تحتّ مظلّة وداديّة قدماء البرلمانيين التونسيين، عاد وزير الاتصال سابقا في نظام بن علي، سمير العبيدي ليدخل قصر قرطاج في لقاء جمعه يوم 09 مارس 2017، برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مرفقا بعدد من أعضاء الودادية يتقدّمهم كاتبها العام الأزهر الضيفي.

سمير العبيدي، الذّي اعتاد القفز من معسكر إلى آخر خلال مسيرته السياسيّة، بدء من المعارضة اليسارية خلال الحقبة البورقيبية وانتهاء بتولّيه منصب آخر وزير اتصال في نظام بن علي، لبس جبّة العمل الجمعياتي كمنسّق اللجنة القانونية لوداديّة قدماء البرلمانيين التونسيين ليعيد طرح موضوع “المصالحة الوطنيّة” خلال اجتماعه مع رئيس الجمهوريّة داعيا إلى القفز على ما أسماه “رواسب الماضي” والمضي قدما في إقرار مشروع قانون المصالحة الذّي طرحته رئاسة الجمهورية منذ شهر جويلية 2015 واضطرت لتأجيله بعد موجة الرفض الشعبية.

غطاء جمعياتي لتكثيف الضغط وفرض المصالحة

عقب اللقاء الذّي جمع وفد وداديّة قدماء البرلمانيين التونسيّين برئيس الجمهورية، توّلى سمير العبيدي وزير الاتصال السابق ومنسّق اللجنة القانونية للوداديّة التحدّث عن فحوى اللقاء وهو المتمرّس على الخطابة منذ سنوات الجامعة والناطق باسم نظام بن علي حتّى لحظاته الأخيرة. اذ كان الهدف من الزيارة تكثيف الضغط من أجل إعادة طرح مشروع قانون “المصالحة الوطنيّة” وإنقاذ ما تبقّى من رموز وأعوان النظام السابق المُحاصرين بقضايا الفساد وإستغلال النفوذ.

تعطّل مناقشة مشروع القانون الخاص بتبييض رموز النظام السابق وإنقاذهم من المحاسبة، دفع أصحاب العلاقة للبحث عن قنوات جديدة للضغط على رئاسة الجمهوريّة والكتلة النيابيّة للائتلاف الحاكم في مجلس النوّاب، ليكون المجتمع المدني الغطاء الجديد لتحرّكاتهم ضمن جمعيات ناشطة بالأساس في مجال العدالة الانتقالية والآليات القانونية للمصالحة أو لجان مساندة “المضطهدين السياسيّين”.

على غرار جمعية البرلمانيين التونسيين التي تأسّست منذ سنة 1988، لتضمّ نواب برلمان بن عليّ،  (يرأسها حاليا النائب التجمّعي السابق جمال الدين خماخم) والتي لعبت دورا مهمّا في الدفع قدما نحو إقرار قانون المصالحة الوطنية. إذ شاركت في جلسة لجنة التشريع العام في 28 جويليّة 2016 لمناقشة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، ونظّمت ندوات عامة دعائيّة لصالح مشروع القانون المذكور خلال السنة الفارطة وبحضور ممثّلين عن حزب نداء تونس ومستشارين رئاسيّين، تتجّه اليوم ودادية قدماء البرلمانيين التونسيين إلى قصر قرطاج لتكثيف ضغطها وغلق ملفّات رموز النظام السابق وأدواته والذّي كان سمير العبيدي بالأمس القريب صوتهم الصادح وخطيبهم المُفوّه.

reconciliation nidaa nahdha

سمير العبيدي: مهمّة جديدة لمحترف تغيير المواقع والمواقف

صاحب ادعاء ” تدريب التلاميذ على استعمال الزجاجات الحارقة”، و”اندساس الأطراف الدينيّة واليسارية وسط المتظاهرين لبثّ الفوضى والعنف”، يتحرّك اليوم في مهمّة جديدة ليتصدّر المشهد في جهود إنقاذ رموز نظام بن علي من الملاحقات القضائيّة مستغلاّ غطاء وداديّة قدماء البرلمانيين التونسيّين.

من ساحات الجامعات ومنابر الاتحاد العام لطلبة تونس الذّي تولّى أمانته سنة 1988 عقب المؤتمر 18 الخارق للعادة، انتقل سمير العبيدي من موقع المعارض اليساري لنظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة إلى أحد أدوات نظام بن عليّ الذي استوعبه واستغّل تجربته في الخطابة والعمل السياسيّ لتكييفها لصالحه. وقد تدرّج هذا الأخير في عدد من المناصب الرسمية منذ سنة 1996 تاريخ ترأسه لجنة التعليم والثقافة والشباب في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التونسي، وعضوا في المرصد الوطني للانتخابات الرئاسية والتشريعية، أين كان شاهدا مباشرا على تزييف نسب الاقتراع ونتائج الانتخابات. تفانيه في خدمة نظام بن علي مكّنه سنة 2005 من تولّي منصب سفير تونس لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف ومنظمة التجارة العالمية ومؤتمر نزع السلاح إلى حدود سنة 2008 تاريخ مكافأته بوزارة الشباب والرياضة التي حوّلها إلى منبر دعائيّ لاستقطاب الشباب إلى حزب التجمّع ودمغجة الطلبة وتسخير التظاهرات الرياضيّة للدعاية الحزبيّة.

مع تطوّر نسق وحجم المظاهرات التي انطلقت في 17 ديسمبر 2010، استنجد بن علي بسمير العبيدي في 9 ديسمبر 2010، ليكون وزير الاتصال والناطق الرسمي الجديد والأخير باسم نظامه. هذا الأخير لم يفلح في فرملة تداعي النظام رغم اجتهاده على أكثر من منبر اعلامي في استحضار المعجم اليساري والاشادة بالمطالب المشروعة للفئات الشعبية المنتفضة بغاية استدرار التعاطف وإقناع الناس بوجه مغاير للخطاب الإعلامي الموعود.

تسريع التحرّكات لإنقاذ الرؤوس

رغم تراجع رئاسة الجمهورية عن المضي قدما في مناقشة مشروع قانون المصالحة في مجلس النوّاب دون سحبه، بعد موجة الاعتراض الشعبي في أغلب ولايات البلاد وتصدّي حملة مانيش مسامح للمبادرة الرئاسيّة نهاية صيف 2015. إلاّ أنّ الرئيس أعلن صراحة خلال خطاب عيد الاستقلال سنة 2016، عن إصراره على تمرير مشروع قانون المصالحة “متى كانت الفرصة مواتية لإعادة طرح المبادرة”. إصرار تجلّى في شهر جويليّة من السنة الفارطة أين شهدت لجنة التشريع العام جدلا واسعا حول المشروع ومحاولات تمريره للمصادقة بعد محاولة الحكومة الالتفاف على رغبة الشارع وتمريره في شكل فصل في الميزانيّة العمومية نهاية شهر ديسمبر 2015  لتسقطه لاحقا الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.

الحكم الأخير في 03 مارس الجاري القاضي بسجن كلّ من كاتب الدولة للشباب سابقا كمال حاج ساسي، وزيرة التجهيز سابقا سميرة الحاج خياش ووزير السياحة السابق التيجاني الحداد 6 سنوات مع النفاذ العاجل، سرّع من جهود الضغط والدفع لإعادة طرح مشروع قانون المصالحة لإنقاذ ما تبقى من رموز وأدوات النظام السابق. تحرّك عكسته بيانات عدد من الأحزاب السياسيّة التي استنكرت الحكم على غرار مشروع تونس وحزب المبادرة وحزب نداء تونس وحزب آفاق تونس، إضافة إلى تجنيد عدد من وسائل الإعلام لاستدرار التعاطف مع المُدانين والترويج لضرورة التسريع في طي صفحة الماضي وإقرار قانون مصالحة يعفي مسؤولي النظام السابق من تبعات ممارساتهم. ليكشف النائب عبد العزيز القطّي اليوم عن مبادرة تشريعية لإنقاذ موظّفي الدولة حسب تعبيره الذّين يخضعون للتحقيق. وقد تم إيداع هذه المبادرة التشريعية منذ 09 فيفري الفارط ممضاة من عدد من النواب على رأسهم القطّي وخميّس قسيلة وبشرى بن حميدة.

كما كشفت Maghreb Confidentiel n°1239 لقاء جمع الرئيس الباجي قائد السبسي بمحسن مرزوق في 24 فيفري الفارط، حيث أكّد مؤسس حزب مشروع تونس عن دعمه لمشروع المصالحة الوطنية ليترجم ذلك في بيان الحزب الذّي استنكر الأحكام القضائية بحق وزراء بن عليّ.

وسط هذا النسق التصاعدي للضغط من أجل فرض قانون المصالحة، يطلّ مرّة أخرى وزير الاتصال السابق سمير العبيدي بغطاء جمعياتي وتحت يافطة قدماء البرلمانيين التونسيّين وهو الذّي لم يكن يوما نائبا في برلمان بن علي، محاولا إنقاذ ما تبقّى من “زملاء الأمس”.