اختتمت الجلسة العامة المخصّصة لانتخاب مرشّحي عضويّة المحكمة الدستوريّة أعمالها مساء يوم الأربعاء 14 مارس الجاري دون أن تسفر عن حسم هذا الملفّ الذّي ظلّ يتقدّم ببطء منذ الانتخابات الرئاسيّة التشريعيّة في أكتوبر 2014. روضة الورسيغني، كانت الاسم الوحيد الذّي نال ثلثي الأصوات، لتبقى القائمة منقوصة من ثلاثة أسماء أخرى حتّى يكتمل النصاب المخصّص لمجلس نواب الشعب بانتظار المرور إلى المرحلة الثانية واستكمال تعيين الثمانية الباقين مناصفة من قبل رئيس الجمهوريّة والمجلس الأعلى للقضاء وفق ما تنصّ عليه الفصول 11، 12 و13 من القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلّق بالمحكمة الدستورية.
خلافات حتّى آخر لحظة
منذ المصادقة على القانون الأساسي للمحكمة الدستوريّة في 03 ديسمبر 2015، تحوّلت قبّة باردو إلى العائق الرئيسيّ لاستكمال إنشاء هذه الهيئة القضائيّة الأساسيّة في مسار استكمال الهيئات والمؤسسات الدستوريّة التي أقرّها الدستور الجديد في جانفي 2014. فراغ لم تتمكّن الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة القوانين من ملئه لمحدوديّة صلاحياتها إلى جانب عدد من الإشكاليات المرتبطة بتوازن تشكيلتها. هذا المسار المتلكئ، لم يبلغ نهايته على الرغم من اتفاق رؤساء الكتل النيابيّة يوم الإثنين 12 مارس الجاري، على المرور إلى الجلسة العامة في اليوم الموالي للتصويت على مرشّحي عضويّة المحكمة الدستوريّة وهم؛ العياشي الهمامي، روضة الورسيغني، سناء بن عاشور، سليم اللغماني، زهير بن تنفوس، نجوى الملولي عن صنف المختصين في القانون، وعن غير المختصين في القانون، عبد اللطيف بوعزيزي، وشكري المبخوت. غياب التوافق أعطى صورة شبه مكتملة عن مآل الجلسة العامة في 13 مارس 2018، والتّي انتهت إلى عدم تمكّن أيّ من المرشّحين الثمانية من الحصول على ثلثي الأصوات اللازمة للمصادقة على العضويّة. هذه النتيجة دفعت رؤساء الكتل النيابيّة إلى الاجتماع مرّة أخرى مساء ذلك اليوم وتحديد دورة ثانية يوم الأربعاء 14 مارس 2018، انتهت إلى خلافات جديدة لم تسفر سوى عن المصادقة على روضة الورسيغني عن كتلة نداء تونس بجمعها 150 صوتا وإقرار جلسة عامة ثالثة يوم الأربعاء 21 مارس الجاري لاستكمال الأعضاء الثلاثة المتبقّين.
مسار المحكمة الدستورية: الحسابات السياسيّة فوق الالتزامات الدستوريّة
بدأ مسار تركيز المحكمة الدستورية بخطى متعثّرة منذ البداية، حيث تمّ انتهاك الدستور بتجاوز الآجال القانونيّة الملزمة لتركيز الهيئات القضائيّة الدستورية، رغم أنّ الفصل 148 من باب الأحكام الانتقاليّة ينص على أنه:
يتم في أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية إرساء المجلس الأعلى للقضاء، وفي أجل أقصاه سنة من هذه الانتخابات إرساء المحكمة الدستورية.
في حين لم تتمّ المصادقة على القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلّق بالمحكمة الدستورية إلاّ في 03 ديسمبر 2015 أي بعد الآجال المحدّدة بستّة أسابيع تقريبا.
لم يُسهم إنهاء القانون الأساسي المنظّم لعمل المحكمة الدستوريّة في دفع مسار تركيز هذه الهيئة، بل تمّ ركن هذا الملّف إلى صيف 2017، حيث تمّ فتح باب الترشّحات لدى اللجنة الانتخابيّة في مجلس نوّاب الشعب، ليتمّ قبول دفعة أولى من خمسة مرشّحين في شهر جويلية 2017 وثلاثة آخرين في شهر نوفمبر من نفس السنة ليتمّ إثرها غلق قائمة الترشّحات النهائيّة. وقد أكّد في هذا السياق، أستاذ القانون والعميد السابق لكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس الفاضل موسى أنّ الأحزاب المهيمنة عطّلت مسار الترشّحات بسبب ما وصفه الشروط الإقصائيّة التي تضمّنها القانون الأساسي للمحكمة الدستوريّة والتّي وُضعت استجابة لحسابات سياسيّة بالأساس.
مثّل المرور إلى عمليّة المصادقة على مرشّحي عضويّة المحكمة الإداريّة، أهمّ عائق في مسار تركيز المحكمة الدستوريّة، حيث لم تستطع لجنة التوافقات طيلة الأشهر الأربع الماضية إيجاد أرضية للتفاهم حول عمليّة التصويت والمصادقة على مختلف مرشّحي الكتل النيابيّة. خلاف استمرّ حتّى اللحظات الأخيرة وتجلّى في عجز مجلس نوّاب الشعب عن حسم هذا الملّف والالتجاء إلى جلسة عامّة ثالثة على أمل أن تتمكّن لجنة التوافقات من وضع حدّ للتجاذبات السياسيّة بين مختلف الأطراف السياسيّة.
هذا المسار المتلكئ لتركيز المحكمة الدستوريّة، يعكس ترتيب الأولويّات صلب الجهاز التشريعي للدولة، حيث تمّ القفز على أولويّة استكمال الهيئات الدستوريّة وإخضاع علوية النص القانوني للإرادة السياسيّة وتفاهمات غرفة لجنة التوافقات. هذه المنظومة التوافقيّة في تسيير وإدارة الشأن السياسيّ، والتي يتحكّم فيها الحزبان الحاكمان (حركة النهضة وحزب نداء تونس) خلّفت ردود أفعال معارضة تجلّت مواقف عدد من الأحزاب بعد الفشل في المصادقة على أعضاء المحكمة الدستوريّة على غرار آفاق تونس والجبهة الشعبية، والتي عبّر عنها سابقا عدد من نوّاب مختلف الكتل النيابيّة خلال حوارات سابقة مع نواة.
منظومة التوافق، غير القانونيّة بالأساس، تحوّلت بفعل تفاهمات جماعيّة إلى قناة خلفيّة لتصريف الخلافات السياسيّة بعيدا عن القاعة الرئيسيّة لمجلس نوّاب الشعب. أمّا في قضيّة المحكمة الدستوريّة، فقد صارت هذه الآليّة عائقا رئيسيّا أمام إنهاء ما يُعرف بالمسار الانتقاليّ الذّي ما يزال متواصلا منذ سنة 2011. فقد علت حسابات التوازنات السياسيّة على الدستور الذّي ما يزال عمليّا منقوصا في ظلّ اتفاق الجميع على تعطيل تركيز مختلف الهيئات والمؤسّسات المستقلّة المنبثقة عنه.
iThere are no comments
Add yours