أول امتحان ستواجهه حكومة المشيشي هو امتحان منح الثقة، حيث من المقرر أن يخصص مكتب مجلس النواب اجتماعه يوم غد الثلاثاء لتحديد جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة. وعلى الرّغم من أن جُل الأحزاب والكتل البرلمانية ستعمل على تفادي سقوط حكومة المشيشي خوفا من سيناريو حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، إلّا أن حصول حكومة المشيشي على أغلبية برلمانية مريحة ليس بالأمر الهيّن أو القضية المحسومة. فقد أعلن حزب التيار الديمقراطي خلال اجتماع مجلسه الوطني يوم الأحد الماضي أنّه لن يمنح الثقة لحكومة المشيشي، وعلى الرغم من أن حركة الشعب حليف التيار في الكتلة الديمقراطية قرر دعم حكومة المشيشي والتوجه نحو منحها الثقة، إلا أن للتيار رأي آخر. وذهب القيادي بالتيار ووزير أملاك الدولة في حكومة تصريف الاعمال غازي الشواشي على حسابه في فايسبوك إلى القول بأن سيناريو إعادة الانتخابات أو إجراء انتخابات مبكرة “أفضل من الذهاب في مغامرة حكومة بدون هوية “.
مرفوضة من الجميع لكنها ستمر
وعبّر راشد الغنوشي بدوره عن رفض حزبه (حركة النهضة) لحكومة الكفاءات، وقال أن“الذهاب في حكومة مستقلة مجانب للديموقراطية”، وأنه “مع حكومة سياسية تشكلها الأحزاب”، متوقعا في ذات الوقت أن تحظى “حكومة الضرورة” بثقة البرلمان. وترك الغنوشي الباب مفتوحا على مختلف الفرضيات، بالتأكيد على أن الموقف النهائي للحركة سيحدده مجلس الشورى. وكان ائتلاف الكرامة قد عبر على لسان نائبه يسري الدالي أنه لن يمنح الثقة لهشام المشيشي وحكومته. كما وجّهت قيادات من قلب تونس رسائل مختلفة مفادها أنه كان على المشيشي الذهاب في حكومة سياسية تُشرَّكُ فيها الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. ومن المنطقي أن تذهب أحزاب على غرار النهضة وقلب تونس وكذلك كتل مثل ائتلاف الكرامة والمستقبل إلى عدم منح الثقة لحكومة المشيشي، لكن الخوف من ذهاب الرئيس إلى حل البرلمان في حال سقوط حكومة المشيشي يعتبر سيناريو كارثي بالنسبة لهؤلاء، خاصة لقلب تونس والمستقبل، لذلك فإن حسابات الواقع ستغلب حسابات المنطق. ومهما يكن من تحفظات لدى مختلف الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية على طريقة المشيشي في تشكيل الحكومة، واعتماده على شخصيات غير حزبية ليس لها أي رؤية أو تجربة سياسية، إلا أن منطق المصلحة سيجعل هذه الأطراف تضع تحفظاتها جانبا لتبحث عن التبريرات لابتلاع الكبسولة ومنح الثقة للمشيشي وحكومته، في انتظار التعامل مع مسألة الهضم في ما بعد.
من المنتظر إذن أن يتجاوز المشيشي الامتحان الأول، بالتحصّل على ثقة البرلمان، ولكن بأغلبية غير مريحة، هذا أوّلا. ثانيا، الأحزاب والكتل التي ستمنح الثقة للمشيشي وحكومته، لن تكون في كل الأحوال سنده السياسي، وهي ظاهرة غريبة ونادرة لم تشهدها تونس في السابق، فحكومة مهدي جمعة التي تمت المصادقة عليها في 28 جانفي 2014 والتي كانت حكومة مستقلين بالكامل جاءت على اثر حوار وطني وإجماع من مختلف المكونات السياسية عليها، وكان لديها دعم سياسي واجتماعي.
بلا دعم ولا سند سياسي
الامتحان الثاني الذي سيخوضه المشيشي هو الحصول على الدعم اللازم من الأغلبية البرلمانية من أجل تمرير القوانين الضرورية لتسيير دواليب الدولة. حيث ستواجه الحكومة الجديدة مباشرة، إذا ما تم منحها الثقة، مهمّة إعداد قانون المالية لسنة 2021 في سياق وطني وإقليمي ودولي صعب، نتيجة أزمة اقتصادية خانقة تعيشها كل بلدان العالم بسبب جائحة فيروس كورونا. ودون أغلبية في البرلمان لن يتمكن المشيشي من تمرير القوانين الضرورية لتسيير دواليب الدولة في هذا الوضع الصعب. وفي هذه الحالة سيكون المشيشي مقيّدا وبلا سند سيّما وأنه رفع شعار الإنجاز في مواجهة ما تعيشه البلاد من أزمات على مختلف المستويات و الأصعدة.
الحكومة المقبلة ستكون، شاءت أم أبت، حكومة إدارة الأزمة، ومن الجيد أن تكون حكومة مستقلة غير مرتبطة بالأحزاب السياسية، وذلك بالنظر إلى حالة الصراع والخصام الذي تعيشه الأحزاب السياسية والذي بلغ مستويات في التعامل غير مسبوقة، عطّلت في بعض الأحيان العمل في البرلمان. لذلك فإن وجود حكومة غير مرتبطة بالأحزاب قد تعطيها أكثر مصداقية في إدارة الأزمات المختلفة. في المقابل ستجعل هذه الاستقلالية من هذه الحكومة هدفا لكل مزايدات الأحزاب ومشاحناتها، ويحرمها من الدعم السياسي والبرلماني الضروري الذي يمكنها من الاستمرارية أولا ومن تحقيق النتائج ثانيا.
أزمة اجتماعية في الانتظار
الامتحان الثالث الذي يواجه المشيشي في الفترة القادمة هو إدارة الأزمة الاجتماعية في البلاد بفريق من الإداريين عديمي الخبرة السياسية وقليلي المعرفة بتعقيدات التفاوض مع النقابات والمنظمات المهنية والمجتمع المدني. فقد أكّد المعهد الوطني للإحصاء انكماش الاقتصاد التونسي بنسبة 21.6٪ خلال الثلاثي الثاني من سنة 2020 باحتساب الانزلاق السنوي وبنسبة 20.4٪ مقارنة بالثلاثي الأول من نفس السنة. كما أن معدل البطالة واصل ارتفاعه خلال الثلاثي الثاني ليبلغ 18٪ حيث انخفض عدد السكان النشيطين بـ 161 ألف خلال هذا الثلاثي.
وإضافة لارتفاع معدل البطالة ستواجه الحكومة الجديدة أول لغم اجتماعي وهو قانون تشغيل من طالت بطالتهم أكثر من عشر سنوات. كما ستواجه الحكومة المطالب المشروعة للحد من ارتفاع الأسعار وضعف الطاقة الشرائية ومطالب الزيادة في الأجور، وهو ما يتطلب كفاءات قادرة على التفاوض والاقناع والتواصل لا مجرد اداريين تمت ترقيتهم من رتبة مديرين عامين إلى وزراء. وقد تعمل بعض الأحزاب السياسية التي لا مصلحة لها في أن تكون خارج الحكم على استغلال هذه المصاعب الاقتصادية والاجتماعية للتعجيل برحيل حكومة المشيشي، بعد أخذ الوقت الكافي للاستعداد للانتخابات.
iThere are no comments
Add yours