مثّل قانون الماليّة لسنة 2017، أوّل تحدّ لحكومة يوسف الشاهد التي لم تنه حينها أشهرها الستّة في القصبة. اختبار عسير وضع الشاهد وجها لوجه في مواجهة الاتحاد العام التونسي للشغل الذّي رفض تمرير الفصل القاضي بتأجيل صرف الزيادات في الأجور في القطاع العام لسنة 2016، لتصل المواجهة بين الطرفين إلى التلويح بإضراب عام. أزمة استطاع رئيس الحكومة تجاوزها بعد تعدّد الوساطات من قبل رئيس الجمهوريّة والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وإيجاد صيغة مقبولة ومرضية لتقسيط صرف الزيادات المُتّفق عليها.

هذه السنة، يخوض الشاهد اختبارا مماثلا لتمرير مشروع قانون الماليّة للسنة المقبلة، ولكنّه هذه المرّة يواجه أحد أبرز حلفائه وداعميه في وثيقة قرطاج التي انبثقت عنها حكومته في شهر جويليّة من سنة الفارطة. فمنظّمة الأعراف التّي تمثّل نقابة أرباب المؤسّسات الخاصّة، دخلت منذ أواخر شهر سبتمبر الفارط في مواجهة ناعمة في بادئ الأمر ضدّ مشروع ميزانيّة الدولة، لتتصاعد حدّة الخلاف مع بدأ مناقشة هذا المشروع صلب لجنة الماليّة بداية الشهر الجاري.

قلب صفحة الودّ مع حكومة الشاهد

الحكومة التّي أعلنت عن الملامح العامة لمشروعها الجديد، واجهت هذه المرّة معارضة من عديد الأطراف، فإضافة إلى أحزاب المعارضة والاتحاد العام التونسي للشغل، طرح الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة وثيقة تضمّنت مقترحات المنظّمة بخصوص مشروع قانون الماليّة الجديد. وتتمحور أبرز مؤاخذات منظّمة الأعراف حول التوّجه الحكوميّ لإثقال كاهل هذه المؤسسات الخاصّة بالجباية، حيث يركّز مشروع قانون المالية الجديد على تعبئة الموارد الجبائية للخزينة العامة “دون الأخذ بعين الاعتبار سلامة المؤسسات وديمومتها وقدرتها التنافسية”. وقدّ خصّت الوثيقة وجلسات الاستماع لممثّلي منظّمة الأعراف في لجنة الماليّة كلّ من الفصل 47 من مشروع القانون المتعلق بالترفيع في نسبة الضريبة المستوجبة على الأرباح الموزعة إلى 10 بالمائة بدل 5 بالمائة، والفصل 43 المتعلق بالترفيع في نسبة التسبقة المستوجبة على واردات مواد الاستهلاك إلى 15 بالمائة بدل 10 بالمائة، إضافة إلى الفصل 55 المتعلق بإحداث مساهمة اجتماعية تضامنية. كما دعت المنظّمة إلى مراجعة الفصل 29 المتعلق بالرفع في خطايا التأخير في استخلاص الآداءات.

وثيقة المقترحات الصادرة عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، لم تكتف بطرح النقاط المُقلقة بالنسبة إليها في مشروع قانون المالية لسنة 2018، بل عمدت إلى تقديم مقترحات تتماشى ومصالح منخرطيها وأعمالهم على غرار إستثناء المؤسسات الإقتصادية من إجراء الترفيع في معلوم الطابع الجبائي على خدمات الأنترنات الواردة في الفصل 51، وتجميد إحداث نظام جبائي جديد يعوض النظام التقديري ومواصلة تنفيذ الإصلاح الذي وقع إقراره في 2016. كما دعا الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة إلى “الشروع في معالجة عجز المؤسسات العمومية دون خطوط حمراء على عدة مستويات” ليدعو صراحة إلى “خوصصة مؤسسات تنشط في القطاع التنافسي منها شركات التبغ والوقيد وشركة الترصيف والموانئ التي تتسبب في خسارة كبرى للدولة” بحسب تعبيره.

وداد بوشمّاوي، رئيسة منظّمة الأعراف، اتجهت نحو تصعيد المواجهة مع حكومة يوسف الشاهد، لتكثّف من حملاتها الإعلاميّة ضدّ مشروع قانون الماليّة للسنة المقبلة، معتبرة أنّ الحكومة لا تملك أي مشروع استراتيجيّ أو رؤية واضحة لإنقاذ الاقتصاد التونسي، وأنّ منظّمة الأعراف وأرباب المؤسّسات تحمّلوا وحدهم ما يكفي من المسؤوليّة بقبولهم الزيادة في الجباية التي تمّ إقرارها على المؤسسات الخاصّة ب 7.5 بالمائة سنة 2016. في المقابل، حملت تصريحات هذه الأخيرة اتهاما مباشرا للحكومة بالتراخي في مواجهة المسؤولين الحقيقيّين عن تأزّم الوضع الاقتصادي والتراخي في مواجهة التحرّكات النقابيّة والهروب إلى الحلول السهلة بإثقال كاهل المؤسّسات الخاصّة بضرائب وآداءات جديدة، معتبرة أن تمرير القانون بشكله الحالي قد يدفعها للانسحاب من وثيقة قرطاج.

النوّاب والاستحقاق الانتخابي، أسلحة منظّمة الأعراف

الموقف المتشدّد الذي أبدته منظّمة الأعراف، واللهجة التصعيديّة تجاه حكومة يوسف الشاهد، يرتكز بالأساس إلى نقطتي قوة أساسيتين، نابعتين من وعي المنظّمة بثقلها على الساحة السياسيّة وقدرتها على التأثير في المؤسّسة التشريعيّة ودورها في الاستحقاق الانتخابي سنة 2019.

خلال السنوات الأربع الماضية، منذ انطلاق الحوار الوطني، تعاظم دور الاتحاد التونسي للصناعة ليبرز بشكل جليّ خلال التحضيرات للانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة سنة 2014، حيث تحوّل مقرّ الإتحّاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة إلى قبلة لأبرز القيادات السياسيّة الحزبيّة كالباجي قائد السبسي وراشد الغنّوشي وحمّه الهمّامي وكمال مرجان وغيرهم من قادة الأحزاب تحت عنوان المشاورات حول الاستحقاق الانتخابي. ولكنّ النتائج الحقيقيّة لهذه الاجتماعات ما لبثت أن ظهرت مع الإعلان عن القوائم الانتخابية “للأحزاب الكبرى” في تونس والتي شهدت حضورا لافتا لرجال الأعمال على رأس القائمات المترشّحة.

25 رجل أعمال، بنسبة 11% من إجماليّ عدد النوّاب، مثّلت الكتلة النيابية المستترة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والتّي توزّعت بين أحزاب الإئتلاف الحاكم ليستأثر حزب نداء تونس ب 60% من رجال الأعمال يليها حزب آفاق تونس بأربعة نوّاب ثمّ حركة النهضة بثلاثة نوّاب، وتتوزّع باقي المقاعد بين نوّاب التحالف الديمقراطي والاتحاد الوطني الحرّ وحزب المبادرة بنائب لا غير لكلّ منهم. بالإضافة إلى رجل أعمال مستقلّ حزبيّا عن ولاية توزر.

هذا الحضور المؤثّر تحت قبّة قصر باردو، منح منظّمة الأعراف ذراعا قويّة صلب المؤسسّة التشريعيّة، ودورا فعّالا في رعاية مصالح هذه الفئة الاجتماعيّة. هدف لم تخفه رئيسة المنظّمة خلال حفل استقبال نوّاب الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، حيث دعت إلى التمكّن من مختلف اللجان الاقتصاديّة صلب مجلس النوّاب والدفاع عن مصالح رجال الأعمال وضمان  سنّ التشريعات التي تحفظ أعمالهم وتساهم في ازدهارها.

أمّا ورقة الضغط الثانية، فتتمثّل في اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتشريعي سنة 2019. موعد أثبتت التجربة السابقة أنّ لمال رجال الأعمال دور حاسم في تحديد موازين القوى وتدعيم قدرة الأحزاب على الحركة والاستقطاب وتعزيز الرهانات الداخليّة والخارجيّة، خصوصا مع تعارض البرامج والأطروحات الاقتصاديّة لأحزاب الإئتلاف الحاكم مع الطرح الاجتماعي والرؤية الاقتصاديّة لمنظّمة الشغيلة.

هذه المواجهة التي قد تتصاعد مع تقدّم النقاشات داخل مجلس النوّاب، قد تكون مؤشّرا مهمّا على تراجع رهان منظّمة الأعراف على يوسف الشاهد الذّي يواجه للمرّة الأولى خطر انهيار التوافق الهشّ حول حكومته والذّي جَمع بمشروع قانونه معارضة الأضداد.