللجمي لنواة معلقا على إشكالية الاستقلال المالي للهيئة قائلا “إن الفصل 18 يقول إن مدير الجهاز الإداري للهيئة هو الذي يقدم مشروع ميزانية الهيئة، التي يجب أن تعرض على رئاسة الحكومة ثم البرلمان (اللجنة المكلفة بالمالية). وهذا ضرب لاستقلالية الهيئة المالية بشكل كبير”. كما ينتقد اللجمي الفصل 33 من القانون الذي ينص على أن مجلس نواب الشعب له صلاحية سحب الثقة من مجلس الهيئة بقرار من ثلثي أعضائه عبر تقديم طلب معلل في ذلك لرئيس مجلس النواب صادر عن ثلث النواب فقط. ويقول: “هذا في ذاته يفتح الباب أمام تداخل التجاذبات السياسية في عمل الهيئة، فالبرلمانات تعرف بعدم استقرارها السياسي وهذا طبيعي. ثم إن الأسباب المتعلقة بحل الهيئة التي وضعت في القانون لا يمكن لها أن تكون أسبابا مقنعة، إذ يقول السبب الأول لحل الهيئة “أن تكون قد حادت عن مهامها الدستورية”، وهذا سبب مفتوح على تأويلات عديدة ولا يمكن ضبطه، وربما سيفتح الباب أمام تأويلات واسعة للحكومات لتسهيل حل الهيئة في حالة اختلاف بينهما”.

استقلالية الهيئات ليست في صالح “الجميع”

لم تقع استشارة الهيئات في المداولات الأخيرة للقانون قبل المصادقة عليه في جلسة عامة بالبرلمان، باستثناء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري التي صرح رئيسها أن البرلمان لم يستدعه للتشاور إلا بعد ضغط من الهيئة والتوجه برسالة احتجاج لرئيس مجلس نواب الشعب. من جهته أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (المستقيل) شفيق صرصار أنه لم يتلق أي دعوة للاستشارة في خصوص قانون الأحكام المشتركة، وأضاف “بالنسبة لي إن هذا القانون لا يمثل إشكالا دستوريا فقط بل هو خطوة إلى الوراء”.

وفسر صرصار موقفه بأن هيئة الانتخابات تعتبر هيئة حساسة واستثنائية نظرا لطبيعة مهمتها الدقيقة وهي تأمين الانتخابات، سواء التشريعية أو الرئاسية أو البلدية، “وإذا تم حصر مواردها المالية وتشديد الرقابة عليها وجعلها خاضعة لأكثر من سلطة فذلك سيعطل عمل الهيئة ويمس من استقلاليتها المالية الأمر الذي سيؤثر على سير الاستحقاقات الانتخابية”. ويذهب صرصار إلى القول بأن:

ضمان استقلالية الهيئات مسالة ليست في صالح الجميع على المستوى السياسي وهذا تفسيري لموافقة النواب على القانون، لأن إبقاء الهيئات تحت أعين السياسيين سوف يمكنهم في المستقبل من مواصلة السيطرة عليها بشكل أو بآخر.شفيق صرصار

كما نبه رئيس هيئة مكافحة الفساد في بيان صدر يوم 11 جويلية الجاري إلى أن القانون الذي تمت المصادقة عليه سوف يؤثر على جملة القوانين والتشريعات المتعلقة بدسترة الهيئة وإحداثها بشكل قانوني ودستوري تام، مشيرا في البيان إلى أن “أحكاما تهم استقلالية الهيئة تتعارض مع الدستور بشكل واضح” داعيا النواب إلى الانتباه “للمكبلات والنقائص التي أحدثها هذا القانون الأساسي”.

ويشير صرصار إلى أن ما يتم تداوله اليوم من أن الهيئات “قد ابتعدت شيئا فشيئا عن سلطة الدولة، فهذا أمر غير مطروح وغير مرئي بالنسبة لنا”، مؤكدا أن هذه حجة كي يتم شل عمل الهيئات وإلحاقها بالمجال التنفيذي للحكومات وهذا ما يضرب استقلاليتها ويجعلها في يد أي حزب او إئتلاف يصل إلى السلطة.