ظهرت بوادر المشروع –رسميا- عندما أصدر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الأمر عدد 439 لسنة 2007 مؤرخ في 03 مارس 2007، تم بمقتضاه إخراج قطعة أرض بقمرت من الملك العمومي البحري وإدماجها بملك الدولة الخاص (مساحتها 10 هك)، وقد مثل هذا الأمر مقدمة للتفويت في جزء من الملك العمومي البحري للشركة العقارية والسياحية “مارينا قمرت” التي ستتأسس في 26 مارس 2007 برأس مال قيمته 20 مليون دينار.
الملفت للانتباه أن الشركة المذكورة تحصلت على الموافقة ببناء مجمع سكني وسياحي بمنطقة كاب قمرت من طرف بلدية المرسى في 30 أفريل 2007، وذلك قبل شراء قطعة الأرض الذي تم في وقت لاحق، أي في 20 ديسمبر 2008. ومن الملاحظ أن اللجنة الفنية لرخص البناء ببلدية المرسى أعطت الموافقة لشركة “مارينا قمرت” في نفس تاريخ إيداع المطلب (11 أفريل 2007)، ويدل هذا التسريع العجيب بالترخيص في البناء على اتجاه نحو تحقيق منافع غير قانونية ستظهر أثناء الانطلاق في تنفيذ المشروع. (انظر نسخة من القرار البلدي).
⬇︎ PDF
عللت البلدية قرارها البرقي بجملة من الحجج من بينها حصول شركة “مارينا قمرت” على موافقة الديوان الوطني للسياحة بتاريخ 27 فيفري 2007، في حين أن موافقة الديوان كانت بتاريخ 24 ماي 2007 ولم تتضمن ترخيصا ببناء مجمع سكني وإنما نصت على مشروع ميناء ترفيهي وتوابعه: مركز تجاري وفضاءات تنشيطية ومطاعم سياحية. وبمقتضى هذه الموافقة أصبح جائزا التمتع ببعض الامتيازات الجبائية المنصوص عليها في مجلة التشجيع على الاستثمار. (انظر نص الموافقة)
⬇︎ PDF
يظهر من خلال المسار المقلوب والغير قانوني لمشروع المنطقة السياحية بكاب قمرت -الذي سبقت فيه رخصة البناء والحوافز الجبائية شراء الأرض- أن أصحاب الشركة والمتواطئين معهم كانوا يخططون ضمن هدفين رئيسيين:
- تغيير الصبغة السياحية للمشروع ليتحول إلى مشروع عقاري من خلال الحصول على رخصة بناء مجمع سكني من طرف بلدية المرسى.
- التمتع بحوافز الاستثمار السياحي والتسهيلات المالية (قروض) وتوظيفها لاحقا في شراء الأرض وفي تحقيق أرباح إضافية لمشروع سيتخذ في المستقبل صبغة البعث العقاري من خلال تشييد أكثر من 200 منزل وشقّة فخمة.
الانتفاع بامتيازات استثماريّة لمشروع عقّاري
عمليّة “الاستيلاء” على المقسم السياحي في منطقة قمّرت بأوامر رئاسيّة مباشرة، لم تتوقّف عند التلاعب بتواريخ الترخيص قبل شراء الأراضي أو الحصول على رخصة اقامة مشروع سياحي قبل أن تنتقل ملكيّة المقسم من الوكالة العقاريّة السياحيّة (مؤسسّة عمومية تابعة لوزارة السياحة) إلى الشركة العقّارية والسياحية “مارينا قمرّت”. إذ تتواصل الإنتهاكات المسجّلة في هذا الملّف لتشمل تغيير صبغة الاستثمار من “ميناء ترفيهي وتوابعه” كما ينصّ عقد البيع المحرّر في 20 ديسمبر 2008، وشهادة إيداع تصريح باستثمار بتاريخ 24 ماي 2007، إلى “بناء مجمع سكني سياحي” وترفيهي بموافقة بلديّة المرسى في 30 أفريل 2007 (قبل ابرام عقد بيع المقسم).
وتشير الوثائق المرفقة إلى عمليّة التغيير التي طرأت على طبيعة استغلال المقسم، إذ تمّ اسناد شهادة “ايداع تصريح بالاستثمار” عدد 1890، الصادرة بتاريخ 24 ماي 2007 إضافة إلى الموافقة المسبقة التي تحمل نفس التاريخ بعدد 8168 إلى الشركة العقّارية والسياحية “مارينا قمرّت”، على أساس مشروع ميناء ترفيهي وتوابعه (مركز تجاري وفضاءات تنشيطية ومطاعم سياحية…). بل ونصّ عقد البيع بين الشركة المذكورة والمالك الأوّل (الوكالة العقاريّة السياحيّة) في الفصل 5 على أن “تلتزم المشترية الشركة العقارية والسياحية مارينا قمرت باستعمال المبيع لغاية انجاز مشروع ميناء ترفيهي وتوابعه لا غير حسب ما جاء بشهادة ايداع تصريح بالاستثمار المسلمة من الديوان الوطني التونسي للسياحة بتاريخ 24 ماي 2007 تحت عدد 08190”.
⬇︎ PDF
وفي الأثناء، تواصل الانتهاك الصارخ لبنود عقد البيع و”شهادة إيداع تصريح باستثمار” بتجاهل حقّ الدولة في متابعة تقدّم المشروع والتزام المستثمر بصبغته ومقاييسه المتّفق عليها، وذلك في تعارض تامّ مع بقيّة الفصل 5 من كراس الشروط المرفقة بعقد البيع والذّي يمنح الحقّ للبائع في إلغاء العقد في حال مخالفة نصّ الاتفاق؛ “في صورة استعمال مخالف لطبيعة المشروع الموافق عليه وكذلك وفي صورة عدم انجاز المشروع في الآجال …. فإنه يحق للبائعة الوكالة العقارية السياحية طلب تجريد المشترية من حقوقها كليا او جزئيا,,,”
تغيير صبغة المشروع السياحي بشكل غير قانوني، تهدف بالأساس إلى الإنتفاع بالامتيازات الجبائيّة والديوانيّة الواردة في مجلّة التشجيع على الإستثمار.
وفقا لأطوار عمليّة الشراء والحصول على التراخيص من المصالح المعنيّة، تبدو النيّة واضحة للتلاعب بصبغة المقسم، واستغلال المنظومة التشريعيّة لتحفيز الاستثمار قصد جني أكبر قدر من الأرباح. فالصيغة الأوليّة المعتمدة لاقتناء الأرض واستخراج التصريح بالاستثمار والتي تنصّ على الطابع السياحيّ الترفيهيّ للمشروع تمكّن الشركة العقّارية والسياحية “مارينا قمرّت” من الانتفاع بالامتيازات الجبائية المنصوص عليها بالفصول 7 و8 و9 و56 من مجلة التشجيع على الاستثمار والتّي تشمل تخفيض المعاليم الديوانيّة بنسبة 10% وتوقيف العمل بالآداءات والأداء على القيمة المضافة على التجهيزات المستوردة اللازمة للمشروع الاستثماري.
كما مكّنت الصبغة السياحيّة للمشروع المذكور الشركة العقّارية والسياحية “مارينا قمرّت” من اقتناء المقسم البالغ مساحته 21.7 هكتار بمبلغ قدره 8881 مليون دينار، أي ب40.6 دينار للمتر المربّع الواحد في هذه المنطقة السياحيّة التي يفوق السعر المتداول للمتر الواحد فيها في تلك الفترة 800 دينار.
إضافة إلى الميناء الترفيهي، عمدت الشركة المستثمرة إلى إقامة أحياء سكنيّة تتضمّن شققا وفيلات بلغ عددها 200 وحدة تمّ انشاؤها تحت غطاء الصبغة السياحيّة للمشروع، وتمتّعت بالامتيازات المذكورة سابقا من تخفيضات واعفاءات جبائيّة. لتبدأ الشركة العقّاريّة والسياحيّة “مارينا قمرّت” في تسويق هذه المنشآت بأسعار تتراوح بين 600 ألف دينار ومليوني دينار، وفق ما تثبته أحد عقود “الوعد بالبيع” التي تحصّلت عليها نواة.