لن تكسِرُوا أقلامنا الحُرّة . .

*القلم الحرّ سليم بوخذير

أطلقت منذ حين (التاسعة ليلا تقريبا بتوقيت تونس) مخافر البوليس في تونس سراح الزميل العزيز لطفي حجّي رئيس نقابة الصحافيين التونسيين و مراسل “الجزيرة” في تونس .
و كان عدد من أعوان البوليس قد إختطفوا الزميل لطفي منذ عصر اليوم من مقرّ إقامته بمدينة بنزرت إلى جهة لم يعلنوها لعائلته ولا لنُشطاء الرابطة ببنزرت، ليتّضح بعد ذلك أنّ الجماعة إختطفوا لطفي نحو ما يدّعون أنّه “مقرّ الشرطة العدلية” باب البحر بالعاصمة بينما الذين إستجوبوه هم عناصر أمن الدولة حتما كما يعرف القاصي و الداني في البلد .

و قال لي الزميل لطفي منذ حين إنّ أهل البوليس أرادوا توقيعه على “محضر تنبيه” بأن يتوقّف مستقبلا عمّا وصفوه بعمله مراسلا ل”الجزيرة” بطريقة “غير قانونية” على حدّ زعمهم ذاكرين أنّهم سمعوه يحدّث “الجزيرة” عبر الهاتف و هو إثبات جديد على ممارسة دوائر البوليس في تونس للتنصّت على مكالمات المواطنين في إطارعادة يتميّزون بكثافة ممارستها عالميا و تعوّدوا أن ينكروها، فيما تمسّك الزميل بحقّه في مواصلة عمله و رفضه القاطع التخلّي عن واجبه كصحفي ينقل الأحداث بأمانة رغم ما عاناه جرّاء ذلك من متاعب في بلده تراوحت بين الإختطافات الأمنية المتكرّرة في السنتين الماضيتين و قطع مكالماته الهاتفية و مراقبته و منعه من بطاقته الصحفيّة و التضييق بكلّ الوسائل على مورد رزقه و حرمانه من عديد الحقوق الأخرى . و رفض الزميل لطفي التوقيع واصفا السلطات بأنّها هي التي تمارس ضدّه وسائل غير قانونية منذ فترة طويلة آخرها و أبسطها أن يقع إستنطاقه اليوم خارج التوقيت الإداري و دون توجيه إستدعاء كتابي فيه تحديد السبب بوضوح .

و كان الزميل العزيز قد رفض ظهر اليوم و قبل إختطافه ، الإستجابة لإستدعاءين من دوائر البوليس الأوّل كان عبر الهاتف و الثاني كان كتابيا لم يحترم باعثوه فيه حقّ المُستدعى في أن يعرف الموضوع .

و هذه هي أوّل مرّة تعلن فيها السلطات بشكل مباشر و صريح مُحاسبة لطفي حجّي على عمله كصحفي و تحديدا كمراسل ل”الجزيرة” لأنّها في العادة كانت تمارس عليه مضايقاتها البوليسية و غير البوليسية دون إعلان أنّها تفعل ذلك بسبب عمله الصحفي المحايد الذي يؤدّيه بأمانة الشرفاء النزهاء منذ سنوات ، و هذه المحاسبة الصريحة تأتي لتزيد كلّ العالم أدلّة على أدلة على حجم مُعاداة الحكومة التونسية للصحافيين المُحايدين المُتمسكين بإستقلاليتهم المهنية و حجم ما بلغته من أشواط في التضييق عليهم و هرسلتهم و مُحاولة ترويعهم لإثنائهم عن أداء رسالتهم رغم الصعوبات ، و ذلك على خلاف ما يُحاول الحُكم إدّعاءه دائما في وسائل إعلامه المُؤتمرة بأمره .

و تُحيلنا محاولة محاسبة لطفي حجّي أمنيا على عمله مراسلا ل”الجزيرة” ، من جديد إلى مسألة إسناد بطاقات إعتماد مراسلي وسائل الإعلام الخارجية من تونس ، ففيما يجد المراسلون في دول عديدة في العالم حتى تلك التي لا تحكمها أنظمة ديمقراطية ، مرونة في السماح للمراسلين بالعمل ، تُعامل السلطات في تونس المراسل و كأنّه جاسوس لجهات أجنبية إذا ما قرّر رفض الإنصياع للضغوط التي تمارسه عليه ما يُسمّى ب “وكالة الإتصال الخارجي” و جهات حكومية أخرى ، و لذلك تمارس عليه مختلف التضييقات .

و قد إبتكرت الحكومة التونسية سلاحا حسبته فعّالا يتمثّل في إحتجاز بطاقات إعتماد مراسلي وسائل الإعلام قبل إسنادها لهم حتّى و لو إستوفى الصحفي منهم شروط الحصول عليها من ذلك توجيه رسالة من مدير مؤسسته الإعلامية بإعتماده مراسلا لها .

إلاّ أنّ هذا السلاح لم ينفع مع عديد الصحافيين المُتشبّعين جيّدا بميثاق شرف المهنة و قيم الواجب المهني في إحترام قدسيّة نقل الحقيقة كلّفهم و في مقدّمتهم الزميل لطفي حجّي الذي واصل عمله الصحفي رغم ذلك ، و قبله الزميل محمد الفوراتي مراسل وكلة “قدس براس” .
و من المخجل لبلد ينصّ دستوره على إحترام حريّة التعبير و أمضت حكومته على فائق المعاهدات بإحترام حرية الإعلام ، أن تخرُق فيه ما يسمّى ب”وكالة الإتصال الخارجي” نفسها القانون بإحتجازها لبطاقات إعتماد الصحافيين عندها “رهينة” في رُفوفها ، ثمّ حين يعمل المراسل منهم دون الحصول عليها يُتّهم هو بخرق القانون .
و لكن إذا كانت السلطات تأمل من خلال محاولات التضييق مثل التي إستهدفت اليوم الزميل لطفي ، في أن يتوقّف من لم يحصل من المراسلين في تونس على بطاقات إعتمادهم -للأسباب المعروفة- عن نشر الحقيقة و عن أداء رسالته الإعلامية المقدّسة ، فلتحلم سلطاتناطويلا بهذا ، لأنّ ذلك لن يتحقّق أبدا ، و لن تُكسر أقلامنا الحرّة مهما حاولوا. . لن تُكسر . . لن تُكسر . .