ينصح أحد المواقع المختصّة في تقديم الإرشاد للتلاميذ والطلبة وحاملي الشهادات العليا، المكفوفين وضعاف البصر باختيار اختصاص العلاج الطبيعي للدراسة بعد النجاح في الباكالوريا. هذا الاختصاص يُدرَّس في جناح مهيّأ بمقر الاتحاد الوطني للمكفوفين، يشرف على التدريس فيه مختصون في تعليم المكفوفين. الموقع ذاته يقدم خيارات أخرى، منها مثلا تقديم طلب لوزارة التعليم العالي للدراسة في اختصاص آخر مرفوقًا بطلب اصطحاب مرافق طيلة مراحل الدراسة، على أن يختار التلميذ شعبة جامعية تمكنه من العمل بعد التخرج دون حاجة لمرافق، أو اختيار اختصاص التكوين المهني في اختصاص موزع هاتف ليُصبح المتخرّج فيما بعد موظف استقبال وهو خيار وفرته الدولة في إطار الإدماج المهني لحاملي الإعاقة البصرية.
دولة غير بصيرة
يروي خليل العياري، وهو طالب غير مبصر، بكلية الحقوق والعلوم الأساسية بالمنار، صعوبة في تحصيل الدروس، فهو لم يمتثل لنصائح أشهر المواقع في إرشاد الناجحين في الباكالوريا، غامر باختيار اختصاص الحقوق رغم وعيه بالمطبات التي يمكن أن يواجها على عكس بقية الطلبة.
بدأ خليل الدراسة في السنة الأولى اختصاص حقوق العام الماضي، ولم ينجح في الدورة الرئيسية لأنه لم يتمكن من تحصيل كل الدروس، فقد كان يعتمد على تسجيل محاضرات الأساتذة في كل المواد في المدرج، لكنّه لم يتمكن من تسجيل بعض الدروس بسبب رفض بعض الأساتذة، متعلّلين بأنّ هذه الإجراءات ممنوعة.
يروي خليل لموقع نواة تجربته في كلية الحقوق قائلا:
”بدأت عامي الدراسي الأول في الجامعة بحماس كبير، لكنني واجهت صعوبة في الحصول على الدروس، فباعتباري طالبا كفيفا أدرس في مدرج يمكن أن يسع خمسمائة طالب أجد صعوبة في الوصول إليه وفي التنقل في الكلية التي لم تراع هندستها احتياجات حاملي الإعاقة. لم أتمكن من إنجاز نصف التمارين في الدروس المسيّرة، ولا أملك أية فكرة عن بعض التمارين التي يطلبها منا بعض الأساتذة ل لأنني لا أملك نسخة إلكترونية منها حتى أطوّعها بلغة براي، لذلك لا أملك أية حلول سوى أن أنجز ما يطلب منا اعتمادا على الفهم أو على مساعدة زميل يملي علي التمرين أو يرسله لي عن طريق رسالة نصية أو صوتية. أهملت العام الماضي تمارين مواد مهمة في اختصاصي وهي مادة النظرية العامة للحق والنظرية العامة للقانون والقانون الدستوري بسبب ذلك، وألجأ شأني شأن بعض الطلبة الذين يعانون من إعاقة بصرية إلى الاستعانة بجمعية براي للثقافة في صفاقس حتى تطبع لنا الدروس“.
يقول خليل العياري إنه خلال السنة الماضية لم يتمكن من كتابة أي درس في بعض المواد، وإنّه وجد صعوبة في النفاذ إلى المصادر والمراجع، حيث لم تطوع مكتبة كلية الحقوق والعلوم السياسية أية مراجع بلغة براي حتى يتمكن الطلبة المكفوفون من الاطلاع عليها، ويضيف خليل: ”أغلب المراجع التي نحتاجها في تخصصنا غير موجودة في مكتبة الكلية لذلك أحيانا أضطر إلى التوجه إلى المكتبة الوطنية غير أنني لا أجد ما أحتاجه. أشعر بأنني محروم من أبسط الأشياء وعاجز عن الحصول على نتائج الامتحانات حيث لا يمكن للكفيف أن يعرف نتيجة الامتحان إلا بمساعدة شخص مبصر رغم أنّني حين قمت بالترسيم صحبة طلبة مكفوفين آخرين وضعنا ضمن ملفنا الطبي ما يثبت إعاقتنا لذلك فإن كليتنا على علم بوجود ستة طلبة مكفوفين على الأقل يدرسون بها ولا يتمتعون بأي حق في حصولهم على الدرس“.
دور محوري لاتحاد المكفوفين
تبدأ رحلة الكفيف مع عالم المبصرين دون أي تحضير نفسي وذلك حين يجد نفسه أمام كتاب توجيه لم تطوعه وزارة التعليم العالي للمكفوفين حتى يتمكنوا من قراءته بتأن، قبل أن يُرمى الطالب الكفيف في وسط تعليمي لا يراع وضعيته. يقول توفيق الدبوسي رئيس الاتحاد التونسي للمكفوفين في تصريح لنواة إنّ على الطالب الكفيف الاستعداد النفسي قبل الدخول للجامعة لأنه الخيار الوحيد المتاح له ليتمكن من تحصيل الدروس. ويضيف الدبوسي ”التأقلم مهم في الجامعة لأن مهمة الحصول على الدروس تقع على عاتق الطالب الكفيف فقط. فمن يكون خجولا لا يمكنه الحصول أبدا على الدرس. وعلى الطالب الذي يعاني إعاقة بصرية أن يعي جيدا أنه لا توجد مراجع أو مصادر بلغة براي أو حتى دروس تسجيلية. إضافة إلى ذلك يخجل الطلبة المكفوفون من الكتابة بلغة براي في القسم خشية إزعاج الطلبة بسبب الصوت الذي يصدر عند الكتابة بتلك اللغة وقوة النقر“.
سنة 2021، اقترح الاتحاد التونسي للمكفوفين على وزارة التعليم العالي إبرام اتفاقية تتضمن التزام الجامعات التي يدرس بها مكفوفون بإرسال كل الدروس للاتحاد عن طريق الإيميل حتى يتمكن من تحويله إلى درس مقروء بلغة براي ليتسنّى للطلبة إنجاز امتحاناتهم بلغة براي. ويقول توفيق الدبوسي ”اقترحنا على الوزارة سنة 2021 أن تحتوي كل كلية على مطبعة بلغة براي حتى يتم طباعة الدروس للطلبة المكفوفين، ولا توجد أية معلومة عن تقدم ذلك المقترح ولم تتصل بنا الوزارة منذ ذلك الحين“.
لا تملك وزارة التعليم العالي إحصائيات عن عدد الطلبة حاملي الإعاقة بالنسبة للسنة الجامعية الماضية وذلك بتعلة انتظار آجال نهاية الترسيم بالجامعات والمبيتات التي ستكون في بداية العام القادم حسب المكلفة بالإعلام في الوزارة. إحصائيات الوزارة بالنسبة للسنة الجامعية الماضية تفيد بوجود 205 طالب حامل لإعاقة مسجلين في جامعات عمومية العام الماضي، من ضمنهم 83 طالبا كفيفا وخمسة طلبة حاملي إعاقة سمعية وثلاثة آخرين لديهم صعوبة في النطق، في حين يدرس 261 طالبا من ذوي الاحتياجات الخصوصية في العام ذاته بالمعهد العالي للتربة المختصة الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الاجتماعية صحبة وزارة التعليم العالي، ويمكن للطلبة المكفوفين هناك الدراسة في اختصاص العلاج الطبيعي. كما تعتمد الوزارتان على الاتحاد التونسي للمكفوفين في توفير التجهيزات والمقرات، ولكن تراجع حجمها منذ الثورة.
يقول رئيس اتحاد المكفوفين توفيق الدبوسي لنواة ”يتوزع الطلبة المكفوفون في كل من القيروان وكلية 9 أفريل بالعاصمة وصفاقس ومنوبة، ويصل عددهم إلى 150 طالبا في شعبة العلاج الطبيعي وهي أكثر الشعب التي يجبر الطالب على التوجه لها، إضافة إلى 90 طالبا في اختصاصات أخرى. هناك طلبة أرادوا التوجه إلى شعبة التربية والتعليم في زغوان فقيل لهم إنهم لا يملكون الحق في التوجه إلى تلك الشعبة لأنهم سيكونون مجبرين على دراسة الرياضيات وهي شعبة محرمة على الكفيف“.
وزارة وجامعة لا تسمع
يواجه حاملو الإعاقة السمعية رحلة مضنية أيضا في تحصيل الدروس في الجامعات، ويروي وسيم الربودي الذي ناقش مذكرة ختم الدروس في كلية الحقوق والعلوم السياسية مارس الماضي، لنواة معاناته في تحصيل الدروس خاصة في المحاضرات داخل المدرج. يعتمد فاقد السمع على قراءة الشفاه من أجل الفهم، ويقول وسيم إنه يواجه صعوبة كبيرة في كتابة الدرس الذي يمليه الأساتذة في المدارج بسبب تحرك الأساتذة في اتجاهات مختلفة تحجب عنه قراءة شفاههم. ويضيف ”كلّ الملفات الطبية للطلبة توجد لدى إدارة الكلية غير أنها لا تكلف نفسها عناء الاستفسار عن حاجيات حاملي الإعاقة منهم أو خصوصيتهم. شخصيا أعتمد على زملائي في القسم للحصول على الدرس. تعرضت إلى صعوبات كبيرة في تحصيل الدروس وواجهت صعوبة خلال مناقشة مذكرة تخرجي، حيث كان الأستاذ المؤطر على علم بالإعاقة التي أحملها وبأنني أحتاج إلى تركيز وجوه الأساتذة في لجنة المناقشة حتى أتمكن من فهم ما يقولونه، غير أنه لم يعلم اللجنة بذلك، وواجهت صعوبة في فهم ملاحظات رئيس لجنة المناقشة الذي لم يثبت نظره أمامي حتى أتمكن من فهمه رغم أنني أوصيت مؤطري بذلك“.
منذ أيام قليلة خاض وسيم الربودي مناظرة لانتداب كتبة في وزارة الخارجية وتمكن من النجاح في الامتحان الكتابي غير أنه واجه مشكلا في الامتحان الشفوي رغم علم لجنة الاختبار بوضعيته وحاجته لقراءة الشفاه من أجل الفهم.
لا تختلف تجربة حسام الربودي عن تجربة آمنة دقنو المتحصلة على شهادة دكتوراه في هندسة الاعلامية والاتصالات. تروي آمنة لنواة معاناتها خلال كل مراحل دراستها بسبب الإعاقة السمعية العميقة، وتقول: ”واجهت صعوبات مريرة خلال فترة الدراسة من الابتدائي، ثم الاعدادي والثانوي وأخيرا الجامعي بسبب غياب المؤسسات التي تتبنى التربية المختصة لفاقدي السمع. باختصار بسبب إهمال الدولة وعدم اهتمامها بالتعامل مع الأقليات. فنسبة الأمية لدى الصم تفوق 95% ونسبة الصم المتحصلين على المستوى الجامعي لا تتجاوز 1%. لذلك يترك الصم مقاعد الدراسة غالبا من السنة السادسة ابتدائي لأنهم لا يتحملون جحيم الصمت والإهمال. أعاني صعوبات في التواصل مع السامعين، ليس من السهل أن اتبع قراءة الشفاه لأتحصل على المعلومات. لهذا كان على ان اعتمد على نفسي وأتبنّى طريقة التعليم الفردي لكي أتحصل على الدروس. العالم الخارجي ليس مهتما بإيصال المعلومات للصم“.
تشير نتائج الإحصاء الوطني لسنة 2014 إلى أن 2،3% من التونسيين أي ما يقارب 252 ألف شخص يحملون إعاقة، وأن 37% منهم أطفال، يواجه 16% منهم إعاقات سمعية. غير أن الحكومات المتعاقبة تتعامل مع حاملي الإعاقة كأرقام تتلوها في مجالس التشريع المحلية ونسب في الانتدابات في الوظيفة العمومية. ورغم أنّ ذوات وذوي الإعاقة مواطنون مكتملون، إلا أنّ إدماجهم في التعليم يكشف زيف الشعارات التي تحملها السّلطة خاصّة مع عدم تكييف وسائل التعلّم مع احتياجاتهم.
iThere are no comments
Add yours