اصطفاف المشيشي بشكل معلن مع الحزبين اللذين يخوضان مواجهة مع رئيس الجمهورية منذ سقوط حكومة الجملي في بداية العام الماضي، سيعمّق الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، والتي يعتبر أبرز عناوينها الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية. وهي أزمة تفاقمت مع جائحة كورونا وسوء إدارة الحكومة لها، إضافة للأزمة الاقتصادية الخانقة وأثارها الاجتماعية الخطيرة التي بدأت تبرز في الاحتجاجات الليلية في مناطق متفرقة من البلاد. فهل سيكون التحوير الوزاري عنوان بداية مواجهة سياسية داخلية واحتقان اجتماعي؟
تناغم مع حزامه السياسي
خلال الإعلان عن التركيبة الجديدة لحكومته، بدا المشيشي متناغما مع ما صرّح به الغنوشي قبل ذلك، حيث أعلن أن “الهدف من التحوير الوزاري هو الترفيع في النجاعة ومزيد إحكام تطبيق سياسة الحكومة وتنفيذ خططها”، وهي تقريبا نفس المفردات التي استعملها راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة حين أكّد أن “الحزام السياسي الداعم للحكومة يؤكد أهمية إجراء تحوير وزاري لرفع الكفاءة والأداء وتحسين الحوكمة”. والنجاعة كما قصدها الغنوشي هو تعميق الخلاف بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وفعلا استبعد المشيشي بموجب هذا التحوير الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية مثل وزراء العدل، والداخلية (الذي تم إقالته قبل التحوير) وكذلك الثقافة، ووزير حقوق الإنسان والعلاقات مع المؤسسات الدستورية. في المقابل، عيّن المشيشي وزيرا مقرّبا من حركة النهضة وهو أسامة الخريجي في حقيبة الفلاحة والموارد المائية، فضلا عن وزيرين في وزارتي سيادة هما على التوالي يوسف الزواغي ووليد الذهبي في العدل والداخلية واللذين تربطهما علاقات جيدة بحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي. كما عيّن المشيشي بموجب هذا التعديل وزيرين مقرّبين من حزب قلب تونس وهما سفيان بن تونس في الطاقة والمناجم وهو أحد مؤسسي الحزب، إضافة إلى زكرياء بلخوجة الذي كان مستشاراً لدى وزير المالية، وعيّن في وزارة الشباب والرّياضة.
وكان رئيس الحكومة قد التقى قبل الإعلان عن التحوير الوزاري، رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي أكّد على ضرورة عدم خضوع هذا التحوير لأي شكل من أشكال الابتزاز والمقايضة، مذكّرا بأنه تم الاتفاق على أن تكون الحكومة متكونة من أعضاء لا يرتقي شك إلى نزاهتهم، وأنه “لا مجال لتعيين من تعلقت بهم قضايا حتى وإن لم يحسم فيها القضاء، وأن المسؤوليات داخل الدولة تقتضي ألا يكون المسؤول محل تتبع أو تحوم حول سيرته وتصرفاته شكوك تمس بالدولة ومصدقية مؤسساتها وشرعية قراراتها”.
شبهات فساد الوزراء الجدد
من جانبها، دعت منظمة أنا يقظ إلى تجنب ما أسمته بالتعيينات المشبوهة في أعلى هرم السلطة وعدم التلاعب بمؤسسات الدولة جراء حسابات حزبية لا تراعي المصلحة العليا، وقالت أنها ” تفاجأت بتعيين السيد سفيان بن تونس، عضو حزب قلب تونس، على رأس وزارة الطاقة والمناجم حيث أن هذا الأخير يرأس شركة Oscar Infrastructure Services التي تضم كذلك محمد الزعنوني بصفته نائب رئيس مكلف بالشؤون القانونية للشركة (وهو كذلك محامي نبيل القروي)”. وتشير المنظمة إلى أن محمد الزعنوني هو الذي أشرف على إمضاء ما عرف بعقد اللوبيينغ بين المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي والضابط السابق في الموساد الاسرائيلي آري بن ميناشي، وذلك عن طريق وسيط يدعى محمد بودربالة، مع العلم أن هذه القضية لازالت إلى حد الآن في طور التحقيق منذ سنة 2019.
على الرغم من أن رئيس الحكومة قال أنّه سيعرض التحوير الوزاري ، كما ينص على ذلك الدستور، على أنظار مجلس نواب الشعب، إلا ان أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أكّد أن الدستور لا ينص على عرض التحوير الوزاري على مجلس النواب لنيل الثقة.” وأن رئيس الحكومة وقع في خلط بين الدستور والنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي ينص في الفصل 144 على أنّه “إذا تقرر إدخال تحوير على الحكومة التي نالت ثقة المجلس إما بضم عضو جديد أو أكثر أو بتكليف عضو بغير المهمة التي نال الثقة بخصوصها، فإن ذلك يتطلب عرض الموضوع على المجلس لطلب نيل الثقة.” وهو فصل اعتبره المختصون في القانون غير دستوري. وبعيدا عن الجدل القانوني فإن المشيشي يدرك تماما أن لا مصلحة لمجلس نواب الشعب في حجب الثقة عن حكومته لأي سبب من الأسباب وهو ربّما ما جعله ينتهج سياسة الهروب الى الأمام.
ما مصير الحوار الوطني
وإذ عبرت بعض قيادات النهضة وقلب تونس عن دعمها لهذا التحوير الوزاري، فقد تأخّرت ردود الفعل الرسمية للمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية، خارج إطار الحزام السياسي المتمثل في النهضة وقلب تونس، إلا أن سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل كان تساءل قبل إعلان التحوير إذا ما كان “التركيز على التحوير الوزاري محاولة مدروسة لعرقلة مبادرة الحوار؟” ويبدو أنه من المنطقي التساؤل عن مصير المبادرات المختلفة للحوار الوطني، وخاصة مبادرة اتحاد الشغل، وهل ضيّع قيس سعيّد فرصة سحب البساط من تحت رئيس الحكومة هشام المشيشي وحزامه لأنه لم يعلن الدخول في حوار وطني يجمع أغلب الطيف السياسي وتكون إحدى مخرجاته تغيير الحكومة برمّتها، أم أن الفرصة مازالت سانحة لحوار وطني واسع وشامل يجمع كامل الطيف المدني والسياسي لبلورة حلول واقعية يمكن أن تضع حدّا للأزمات المركّبة والمعقّدة التي تعيشها البلاد، وخاصة الازمة الاجتماعية التي بدأت باحتجاجات ليلية وعمليات حرق تذكّر بشتاء 2011.
iThere are no comments
Add yours