mabrouk-korchid

قبل أن تدفع به جمنة إلى صدارة الأحداث، وتكشف كيف جعلت منه السلطة شخصا يعارض الحق في التنمية المكفول في الفصل 12 من الدستور الجديد، من كان يظن أن عروبيا رفع الـ”لاءات“ الثلاث (لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف) منذ 2011 قد يلقي بلاءاته على الأرض وينصر من عاداها، ومن كان يخال أنه سيتخلى يوما عن مقولات طالما كررها قبل أن يجلس على كرسي السلطة؟
مبروك كورشيد أو القومي الذي بكى صالح بن يوسف ورَثاه قبل أن يلتحق بطاولة غريم اليوسفيين الباجي قائد السبسي، ويصبح من أشد المدافعين عنه، بل ويهاجم من أجله رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، انتصارا لمبادرة ”حكومة الوحدة الوطنية“، مطالبا إياه بالاستقالة لأن ذلك ”واجبا أخلاقيا“، قائلا في مقال نشره في موقع الحصاد، الذي يشغل خطة رئيس تحريره، ”إن علاقة الصيد بالباجي هي التي جعلت الأول رئيسا للحكومة لذلك عليه أن لا يخون الثقة التي مُنحت له من قبل رئيس الدولة الباحث عن توحيد القوى الوطنية في حكومة وحدة“.

كورشيد قبل أن تهذبه السلطة

مبروك كورشيد الذي وُلد سنة 1967 بولاية مدنين، غادرها مطرودا من أحد معاهدها الثانوية على خلفية نشاطه التلمذي لينتقل إلى ولاية قبلي أين تحصّل على شهادة الباكالوريا، ثم التحق بكلية الحقوق بسوسة أين تحصل على الأستاذية سنة 1992.
المحامي القومي الذي اعتبر معمر القذّافي مُلهمه الفكري والسياسي، وذهب إلى أن فرنسا ساركوزي خانته لأحقاد شخصية بسبب علاقة جمعت بين العقيد وزوجة الأخير، مهاجما في مقال نشره بموقع الحصاد في 23 جويلية 2015 ”عند انفتاحه على الغرب تصرّف بعنجهية كبيرة مع الفرنسين خاصة، وفى عهدك [ساركوزي] بالذات سَعى إلى إذلالك، فقد غرس وتد خيمته فى حديقة منزلك مرتين، مرة أولى نصب خيمته وزرع وتده أمام كل العالم فى ”الشونزيلزى“ ثم حلب ناقته، ومرة أخرى فى سويداء قلبك المشبع بالحقد ذات ليلة من ليالى طرابلس الغامضة. ويومها حلب بقرتك“ .هكذا كان يعبر كورشيد عن مواقفه السياسية قبل أن تهذبه السلطة.

كورشيد ظل وفيّا للبشير الصيد، عميد المحامين التونسيين السابق إلى حدود سنة 2010، ودافع عنه حينما سحبت مجموعة من المحامين المواليين لنظام بن علي الامتيازات الممنوحة له: السيارة ووصلات البنزين والطابعة…وذلك بعد أن اتخذت العمادة مواقف معادية لنظام بن علي.

كورشيد دافع عن العميد الصيد من موقع التابع والمريد الذي ظن أن دفاعه سيقرّبه أكثر من الصف الأول لعمادة المحامين، التي ترشح عدة مرات لعضويتها، مثلما ترشح دون جدوى لعضوية المجلس التأسيسي في 2011 عن دائرة مدنين وانتخابات 2014 البرلمانية عن ذات الدائرة.

عجز أن يكون نائبا رغم تضخم الوهم داخله. فهو الذي ظن أن نشاطه السياسي منذ أواخر الثمانينات في الفصيل الطلابي للقوميين سيكفيه لنيل السلطة، مثلما كفاه لتقلد مناصب قيادية في حركة الشعب وبات ناطقها الرسمي. وقد لعب دورا في انسحابها من إئتلاف الجبهة الشعبية. وأدى موقف كورشيد إلى التصادم مع شق من القوميين، يتزعمهم الشهيد محمد البراهمي، الذين تمسكوا بخيار الجبهة الشعبية وأسسوا فصيلا جديدا أطلقوا عليه التيار الشعبي.

كورشيد الذي قدّم نفسه كحقوقي يدافع عن المظلومين، دافع أيضا عن البغدادي المحمودي آخر وزير أول لمعمّر القذافي وجاب المؤسسات الإعلامية ليبين براءة موكّله المحمودي، وكيف أن « ثورة الناتو» تريد تصفيته من أجل المال الذي وعدت أطراف ليبية بمنحه لشق من الترويكا، وخصوصا حزب الرئيس المرزوقي، رغم أن هذا الأخير رفض قرار التسليم إلى النظام الليبي الجديد الذي حصل سنة 2012.
في ظل حكم الترويكا، حرص كورشيد على أن لا ترتفع حدة نقده لحركة النهضة واقتصر على اللوم وتحميل ما يحدث لأخطاء فردية. وقرر في 2012 رفع قضية ضد الباجي قائد السبسي متهما إياه بالإشراف على تعذيب اليوسفيين. وبقدرة قادر وقف في أوت 2016 أمام من قال انه قاتل ليؤدي اليمين الدستوري، ككاتب دولة جديد لأملاك الدولة والشؤون العقارية.
جرائم قتل اليوسفيين وتهميش الجنوب نسيها مبروك كورشيد مثلما نسي الكثير من خطاباته، فبعد أن كان مدافعا شرسا عن الجنوب، الذي قال عنه ذات يوم أنه ”منطقة لها استحقاقات فعلية“، بل لم يتردد في التأكيد أنه عانى كثيرا وأن مواطنيه مواطنون كاملو الحقوق وليسوا من درجة ثانية، مثلما دأبت على معاملتهم الأنظمة السياسية منذ الاستقلال.

كورشيد المدافع عن التهريب

في حصة ”ناس نسمة نيوز“ يوم 9 فيفري 2015 أكد كورشيد :

أن الدولة يجب أن تبسط يدها على الجنوب، موش بالقتل، موش باليد الحديدية، يجب أن تُشعر المواطن في الجنوب أن الدولة التي ينتمي إليها قريبة منه. عندما يُهان في تجارته البينية، ما عندوش مورد رزق، يشعر أن الدولة تحاول أن تسهّل عليه، حتى على حسابها في بعض الأحيان، حتى نجد الحلول…

ليخلط عن وعي بين التهريب والتجارة البينية، فهو يجعل من تهريب السلع والبضائع من ليبيا إلي تونس عن طريق الحدود بمثابة تبادل بين دولتين تحت رقابة القانون. انتصاره للمهربين يرتبط بتحذير ضمني مفاده أن الدولة إن لم تسمح بالتهريب فان ”الطبيعة تأبي الفراغ“ حسب قوله.

حينها، كان يرى أن فرض السلطة لا يتم بالقوة وإنما بترسيخ قيم المواطنة واستيعاب أهل الجنوب الغاضبين من تهميش الدولة. نصائح جمّة وجهها المحامي لكنه انقلب عليها يوم بات ملف جمنة بيده، فأعلن أن الدولة ستمارس القوة لتسترد أملاكها. ولم يدّخر جهدا في مهاجمة أهالي جمنة واصفهم بـ”القرامطة واللاوطنيّين“.

رغم أن كورشيد كان الأشد تصعيدا في خطابه من بين أعضاء حكومة الشاهد إزاء قضية جمنة، إلا أن الملف سُحب منه وتمت إحالته إلى وزير الفلاحة سمير الطيب ووزير العلاقات مع مجلس نواب الشعب إياد الدهماني بهدف الوصول إلى حل مع الأهالي.