صورة لأحمد زروقي

طلبات رفع الحصانة التي تقدمت بها النيابة العمومية ممثلة في وزير العدل للبرلمان أثارت العديد من ردود الفعل والمواقف المتعارضة حولها بين مطالبين بتطبيق العدالة على الجميع وبشكل متساو وبين بعض النواب الذين يرون المطالبة برفع الحصانة فيه مس من هيبة البرلمان ولا يجب المطالبة بها بشكل علني وفي كل الحالات.

حقيقة تقديم مطالب رفع حصانة

بلغ عدد الملفات التي أحالتها وزارة العدل إلى مكتب رئيس مجلس نواب الشعب، راشد الغنوشي، قصد طلب رفع الحصانة 9 مطالب تهم 5 نواب، بحسب ما أكد لنا المكلف بالاتصال بوزارة العدل، سفيان السهيلي. هذا دون إحصاء مطالب رفع الحصانة التي ترسلها النيابة العمومية دون المرور بوزارة العدل.

من جانبه، أوضح المتحدث باسم القطب القضائي والمالي، محسن دالي، في اتصال هاتفي مع نواة أنه يوجد من بين مطالب رفع الحصانة التي أرسلتها النيابة العمومية لرئاسة المجلس ملفات تتعلق بجرائم فساد مالي. كل هذه المطالب تضاف لخمسة وعشرين مطلب رفع حصانة سبق وأن أحالها القضاء على مكتب المجلس السابق ولم يتخلى فيها عن حصانته سوى خمسة نواب. وهنالك من النواب الذين اعتصموا بالحصانة من له 7 ملفات جزائية أمام القضاء، بحسب ما جاء في كلام وزير العدل خلال جلسة النظام الداخلي والحصانة داخل البرلمان بتاريخ 2 ماي 2019.

في هذا السياق، اتهم الخبير القانوني والدستوري وعضو المجلس التأسيس السابق، رابح الخرايفي، في تصريح إذاعي، رئيس مجلس الشعب راشد الغنوشي بالتستر على 5 نواب صدرت بحقهم أحكام جزائية باتة من القطب القضائي والمالي برفضه إحالة قائمة هؤلاء النواب على الكتل البرلمانية للنظر في طلبات رفع الحصانة عنهم.

إشكالية الحصانة البرلمانية

تطرح الحصانة البرلمانية العديد من الإشكاليات القانونية أمام العدالة عندما تتقدم النيابة العمومية بمطالب رفع الحصانة عن بعض النواب المتورطين في الغالب في قضايا فساد مالي وجرائم الإنترنت والجرائم المرورية، خصوصا عند تمسكهم بهذه الحصانة لأنه في حالة عدم التمسك بها تسير الإجراءات القضائية بسلاسة ويتم إعلام مكتب رئيس المجلس بذلك. أما إذا اعتصم النائب بحصانته فعندها تدخل عملية المقاضاة في سراديب البرلمان وتصبح مرهونة بمدى جدية وسرعة سير الإجراءات وتفاعل الهياكل البرلمانية الخاصة بهذا الموضوع.

تناقضات دستورية

ينظم الدستور التونسي مسألة الحصانة البرلمانية للنواب داخل مجلس نواب الشعب، وقد أفرد فصلين لذلك وهما الفصل 68 والفصل 69. المشكلة أن هنالك نوع من المفارقة في نصوص الفصلين الدستوريين. إذ ينص الفصل 68 من الدستور على أنه لا يمكن القيام بأي تتبع قضائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب بتهم تتعلق بمهامه النيابية في المجلس سواء كانت آراء أو اقتراحات. وهو ما يفهم منه أن الحصانة البرلمانية مرتبطة أساسا بأعمال النائب داخل المجلس ولا علاقة لها بجرائم الحق العام والجرائم الجزائية التي يرتكبها النائب بعيدا عن مهامه النيابية. في المقابل، يتعارض الفصل 69 مع الفصل السابق بما أنه يقر بحصانة النائب من التتبعات الجزائية وقضايا الحق العام المتعلقة بالفساد المالي وغيرها ما لم يقبل بالإحالة على القضاء. ما يطرح العديد من الإشكاليات حول مدى انسجام نصوص الدستور عند تنفيذ القانون وإشكالية مساواة جميع المواطنين في القضايا الجزائية وقضايا الحق العام سواء كانوا قضاة أو مسؤولين أو مواطنين لا يملكون أية حصانة أو حماية على الإطلاق.

نية مسبقة للإفلات من العقاب؟

فصول الدستور المتعلقة بالحصانة البرلمانية لا تتوقف عند التناقضات الأساسية داخل نصوصها وإنما تصل لحد ضرب مبدأ المساواة أمام القانون. فالنائب في نهاية الأمر هو مواطن له حقوق وعليه واجبات، وعندما يتعلق الأمر بارتكاب جرائم فساد وحق عام فالجميع سواسية أمام القانون، ولا موجب للحصانة والتهرب من العدالة والتمييز مع باقي المواطنين مثلما نفهمه في النقطة المتعلقة بإيقاف النائب في حالة تلبس بجريمة، إذ يقول الفصل 69 من الدستور بأنه يقع في هذه الحالة إعلام رئيس المجلس وينتهي الإيقاف في الحال إذا طالب مكتب المجلس بذلك.

بحسب النظام الداخلي للبرلمان، في الفصل 29 من الباب الرابع، فإن رفع الحصانة يتم على أربعة مراحل، تبدأ بوصول ملف الإحالة الذي تتقدم به النيابة العمومية باسم وزير العدل للمجلس ثم ينظر فيه مكتب رئيس المجلس ويقرر إما إحالته على لجنة النظام الداخلي والحصانة أو رفضه شكلا. وإذا ما تمت إحالته على لجنة الحصانة فإنه يتم استدعاء النائب المعني بطلب رفع الحصانة أو عضو مجلس شعب آخر ينوبه ويتم السماع إليه وإعداد تقرير في ظرف 15 يوما ثم تقديمه لمكتب رئاسة المجلس وبعد أن ينظر فيه مكتب المجلس يقوم بإحالته على الجلسة العامة للتصويت برفع الحصانة أو عدم رفعها.

في جلسة للجنة النظام الداخلي والحصانة، يوم الأربعاء 8 جانفي 2020، دعا أعضاء من المجلس الأعلى للقضاء وبعض أعضاء اللجنة لتنقيح النظام الداخلي للبرلمان وتنقيح مجلة الإجراءات الجزائية في اتجاه تقنين مسألة حصانة النائب وضبطها بمعايير أكثر وضوحا حتى لا يتفصى النائب من مسؤوليته أمام القضاء، فهل تؤخذ هذه الدعوة بجدية وتتحول لمبادرة تشريعية تناقش في جلسة عامة أما أن تقرير الجلسة سيقبر في أرشيف البرلمان ويتواصل إفلات النواب من المحاسبة والعقاب؟