الأرقام التي تم تسجيلها إلى حد الآن، حوالي 700 إصابة مؤكدة بمرض كوفيد 19 الناتج عن فيروس كورونا المستجد، غير دقيقة وبعيدة كثيرا عن الواقع الذي قد يكون أكثر من الرقم المعلن بعشرة أضعاف. وزارة الصحة والإطار الطبي وشبه الطبي يعرفون جيدا أن عدد الإصابات المسجلة إلى حد الآن يقدّر بالآلاف.
الحقيقة الأولى هي أن الحكومة لا تقوم بالتعتيم على الأرقام الحقيقية، وإنما الأرقام المسجلة هي نتيجة العدد المحدود جدا من التحاليل التي تجرى يوميا، وبالتالي لا تعكس حقيقة الأوضاع. والمعروف أنه كلما ارتفعت التحاليل ارتفع معها عدد الأشخاص المصابين. حيث أسفر الترفيع في عدد التحاليل للعينات المشتبه بها إلى 400 و 500 تحليلا يوميا، خلال الأسبوع الأول من شهر أفريل، عن تسجيل معدل يتراوح بين 30 إلى 40 حالة إصابة مؤكدة يوميا.
في هذا الصدد قالت الأستاذة في الأمراض الجرثومية بقسم الأمراض السارية في مستشفى الرابطة ريم عبد الملك أنه لايمكن الاعتماد على عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا المستجد لمعرفة حقيقة تطوره “باعتبار أن الحالات لمعلن عنها لا يعكس العدد الحقيقي للمصابين بالفيروس خاصة أمام رفض بعض الأشخاص المصابين الإعلان عن مرضهم والتوجه إلى المستشفيات والمراكز المخصصة للغرض.“
عدد الوفيات غير حقيقي؟
الحقيقة الثانية أن عدم معرفتنا بالأرقام الدقيقة لا يتعلق فقط بالمصابين، وإنّما أيضا لعدد المتوفين جرّاء الإصابة بمرض كوفيد19، فالرّقم المسجّل إلى حد الان 25 حالة وفاة بعيد جدا، عن الرقم الحقيقي.
وترى منظمة الصحة العالمية أن التباين الكبير في أعداد الوفيات من دولة إلى أخرى سببه الرئيسي نقص التحاليل المخبرية للمصابين في الكثير من الدول. ولا يمكن الحصول على معدلات دقيقة للوفيات إلا بفحص الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض وكذلك الأشخاص الذين لم تظهر عليهم الأعراض، لتكشف بذلك التحاليل مدى تأثير الوباء على جميع السكان وليس المصابين فقط. الأمر الذي جعل مدير عام منظمة الصحة العالمية يوجه رسالة واضحة إلى جميع دول العالم: ”إن رسالتي لجميع البلدان بسيطة: افحصي وافحصي وافحصي أي شخص تظهر عليه الأعراض وقومي بعزله وتقديم المعالجة له“ (2).
وعلى الرغم من كلفة التحاليل المخبرية الخاصة بتقصي فيروس كورونا، والتي قال عنها وزير الصحة أنها تفوق الـ700د للشخص الواحد، إلا أن الحكومة قالت أنها مستعدة للإنفاق حفاظا على الأرواح، وتم على اثر ذلك فتح مخابر بعدد من الجهات، لكن عدد التحاليل لم يرتفع بشكل نوعي وتراوح بين 600 و 700 تحليل يومي، كما خصص جزء من هذه التحاليل لمرضى قدامى لمعرفة ما إذا كان قد شفوا نهائيا من المرض أم لا، وخصص عدد أخر من التحاليل للإطار الطبي وشبه طبي بسبب أخطاء في حماية الفضاءات الصحية والإطارات الطبية.
آلاف التحاليل في الافق
وقالت الحكومة أنها بصدد الإعداد لإجراء 10 آلاف تحليل لعينات مشتبه بها بالإصابة بالفيروس سيتم بالارتكاز إلى إجراء التقصي الموجه بالمناطق التي تشهد انتشارا سريعا للعدوى. لكنها أشارت الى أن استراتيجية وزارة الصحة في اجراءالتحاليل للعينات تستهدف فقط المخالطين المباشرين للحالات المصابة مؤكدة عدم وجود دواع لأن تشمل التحاليل كل عينات المطالبين بها فيظل احتكام الإستراتيجية المعتمدة من طرف الوزارة على أن تقتصر عملية أخذ العينات على المخالطين المباشرين دون غيرهم طبقا لطاقة الاستيعاب المتوفرة بالمخابر. ووجهت انتقادات إلى وزارة الصحة لطريقة تحديد الأشخاص المعنيين بالتحاليل وكذلك لأن فتح مخابر في الجهات لم يرافقه تكوين للاطارات المشرفة على هذه التحاليل التي تعتمد وسائل حديثة وجديدة بالنسبة للاطار الصحي، وذلك ضمانا لصدقيّة هذه التحاليل.
الحقيقة الثالثة والتي عبّر عنها وزير الصحة عبد اللطيف المكي في الندوة الصحفية صحبة وزير الداخلية، خلال الأسبوع الماضي، أن ”نسبة80 بالمائة من مرضى كوفيد 19 والذين يدخلون قسم الإنعاش في تونس يتوفون وبينهم صغار في السن على خلاف عدد من الدول الأوروبية“، إنها الحقيقة الصادمة والتي يجب التوقف عندها، وهي غياب الجاهزية لإنقاذ المصابين بالمرض والذين يحتاجون للرعاية الصحية بأقسام الإنعاش. والسؤال هو إذا كان هذا حال الجاهزية الصحية في مواجهة الوباء في الوضع العادي، أي في ظل معدل إصابات منتظر ومحدود، فكيف ستكون عليه الحالة إذا انتقلنا إلى فترة الذروة بعشرات الآلاف من المصابين وآلاف ممن يحتاجون العناية المركّزة؟
في تصريح للقناة الوطنية الأولى، قالت ريم عبد الملك أن تضاعف عدد الوفيات والذي بلغ 25حالة وفاة، مقابل 12 حالة وفاة خلال أسبوع، يعد مؤشرا هاما على عدم التزام مجموعة من المواطنين بالإجراءات والتدابير الوقائية التي اعتمدتها الدولة في مكافحة الوباء وبالتالي إمكانية المرور إلى السيناريو الأسوء وهو ما يستوجب الحذر واليقظة حتى لا تتعكر الأمور وتخرج عن السيطرة.
أزمة صحية وأخلاقية
ويخشى الإطار الطبي في تونس أن نصل إلى حالة الذروة لانتشار الفيروس بعشرات الآلاف من الإصابات وآلاف من الحالات التي تستوجب الإقامة بوحدات الإنعاش، وهو ما ينجر عنه انهاك للقطاع الصحي وفوضى في التعامل مع المرضى، وربما هذا ما جعل وزير الداخلية هشام المشيشي يقول خلال الندوة الصحفية المشتركة مع وزير الصحة ”المسألة خطيرة إن لم نعمل جميعا للتصدي لإنتشار الوباء سنخسر كل شيء وسنعيش أزمة أخلاقية ومجتمعية لم تعرف لها تونس سابقة في التاريخ”.
وأمام محدودية التحاليل لتحديد المصابين وعزلهم، وأمام ضعف الاستعدادات الصحية، لم يبق لنا غير الوقاية بالتطبيق الحرفي للحجر الصحي، وذلك لتفادي السيناريو الأسوأ. لكن مع خروج الآلاف من المواطنين الى مراكز البريد للحصول على المنح التي أقرتها الحكومة، بعد أسبوع واحد من الحجر الصحي، خسرت تونس أهم عامل من عوامل مواجهة الوباء. ربّما هذا الوضع هو الذي دفع وزير الصحة إلى عدم تمالك دموعه أمام عدسات المصورين، وقبله نصاف بن علية مديرة المرصد الوطني للامراض المستجدة التي كادت تنفجر باكية وهي تتوسل للمواطنين لملازمة منازلهم واحترام الحجر الصحي العام.
أنا متفق أ ن إستراتيجية و وزارة الصحة فيها نفائس و خاصة التحليل على نطاق واسع.
لكن هناك أمر مهم جدا لم تتطرق إليه: ماهي إمكانيات الوزارة؟
حسب الإمكانيات نحدد الإستراتجية .