femmes-panneaux-electoraux-elections

أنتجت سياسة المحاصصة الحزبية التي انتهجتها الترويكا في فترة توليها الحكم في تونس عدّة إشكاليّات قانونيّة وسياسية. اخر هذه الإشكاليات هو تشكيك بعض الأطراف الحزبية في إمكانيّة تدخّل أعضاء النيابات الخصوصيّة بالبلديات في الإنتخابات القادمة وتغليب مصلحة أطراف دون أخرى.

رغم عدم تدخّلها المباشر في تنظيم العملية الإنتخابية التي تعتبر من مهام الهيئة المستقلة للإنتخابات، إلاّ أنّ الإمكانيات اللوجستية التي تمتلكها البلديات تعتبر مكسبا لبعض الأحزاب التي تسيطر على مقاليد إدارتها واستعمالها لتسهيل حملاتها الإنتخابية. هذه المخاوف جاءت على لسان عدد من السّياسيين ونواب أعضاء المجلس التأسيسي الذين رأوا في تأجيل الإنتخابات البلدية إلى تاريخ غير مسمّى وإمكانية إجرائها إثر انتهاء الإنتخابات الرّئاسية والتشريعية خطأ فادحا كان يمكن تفاديه عبر تحديد تاريخ الإنتخابات البلدية في الدّستور وتأخير إجراء الإنتخابات التشريعية والرّئاسيّة بضعة أشهر.

صراع سياسي وراء إهمال تحديد تاريخ للإنتخابات البلديّة

على إثر الفوضى التي عرفتها المجالس البلدية إبّان ثورة 14 جانفي 2011 بسبب سيطرة ممثّلي حزب التجمّع الدستوري الدّيمقراطي على هذه المجالس بنسب تفوق ال 90 بالمائة في كلّ البلديّات، تواصل العمل بهذه المجالس بصفة اعتباطية وسجلت هذه المجالس شغورا في أغلبها. غير أنّه وإثر انتخابات 23 أكتوبر دعت حكومة الترويكا إلى حل أغلب المجالس البلدية وتعيين نيابات خصوصية جديدة. وقد استندت الحكومة بخصوص هذا الامر على القانون المنظم للسّلط العمومية الذي يسمح لرئاسة الحكومة باتخاذ القرارات المناسبة لتنظيم عمل المجالس البلدية. هذه الدعوة تلاها إصدار رئاسة الحكومة في شهر جوان 2012 لمراسيم تقضي بتنصيب نيابات خصوصية جديدة. ونظرا لمعارضة مواطنين بأغلب الجهات على مسألة التنصيب تمّ التّوافق داخل المجلس التأسيسي على اعتماد المحاصصة الحزبية في تعيين أعضاء النيابات الخصوصية فحظي ممثلو حركة النّهضة وحزبي التّكتّل والمؤتمر من أجل الجمهوريّة بهذه النيابات بأغلبية البقاع.

في الدّستور الجديد تمّ تخصيص باب ” الجماعات المحلّيّة” لتنظيم عمل البلديّات. ويحتوي هذا الباب على 12 فصلا حدّدت مهامّ الجماعات المحلية أي المجالس البلديّة والمجالس الجهويّة ومواردها وصلاحيّاتها وطريقة انتخابها. غير أنّ هذا الباب أهمل مسألة تحديد آجال الانتخابات على أهمّية هذه المسألة، حيث ينصّ الفصل 133 على الاتي :

تدير الجماعات المحلية مجالسُ منتخبة. تنتخب المجالس البلدية والجهوية انتخابا عاما، حرا، مباشرا، سريا، نزيها، وشفافا. تنتخب مجالس الأقاليم من قبل أعضاء المجالس البلدية والجهوية. يضمن القانون الانتخابي تمثيلية الشباب في مجالس الجماعات المحلية. الفصل 133 من الدستور

هذا في حين يحدّد الدّستور في الفصل 148 من الدستور في النقطة الثالثة منه تاريخ إجراء الانتخابات الرّئاسيّة والتشريعية حيث ينصّ على الاتي :

تُجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مدة بدايتها أربعة أشهر من استكمال إرساء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات دون أن تتجاوز في كل الحالات موفى سنة 2014.
الفصل 148 من الدستور

ووضّح النّائب عن الحزب الشعبي التقدّمي هشام حسني في تصريح لنواة أنّ “عدم تحديد تاريخ للإنتخابات البلديّة من طرف المجلس التّأسيسي يعتبر “خطأ فادحا” بالنّظر إلى عدم وجود إرادة سياسيّة تتوجّه نحو تغليب مصلحة المواطن على النزاعات السياسيّة. فالنيابات الخصوصيّة الحاليّة أو التي تمثّل أغلبها أحزاب الترويكا وخاصة حزب حرب النهضة هي خطر على شفافيّة الانتخابات القادمة.” وأضاف حسني أنّ ” الخطورة تكمن في عدم وجود أي إرادة من أغلب السياسيين للتّخلّص من هذا الإشكال فإضافة إلى ضغط الوقت الذي فرضه تحديد الدستور للانتخابات القادمة واستحالة إجراء انتخابات بلدية في هذه الفترة، فإنّ محاولات استصدار قانون يقضي بتغيير النيابات الخصوصيّة التي اعتمدت في تشكيلها على المحاصصة الحزبيّة هي محاولات فرديّة ولا تحظى بموافقة الأغلبية أي حركة النّهضة وشريكيها.”

المأزق والحلول الممكنة

عدم تحديد تاريخ الإنتخابات البلديّة يطرح أيضا إشكالا اجتماعيّا واقتصاديّا، فتغييب المطالب الاجتماعية والتسريع في إنجاز الاستحقاقات الانتخابية والسياسية أصبح أمرا مألوفا رغم تعاقب الحكومات. وحول هذا الإهمال المتعمّد لإجراء الإنتخابات البلديّة في اجال قريبة قال النائب المستقل وعضو لجنة الجماعات العمومية الجهوية والمحلية شكري يعيش في تصريح لنواة أنّه فوجئ شأنه شأن بقيّة أعضاء اللجنة بعدم إدراج قانون الإنتخابات البلديّة ضمن مشروع القانون الإنتخابي الذي يتمّ إعداده صلب لجنة التّشريع العامّ. وأضاف يعيش ” كان من الضروري أن تشمل الإنتخابات اربعة عناصر هي : التشريعية، الرئاسية، المجالس البلديّة والمجالس الجهوية. غير أنّ الترويكا التي تقاسمت السلطة التشريعية والبرلمان تقاسمت أيضا البلديات وتشبثت بمواقعها بها رغم أنّ عملها طيلة السنة الفارطة لم يكن جيّدا. ورغم أنّ الثورة في تونس قامت من أجل مطالب اقتصاديّة واجتماعيّة إلاّ أنّ تعيين أعضاء النيابات البلديّة كان على أساس التمثيل الحزبي رغم أنّ البلدية هي مؤسسة عموميّة تتطلّب وجود أشخاص أكفاء وفاعلين. هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام حكومات ما بعد الإنتخابات بتغطية عديد الجهات ذات الكثافة السكّانيّة ببلديّات جديدة رغم مئات المطالب التي قدّمها مواطنون بهذا الخصوص.”

وفي هذا الإطار أكّد نائب رئيس النيابة الخصوصيّة لبلديّة صفاقس كمال القرقروي أنّ ” التوجّه المطروح الآن داخل المجلس التأسيسي وفي الوزارات المعنيّة هو إجراء انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة أوّلا ثم إجراء الإنتخابات البلديّة من طرف الحكومة القادمة. إلاّ أنّ إجراء انتخابات بلديّة في أقرب الاجال أمر محبّذ نظرا لأنّ المشاكل العالقة والتي تخص مجالات النقل والتهيئة والصحّة والبيئة ونظافة المحيط تتطلّب وجود مجالس بلديّة منتخبة تمتلك صلاحيّات كبرى كالتي تمّ تضمينها في الدّستور. فأعضاء النيابات الخصويّة الحاليين هم مؤقّتون وإضافة إلى أنّهم يمثّلون أحزاب لا مواطنين فهم لا يمتلكون أية صلاحيات للعمل من أجل حلّ مشاكل الجهة.”

أمّا بخصوص مخاوف بعض الأطراف السياسيّة من مشاركة أعضاء من النيابات الخصوصية في تزوير الانتخابات فوضّح القروقوري ” إنّ تزوير الإنتخابات أمر غير مطروح لأنّ المسؤولين عن تنظيم الانتخابات هما الهيئة المستقلة للانتخابات والمؤسّسة العسكريّة، غير أنّ تدخّل بعض أعضاء النيابات الخصوصيّة يمكن أن يتمّ عبر توظيف إمكانيّات البلديّات من موارد وسيارات ومنشات لفائدة أحزاب دون أخرى ما من شان أن يؤثّر على نتيجة الإنتخابات. وهنا يجب على ناشطي المجتمع المدني أن يقوموا بدورهم في الرّقابة خصوصا وأنّ الانتماءات الحزبيّة لأعضاء النيابات يمكن أن ينتج أرضيّة مناسبة لحدوث بعض التجاوزات.”

يبقى إشكال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في وجود مجالس بلديّة تسيطر عليها أحزاب الترويكا مطروحا إلى حين إيجاد مخرج قانوني. ورغم عدم جدّية المجلس التأسيسي والحكومة في إيلاء هذا الأمر الأهميّة التي يستحقّها فإنّ المخرج القانوني الوحيد يتمثّل في ما جاء على لسان النّائب هشام حسني الذّي أكّد عزمه مع مجموعة من النوّاب مطالبة الحكومة بإصدار أمر يقضي بإلغاء كلّ النيابات الخصوصيّة القديمة وتعيين مستقليّن على رأس نيابات خصوصيّة تدير البلديّات إلى غاية إجراء انتخابات بلديّة.