في 12 جويلية 2023، أودعت كتلة الخطّ الوطني السيادي المؤلّفة من 15 نائبًا، ينتمي مجملهم إلى حركة الشعب، مقترح قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني لدى مكتب المجلس، مبادرة تمّت إحالتها إلى لجنة الحقوق والحريّات يوم 13 جويلية. مقترح القانون يحدد الأفعال التي تُعدّ تطبيعًا، ويُسلّط عقوبات على من يرتكبها. وهي ليست المرّة الأولى التي يتقدّم بها البرلمان بمبادرات تشريعيّة لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، إذ سبقتها مبادرتان، كانت الأولى من اقتراح كتلة الجبهة الشعبية في برلمان 2014-2019، والثانية من تقديم الكتلة الديمقراطية في برلمان 2019-2021. ”المبدأ هو تجريم كل فعل تطبيعي مع الكيان الصهيوني. لكن على مستوى المضمون فإنّ الإضافة الموجودة مقارنة بمشروع القانون الذي تقدمنا به في دورة 19/21 تتمثل في إيقاع عقوبات زجرية على كل من يطبّع“، يقول النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي، وعضو مكتب مجلس نوّاب الشعب بدر الدين القمودي في تصريح لنواة.

فحوى المبادرة التشريعية

”أرجو أن تصل العريضة إلى مكتب المجلس وأن تُبرمَج في جدول أعماله غدا، وسأعمل بمعيّة زملائي على برمجة جلسة عامّة في أقرب الأوقات، إذ لا توجد ظرفيّة أفضل من هذه لتمرير المبادرة“، يقول القمودي لنواة، مضيفًا أنّ ”المناخ العامّ يسمح بتمرير هذه المبادرة، يوم أمس تم توقيع عريضة لاستعجال النظر فيه وافق عليها قرابة 100 نائب، فالظروف ملائمة لتمريره“، يقول النائب بحماس.

22 ماي 2023 إبراهيم بودربالة رئيس البرلمان يلتقي السفير الفلسطيني هائل الفاهوم – مجلس نواب الشعب

وعن الأفعال المُجرَّمة بمقتضى هذه المبادرة، فهي تتعلّق ”بإقامة علاقات طبيعيّة مباشرة أو غير مباشرة مع ما يُسمَّى بدولة إسرائيل وأجهزتها ومواطنيها“، مثل الاتّجار والتعاقد والتواصل التجاري والحرفي والمهني والعلمي والثقافي وغير ذلك، إلى جانب المشاركة في الأنشطة والفعاليات التي تُقام على الإقليم الّذي تحتلّه أو تتحكّم فيه سلطات الكيان الصهيوني. ويُسلّط مقترح القانون على مرتكب جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني عقوبة سالبة للحريّة بالسجن لمدّة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، إلى جانب عقوبة مالية تتراوح بين عشرة آلاف دينار ومائة ألف دينار.

وفي وقت سابق، كان يوسف طرشون رئيس كتلة الخط الوطني السيادي قد صرّح لموقع نواة أنّ تجريم التطبيع ”سيوضع على الطاولة“ في شكل مبادرة تشريعيّة، مؤكّدًا أنّ هذا المقترح ”سيُسجَّل في التاريخ“: ”ستكون أولويتنا تجريم التطبيع، وهي بالنسبة إلينا أمر لا نقاش فيه، وهو من أولوياتنا التشريعية“، يقول طرشون.

وبخصوص اختلاف السياقات بين البرلمانَين السّابقَين والبرلمان الحالي، يقول بدر الدين القمودي لنواة: ”إنّ مكوّنات المجلس والسياق العام يختلف بصورة جذرية عمّا كان الوضع عليه في 2021 حيث كانت الأطراف الحاكمة في ذلك الوقت ضد هذا المسار وهي التي عارضت إدراج التطبيع في دستور 2014 وكانت تعمل على عدم تمرير المشروع إلى الجلسة العامة“، مؤكّدًا أنّ الوضع مختلف الآن تمامًا وكل النواب مع تجريم التطبيع. ”لا أظنّ قيادة المجلس تختلف مع هذه الإرادة وأطمح إلى تمرير المبادرة في الجلسة العامّة“، يضيف النائب.

الأسس القانونية لتجريم التطبيع

تستند المبادرة التشريعية التي تقدّمت بها كتلة الخطّ الوطني السيادي إلى ثلاثة أسس، دستورية وميثاقية وسياسية. من الناحية الدستورية، تنصّ توطئة دستور قيس سعيّد على التمسّك بالشرعيّة الدولية والانتصار للحقوق المشروعة للشّعوب التي من حقّها أن تقرر مصيرها بنفسها، ”وأوّلها حق الشعب الفلسطيني في أرضه السّليبة وإقامة دولته عليها بعد تحريرها وعاصمتها القدس الشّريف“. مع الإشارة إلى أنّ دستور 2014 تحدّث في توطئته على الانتصار لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرّر الفلسطيني، ومناهضة كلّ أشكال الاحتلال والعنصرية، وهو سند دستوريّ يعترف بأنّ الكيان الصهيوني محتلّ وعنصريّ، بشكل يتماهى مع قرار الجمعية العامّة للأمم المتّحدة عدد 3379 لسنة 1975 الّذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصريّة. أمّا سياسيّا، فقد اعتدى الكيان الصهيوني على الأراضي التونسية كذا مرة، عدوان حمام الشط سنة 1985، واغتيال أبو جهاد سنة 1988 والمهندس محمّد الزواري سنة 2016… بالإضافة إلى اقرار قيس سعيّد قبل انتخابه رئيسًا بأنّ التطبيع خيانة عظمى. وقد أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا في 07 أكتوبر، مع بداية عملية طوفان الأقصى، عبّرت فيه عن مساندتها المطلقة وغير المشروطة للشعب الفلسطيني وحقّه في استرداد كامل أرضه وإقامة دولة مستقلّة عاصمتها القدس.

18 ماي 2021 الجلسة العامة بالبرلمان التونسي تعدل جدول أعمالها تضامنا مع القضية الفلسطينية – مجلس نواب الشعب

ورغم وضوح مواقف السلطتين التشريعية والتنفيذية بخصوص العدوان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية عبر إصدار بيان رئاسة الجمهورية وبيان مكتب مجلس نواب الشعب، إلاّ أنّ المواقف وحدها لا تكفي، إذ يجب أن تُتوَّج بإجراء واقعي مثل القوانين الّتي تكتسي طابعًا إلزاميّا، على عكس العرائض والبيانات. وبين استعجال النّظر في المبادرة التشريعية التي تقدّمت بها كتلة الخطّ الوطني السيادي ومناقشة فحوى المبادرة، قد تبرز بعض النقاط الخلافيّة على مستوى تحديد الأفعال التي قد تُعدّ تطبيعًا، من ذلك مثلا إقامة فنّانين لحفلات في الأراضي المحتلّة في إطار ”فكّ العزلة“ عن عرب 48، أو المشاركة في فعاليّات رياضيّة مع وفود أو عناصر محسوبة على الكيان الصهيوني، إلى جانب التنصيص على عنصر القصديّة في ارتكاب هذه الأفعال، والعقوبات السالبة للحريّة المترتّبة عن ذلك.