هذا الحزام كان له نصيب الأسد من التعديل الوزاري المعروض على البرلمان بمعدل ثلاثة وزراء لكل مكون من مكوناتها بدءا بحركة النهضة بثلاثة وزراء قريبين منها (أسامة الخريجي وزير الفلاحة، يوسف الزواغي وزير العدل، ووليد الذهبي وزير الداخلية) ووزيرين قريبين من حزب قلب تونس وهما سفيان بن تونس في الطاقة والمناجم وأحد مؤسسي الحزب وزكرياء بلخوجة وزيرا للشباب والرّياضة بعد أن شغل خطّة مستشار لدى وزير المالية.

كثيرون من بينهم سياسيون ونواب وملاحظين تنبأوا بفشل هذه الحكومة وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف التي رسمها لها المشيشي من تحسين الأداء وإيجاد حل للمشاكل التي تواجهها البلاد، هذا إن استطاعت المرور من عتبة البرلمان، بسبب ما التصق ببعض الوزراء المقترحين في التعديل من شبهات فساد (سفيان بن تونس عن حزب قلب تونس) و بالولاء لأحزاب الحزام السياسي بالنسبة للبعض الآخر وانعدام الكفاءة والجدارة للحقائب التي سيشغلونها، فما حقيقة هذا التعديل الوزاري؟ كيف سيكون مصيره في ظل الواقع السياسي والاجتماعي المتوتر؟

تحوير وزاري في غياب التقييم

من أبرز الانتقادات التي وجهت للتعديل الوزاري المقترح هو عدم مروره بمرحلة التقييم كما كان متوقعا أن يحدث بعد أن رفض رئيس الحكومة الحضور في جلسة يوم 28 ديسمبر التي كانت مخصصة لتقييم 100 يوم من عمل الحكومة في مرحلة أولى، وعدم تقديمه أو إفصاحه عن محتوى التقييم الذي قام به للوزراء المغادرين، هذا إن حصل هذا التقييم فعلا، خصوصا وأن أغلبية الوزراء المقترحين مقربون من حزامه السياسي.

وهو ما يعني أن التحوير الوزاري لقرابة ثلث أعضاء الحكومة لم يكن على قاعدة الكفاءة كما هو معلن، وإنما في جانب منه توجيه ضربة سياسية لرئيس الدولة قيس سعيد الذي لن يظل ساكتا وسيزيد من تصعيد الخلاف والتوتر بين القصبة وقرطاج.

غياب الثقافة والتجربة السياسية

الملاحظ في بروفايلات الوزراء الجدد المقترحين من قبل هشام المشيشي هو إما أن لديهم صفر تجربة سياسية (وزير الصحة هادي خيري، وزير الداخلية وليد الذهبي، وزير العدل يوسف الزواغي) أو خبرات سياسية عابرة مرتبطة بفترة وإطار معين (وزير الفلاحة أسامة الخريجي، وزير الشؤون المحلية والبيئة شهاب بن أحمد) أو أنهم من بين وزراء حكومة الحبيب الجملي التي لم تحظى بثقة البرلمان (وزير أملاك الدولة عبد اللطيف الميساوي، وزير الصناعة رضا بن مصباح) أو وزراء في غير اختصاصهم بالمعنى التكنوقراطي للكلمة (وزير الشباب والرياضة زكريا بالخوجة).

الخيط الناظم بين مختلف هؤلاء الوزراء هو غياب إن لم نقل انعدام الثقافة السياسية والبرنامج المسبق لكل وزارة من وزراتهم، ما يجعل منها حكومة غريبة عن واقعها وتنقصها الاستقلالية.

“منصب الوزير لا يتعلق بالكفاءة الإدارية وإنما هو منصب سياسي بالأساس، بإمكانه أن يكون كفأ في إدارته لكن سياسيا غير قادر على تسيير وزارته، وقد مرت العديد من الحكومات من الفتيان الذهبيين والتكنوقراط والإداريين، ولكن المسألة ليست في كثرة الشهائد الجامعية بقدر ما هي قدرة على معرفة مشاكل الناس والبلاد ومعرفة كيف يفكر الشعب”، بحسب ما قاله زهير المغزاوي النائب عن الكتلة الديمقراطية وأمين عام حركة الشعب.

مآل الحكومة الجديدة

من المتوقع أن تحظى الحكومة بثقة البرلمان بما أن المشيشي أعطى كل الضمانات والترضيات الضرورية لـ”وسادته البرلمانية” لتمريرها، على حساب الرؤية الأصلية للحكومة التي هندسها قيس سعيد والقائمة على “الكفاءات” والمستقلين. لكن ذلك لن يقدم رسائل إيجابية مطمئنة للنخبة السياسية والجماهير الشعبية التي تدعو لمحاسبة الفاسدين وإنقاذ البلاد بعيدا عن المحاصصة الحزبية والبرلمانية.

المشكلة في تونس، حسب أستاذ التاريخ المعاصرعبد اللطيف الحناشي، أن “هذه الحكومة لن تغير من الأمر شيئا لأنها لا تقوم على برنامج واضح، وما قدمته كبرنامج ليس متين بل هو عبارة عن أفكار متكررة للحكومات السابقة”. نفس الموقف يتقاطع فيه معه أمين عام حزب الشعب الذي يرى أنه “في غياب الرؤية والبرنامج السياسي القابل للتطبيق على أرض الواقع، فإن الأمور ستتأزم وتتعفن أكثر فأكثر”.

واعتبر المغزاوي أن الحكم “يتطلب نوع من السياسيين الذين لديهم القدرة على الاستشراف والتفاوض ومعرفة ما يجري حولهم، وبالتالي لا حلول للأزمة السياسية في الأفق القريب، فقط الفشل”.

كل المؤشرات تؤدي لنتيجة واحدة وهي أن التعديل الوزاري الجديد بالمواصفات التي هو عليها، إن مرّ، فإنه لن يقدم ما هو منتظر منه سياسيا على المدى القريب واجتماعيا واقتصاديا وتنمويا على المدى المتوسط والبعيد. خصوصا وأن البلاد في حالة استنفار واضطراب تزامنا مع الانفجار الاحتجاجي الأخير.