Crédit photo: news.cn

لم يكن مرسي اول رئيس منتخب لمصر أمام خيار حين خطب جموع الجماهير الحاشدة في ميدان التحرير.. فقد انتخبه جانب كبير من الثوار رفضا لمرشح الثورة المضادة و أملا في وفائه بعهوده المبرمة مع قادة الاحزاب الثورية, بأن يكون تحت تصرّف أهداف الثورة و أنصارها.. وان لا يسمح للمجلس العسكري بالاستفراد بالسلطة..عندما قرر مرسي أن يؤدي القسم أمام الجماهير في ميدان التحرير قبل أن يؤديه رسميّا أمام هيئة توصف انها دستورية, وفق مقتضيات الاعلان الجمهوري الدستوري العسكري المفرد كان يعلم انه لا بد من الوفاء و الارضاء و لا بد من المحافظة على توازن لا يقطع مع مقتضيات المجلس العسكري التي ارتقت الى القانون الشرعي المفروض.غير أنه لا ينبغي أن ننسى أنه لو لم يكن مرسي رئيسا لكان ميدان التحرير على شاكلة أخرى.. و لكان شفيق و معه المجلس العسكري يواجه غضبا ثوريا مجهول العواقب.. ربّما كانت عواقبه ستقود مصر الى وضعية اخرى لا يمكن أن يرتضيها أحد.. مرسي الرئيس يبقي في كل الاحوال الأمل قائما و يؤكد ان الثورة ممكنة و أنّ الحلم يمكن أن يكون واقعا و لو كانت العقبات كبيرة و جوهرية و ما لازالت تشكّل تحدّيا حقيقيّا تواجهه الثورة و أقلّها ال48 بالمائة التي انتخبت شفيق و الأغلبية الصامتة فضلا عن العرش المستبد و عنوانه المجلس العسكري.

اليوم أصبح مرسي رئيسا.. و الثورة مستمرة. و ها هو في فاتحة بلاغه المباشر لجماهير الثورة المندفعة..

1- مرسي الوفي لتعهداته الثورية

كما كان متوقعا كان خطابه يهدف الى تطمين الثوار والاحزاب الثورية.. هذا التطمين شمل:

– أنّه رئيس كل المصريين بمن فيهم من لم ينتخبه و أنّه في خدمة الجميع في اتجاه استكمال الثورة.
– أكّد مرسي الرئيس بخطاب ثوري تعبوي جماهيري أنّه من الثوار و منهم يستمد شرعيته و سلطته و أنّ قراراته ستجسّد تحقيق أهداف الثورة.
– استنصر مرسي بحرّاس الثورة بميدان التحرير لحمايته و دعمه و دفعه لتحقيق أهداف الثورة.
– أكّد مرسي على تمسكه بممارسة كافة سلطات الرئيس القائد و شدّد على عدم التفريط في صلوحياته التامّة مشيرا الى تمسّكه بأن لا يفسح المجال للمجلس العسكري أن ينازعه في سلطاته طالبا سندا جماهيريّا في ذلك.
– تمسك مرسي, كما هو منتظر, بالوحدة الوطنية و أكّد على الجماهير المصرية بأن تكون معا في كنف الأيخاء يدا واحدة من أجل سلامة و وحدة و عزّة مصر الافريقية العربية.

كان مرسي خطيبا ذا منحى شعبي تعبوي ثوري باحثا عن كاريزما شعبيّة ثوريّة تتماشى مع الوضعيّة المصرية الراهنة. تجاوب الجماهير المليونية كان تأكيدا صريحا على استمرار المد الشعبي الثوري المتمسك باستكمال الثورة بانتخابه لمرسي بديلا عن شفيق رمز الثورة المضادة و مقاومة المجلس العسكري المستفرد بالسلطة الغير مبالي بمطالب ميدان التحرير لسان حال الثورة.

تعمد مرسي أن لا يكون في خطابه ما يشير الى أنّه اخوانيا كما تعمّد تطمين العاملين في القطاع السياحي و المسيحيين و كافة القوى السياسية بمن فيهم أنصار شفيق و مؤيدي النظام السابق.

crédit photo: Présidence de la république Egyptienne

2- مرسي المطمئن للمجلس العسكري

بقدر ما كان مرسي ثوريّا وفيّا لحملته الانتخابية و لتعهاداته للقوى السياسية المتشبّثة باستكمال المسار الثوري المقاوم لسلطة المجلس العسكري المستفردة بالحكم بقدر ما كان وفيّا و خاضعا لمقتضيات الأجندة “الدستوريّة” التي يفرضها بانفراد المجلس العسكري و يمكن استخلاص ذلك من خلال ما ورد في خطابه الثوري و ما تعمّد السكوت عنه:

– كرّر مرسي الرئيس المنضبط باشارة دون اطناب تمسكه بالقانون و احترامه للقضاء و معلوم ان القانون الضابط للسلطات قد حدّده المجلس العسكري خلال اليوم الذي سبق الاستحقاق الانتخابي و هذا القانون يجعل من ادائه القسم أمام جماهير ساحة التحرير رمزيّا و مجرّد ارضاء للثوّار بما أنّ أداء القسم رسميّا سيكون امام الهيئة الدستورية “العسكرية” و ليس أمام البرلمان المنتخب الذي حلّه العسكر لحسابات سياسيّة تهندس المسار الانتقالي بعيدا عن ارادة الشعب.
– لم يشر مرسي – رغم تأكيده على تمسّكه بصلوحيات موسعة و سيادية للرّئيس – الى رفضه للقانون المنظّم للسلطات الذي حدده العسكر.
– لم يصرّح مرسي بوضوح برفضه لحل البرلمان المنتخب بما كان يمكن أن يمثّل جرأتا في اعادة الاعتبار للارادة الشعبية المنتهكة.
– على مستوى العلاقات الدولية لمصر, تهرّب مرسي عنوة من ذكر أي دولة و لم يتطرّق الى معاهدة السلام مع اسرائيل, بل لم يذكر بالمرّة القضيّة الفلسطينية و لم يوجّه أي رسالة الى الولايات المتحدة الامريكية.. و هذا الأمر يوحي بتأجيل طرح هذه القضايا المصيريّة باعتبار أولويات الأجندات المتشابكة الخاضعة للمرحلية المدركة لحاجة البدء بترتيب البيت الداخلي و خاصة منها الصراع القائم حول الصلوحيات مع المجلس العسكري الذي قرّر أن يكون المشير فيها وزيرا للدفاع.
– لم يشر مرسي الى طبيعة تشكيل مؤسسة الرئاسة التي تنتظر منها القوى السياسية القومية و السلفية و اليسارية أن تكون في شكل مجلس رئاسي يضم رموز الثورة في الساحة الوطنية.

3- مرسي أمِنَ الوضع من جانب الثوار و من جانب المجلس العسكري

استطاع مرسي في مهمّته الاوّليّة الدقيقة أن يؤمّن ظرفيّا رضاء ميدان التحرير و انسجم في العموميات مع نزعته الثوريّة و من جهة أخرى حافظ على حرمة القوانين التي كرسّها المجلس العسكري و تجنب اثارة اسرائيل.. استطاع مرسي أن يقدّم نفسه في صورة تليق برئيس مصر ما بعد الثورة و لو أنّها صورة أوّلية افتتاحية و لكنها هامة..

لقد نجح في تحقيق التوازن المفروض بين حبلين.. و لكن الاستحقاقات القادمة ستجعل الدّقة مطلوبة أكثر و ستفرض عليه الانحياز الى احدى الطّرفين أو المراوحة بين هذا وذاك.. انّ الأيّام القادمة ستدفع في اتّجاه التوافق مع القوى السياسية الوطنية أو في اتّجاه التعارض معها.