المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

يعج فيلم “الهربة” بالرموز والجمل المفاتيح التي تنم عن كتابة معمقة لا تخلو من التعليقات الطريفة والمواقف الساخرة، وحوار مدروس بين الشخصيتين مبني على إعادة التفكير بل التشكيك أحيانا في الثوابت.  كل الشخصيات في الفيلم، حتى الثانوية منها (رانية القابسي ولسعد بوصبيع)، هاربة إلى عاملة الجنس التي جسدتها نادية بوستة بجرأة وأنوثة استثنائيتين.

هروب من نوع خاص!

يقتحم الخلوة زبون يدعى المستاري، فيختبئ الهارب تحت السرير. مشهد استحضرت فيه مشهدا آخر، رغم المفارقات، بفيلم “Pretty Woman” عندما طلب الزبون قبلة جوبهت بالرفض من قبل عاملة الجنس لإيمانها بأن القبلة خيانة لزوجها… بينما الجنس عمل، فيجيبها الحريف بقوله: دفعت مالا من أجل هذه القبلة!

“تبوسني؟ فاش قام تبوس فيا؟”… في مشهد “الهربة”، تُعكس الآية فيرفض الحريف تقبيل نرجس لأن مبتغاه هو “قضاء الحاجة” كما عبر عنها حسين قريع .مشهد يفتح قوسا عن انعدام التواصل بين الأزواج في العلاقة الجنسية، عن اختصار المرأة النموذجية في الشؤون المنزلية، وعن نظرة المجتمع الدونية لهذه الشريحة من النساء اللاتي رغم ذلك، يهرعون إليها باحثين عن “الشيخة” المفقودة في منازلهم.

مشهد التفاحة

“أنا الكلبة الي نجري في جرتك بش تاكل التفاحة”… في محاكاة لقصة آدم وحواء، تقترح عاملة الجنس تفاحة على الضيف غير المتوقع فيرفض ذلك. لكن مع مرور الوقت واشتداد الجوع وضيق ذات اليد، يستسلم ويقضم التفاحة بنهم. كانت تلك اللقطة حاسمة في الفيلم، متمثلة في الحوار الذي دار بين الشخصيتين، وخروجه إلى الدنيا انطلاقا من تلك اللحظة التي انهارت فيها كل ثوابته.

عندما تتحرك السواكن وتنقلب الآية

“لا يجوز الصلاة في مكان نجس!”، يجيب المتشدد عندما تسأله نرجس إن كان سيقيم صلاته، فتعقب:” أما يجوز تتخبى فيه!”، ثم تعلق عندما يرفض لعب الورق معها بتعلة أن ألعاب الحظ محرمة: “ما تحبش الزهر مالا آش جيبك لهوني؟”. استطاعت عاملة الجنس بذكاء فطري ودهاء أن تعري التناقضات في شخصية المتشدد الديني الذي يستغفر في كل مرة يقع بصره على جسدها لكنه يستسلم في النهاية لمصيدة المتعة المحرمة. “الشيخة إلي حياتي لكل نبيع فيها وما حسيتهاش”، هكذا عبرت المومس عن المتعة غير مدفوعة الأجر التي عاشتها مع المتشدد الذي اهتدى بدوره إلى اكتشاف جسده بممارسة الجنس لأول مرة.

مبادئ أمام الاختبار

“نحب نشوفك”، هذا ما طلبته عاملة الجنس من المتطرف الذي سبق أن أطلقت عليه اسم “لزرڨ” لدمامة لحيته، وهي تقصد بذلك أن ترى وجهه، فتستعمل حيلةً بأن تطلب منه حلق لحيته مقابل أن تجهض جنينها وذلك بطلب منه، رغم أن الدين يحرم ذلك. موقف ينم عن هشاشة الشخصية أمام الخيارات الصعبة.

رغم ضيق المكان، نجح مخرج الفيلم غازي الزغباني في شد المتفرج تسعين دقيقة عبر سلاسة في تحريك الكاميرا، أمنها مدير التصوير محمد المغراوي، والتكثيف من زوايا التصوير وحوار ثري وموسيقى تصويرية متناسقة مع وقع التحركات من تأليف مجموعة أيتما. كما نجح في تبليغ رسالة أن إمكانية التعايش ممكنة وذلك عبر الحوار وحده.