قرار هيئة الانتخابات الصادر بتاريخ 15 نوفمبر 2023 كان مشفوعًا بتصريح من رئيسها فاروق بوعسكر، قال فيه إنّ على وسائل الإعلام على اختلاف محاملها مدّ الهيئة بمخططاتها التفصيلية لتغطية الحملة قبل يوم 02 ديسمبر القادم، موعد انطلاق الحملة الانتخابية للمجالس المحليّة. ”القانون منح هذه الصلاحية لهيئة الانتخابات، وهي التي تملك اختصاص التغطية الإعلامية، واستبعد الهايكا (الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري)“، يقول محمّد التليلي المنصري الناطق باسم هيئة الانتخابات في تصريح لنواة، مضيفًا أنّ ”القانون الانتخابي هو قانون استثنائي وخاصّ يُطبَّق قبل القوانين العامّة الأخرى، والتغطية الإعلامية لا تمسّ من اختصاص الهيئة العامّ وإنّما تشمل فقط مدّة 21 يومًا”.
تدخّل في الإعلام عبر القانون
أسند القانون الانتخابي في نسخته الأولى الصادرة في 16 ماي 2014 للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري صلاحية إصدار قرارات مشتركة مع هيئة الانتخابات لضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية، في فصلَيه 66 و67. هذه الصلاحية استندت إليها الهايكا في الانتخابات التشريعية السابقة لتصدر قرارا توجيهيّا في 16 نوفمبر 2022 يتعلّق بضبط قواعد النفاذ وتغطية الحملة الانتخابية التشريعية بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري، ثمّ سارعت هيئة الانتخابات بإصدار قرار مؤرّخ في 18 نوفمبر 2022 ينسف هذه المبدأ، لتعلنَ ”ولايتها الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها“، بما في ذلك ضبط قواعد تغطية الحملة الانتخابية.
فيما ألغى المرسوم عدد 8 لسنة 2023 المنقّح للقانون الانتخابي التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وإصدار قرارات مشتركة معها. ”الهيئة استُبعدت من مراقبة الانتخابات بسبب موقفها من الانتخابات التشريعية، حيث رفضت إمضاء القرار المشترك مع هيئة الانتخابات، واعتبرت أنّ الانتخابات تفتقر في تغطيتها إلى الحدّ الأدنى من الموضوعية، ونالت الهيئة نصيبها من الغضب عندما رفضت خرق رئيس الجمهورية للصمت الانتخابي، فكان أن أُلغي وجودها من الدستور واستبعادها وفق ذلك المرسوم“، يقول هشام السنوسي عضو هيئة الاتصال السمعي البصري لنواة، ويضيف: ”بالنسبة إلينا، نحن نراقب جميع المضامين بما فيها المضامين المتعلّقة بالدّعاية السياسية وسنراقبها وفق المعايير الموضوعية الموجودة في المرسوم عدد 116 لسنة 2011 وفي كراسات الشروط“، منبّهًا إلى أنّ سلوك هيئة الانتخابات “فيه مسّ من استقلالية وسائل الإعلام“ بما من شأنه ”أن يشكّل ضغطًا عليها“.
من جانبه، يقول زياد الدبار رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في تصريح لنواة إنّه ليس من صلاحيات هيئة الانتخابات تعديل الإعلام، إذ تقتصر مهمّتها على تنظيم الانتخابات تقنيّا وسياسيّا. ”الهيئة اليوم نصّبت نفسها سيّدة الانتخابات وسيّدة الإعلام وسيّدة كلّ شيء. هناك سطو من هيئة الانتخابات على صلاحيات غير صلاحياتها“، يقول الدبار لنواة.
عقوبات ضد المترشحين، لا تستهدف الإعلام
رغم رفض الهياكل الممثلة لقطاع الصحافة الولاية العامّة لهيئة الانتخابات على المسار الانتخابي بما في ذلك التغطية الإعلامية، إلاّ أنّها لم تصدر إلى حين كتابة هذا المقال بيانات للتنديد بذلك، خلافًا لما حصل في الحملة الانتخابية لتشريعيات 17 ديسمبر 2022، حيث أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين آنذاك بيانًا يوم 22 نوفمبر 2022 رفضت من خلاله ”احتكار هيئة الانتخابات للولاية على المشهد السمعي والبصري أثناء المسار الانتخابي“. أمّا الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، فقد أصدرت بيانًا في 19 نوفمبر 2022 تعلن فيه تمسّكها بصلاحيّاتها ولجوؤها للقضاء ضدّ قرار هيئة الانتخابات المتعلّق بولايتها العامّة على المسار الانتخابي. ”بالتأكيد سيكون هناك موقف رسمي للهيئة، وكنّا قد عبرنا عنه في أكثر من مناسبة. بالنسبة إلينا، عمليّة الانتقال الديمقراطي توقّفت، وما نشاهده الآن هو إجهاز على مسار إصلاح الإعلام. كنّا نتمنّى أن يُشكّل 25 جويلية 2021 دفعًا جديدًا لهذا الإصلاح الّذي تعطّل خلال العشريّة الماضية، ولكن ما نلاحظه بكلّ وضوح هو نفس السلوك المعتمد خلال العشرية السابقة“، يقول هشام السنوسي، عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري لنواة.
أمّا هيئة الانتخابات، فيؤكّد الناطق باسمها محمّد التليلي المنصري أنّ عملها يقتصر فقط على مراقبة وسائل الإعلام. ”نحن لا نسلّط عقوبات على وسائل الإعلام، وإنّما على المترشّحين المستخدمين للوسيلة في حال عدم الاستجابة لقرار هيئة الانتخابات“، يؤكّد المنصري لنواة، مضيفًا أنّ العقوبة قد تطال الصحفيّين في صورة عدم احترام قواعد الموضوعية والمساواة بين المترشحين وعدم الالتزام بالقُرعة في اختيار ممثلي الدوائر الانتخابية. ”المهم بالنسبة إلى الهيئة هو اختيار طريقة موضوعية للتغطية، مثلا اختيار دوائر معيّنة في ولاية أو إقليم محدّد، وإجراء قُرعة على تلك الدوائر بحضور عدل منفّذ، بحيث يقع الاختيار على 10 أو 15 مترشّحًا، أو من خلال اختيار إذاعة جهوية للدوائر الانتخابية التي تشمل نطاق بثّها، المهمّ هو أن يكون اختيار المترشحين على أسس موضوعية“، يقول المنصري لنواة.
بعد أن كانت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري تبارز هيئة الانتخابات وتدابير 25 جويلية بما أُسند إليها من صلاحيات وفق القانون الانتخابي والمرسوم عدد 116 المحدث لها، أجهز قيس سعيّد بالمرسوم عدد 08 لسنة 2023 على كلّ محاولة لتشريكها في المسار الانتخابي، ربّما تمهيدًا لمحوها، أو عقابًا لها على نقدها الممارسات السياسية التي تعمل على تدجين الإعلام. معركة خفت صيتها وانحسرت الأصوات المبدئية التي كانت مستعدة لخوضها، خاصة أنّ دستور 2022 ألغى تمامًا الهيئات التعديليّة باستثناء هيئة الانتخابات، التي أصبحت لها الولاية الكاملة على الانتخابات، بما في ذلك التغطية الإعلامية.
iThere are no comments
Add yours