libertes-tunisie-2015

لم تكن سنة 2015 السنة المثاليّة على مستوى احترام الحقوق والحريات الفرديّة والعامّة. حيث تعدّدت الانتهاكات التي طالت جميع المجالات، بدء بانتهاك الحرمة الجسديّة، مرورا بالحقّ في التظاهر والتعبير، إضافة إلى الإعلام الذّي طالته عصا الحرب على الإرهاب، وصولا للحقّ في الثقافة والإبداع والاجتهاد. خطورة هذه الانتهاكات لا تقتصر على الأذى الملحق بالمتضرّرين، بل تكمن النائبة الحقيقيّة في مسّها من جملة الفصول الدستوريّة التّي نصّت على احترام الدولة وحمايتها لحقوق وحرّيات مواطنيها.

الفصل 37 من الدستور إشاعة

حرية الاجتماع والتظاهر السلميين مضمونة.
الفصل 37 من الدستور التونسي

رغم دسترة حقّ المواطنين في التظاهر السلميّ والاحتجاج، إلاّ أنّ سنة 2015 مثّلت انتكاسة حقيقيّة لهذا الحقّ الدستوريّ بغطاء قانون الطوارئ أو دونه.

الانتهاكات بدأت منذ الأشهر الأولى للسنة المنقضية، حيث جابهت قوّات الأمن التحرّكات الاحتجاجيّة ذات الطابع الاجتماعيّ والاقتصاديّ في عدد من الجهات على غرار مدنين والرديّف وجرجيس ودوز بالعنف والإيقافات.

ووصلت حملات القمع إلى القاء قنابل الغاز داخل البيوت وإقتحام المنازل إضافة إلى تعمّد إهانة الأهالي واستفزاز مشاعرهم سواء عبر الشتم أو الإتيان بممارسات غير أخلاقيّة كما جاء في شهادات بعض سكّان دوز وجرجيس لنواة. كما طالت الاعتداءات تجمّعات نقابيّة وقطاعيّة على غرار ما حدث مع الوقفة الاحتجاجيّة لاتحاد الفلاحين.

سياسة تحريم الشارع أخذ نسقا تصاعديا مع فرض قانون الطوارئ، وهو ما اتضّح جليّا في التعامل الأمنيّ مع موجة التحرّكات التّي شهدتها البلاد تفاعلا مع مشروع المصالحة الاقتصاديّة والسياسيّة الذّي قدّمه رئيس الجمهوريّة، حيث تعرّض النشطاء والمحتجّون إلى القمع والتنكيل في أكثر من ولاية.

قمع الاحتجاجات لم يقتصر على التعامل الآنيّ مع المظاهرات، بل عبر سياسة ترهيب متعمّدة تتمثّل في الإصرار على محاكمة عدد من الشباب الموقوفين إثر تحرّكات احتجاجيّة، إذ تواصلت محاكمات شباب سليانة فيما يعرف بأحداث الرشّ في شهر أفريل الفارط، إضافة إلى شباب سيدي بوزيد وقصيبة المديوني. كما تمّت إحالة محاكمة الشاب مهيب التومي من جرجيس إلى المحاكمة بسبب تدوينة تعود لسنة 2012. نفس هذه التهمة تمّ بموجبها إحالة الناشط الأمين البوعزيزي والتلميذة عفراء بن عزّة على القضاء.

عنف غير شرعي

الحق في الحياة مقدس، لا يجوز المساس به إلاّ في حالات قصوى يضبطها القانون.
الفصل 22 من الدستور التونسي

تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي. ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم. الفصل 23 من الدستور التونسي

إن كانت الدولة هي الجهة الوحيدة المخوّلة لاستخدام العنف، فقد كانت سنة 2015 زاخرة بالأمثلة على استخدام الدولة لعنف غير شرعي وصل حدّ القتل ضدّ مواطنين لم تثبت إدانتهم داخل مراكز الإيقاف أو اثناء عملية الاحتفاظ.

سيف الدين بن عزيزة، عبد الرؤوف كريديس، أكرم الأغا، حمزة البراهمي، محمد خنّوشي، رأفت الرزقي، أيمن بن يونس دراولة، عبد الرحمان الزياني، صابر حرباوي وقيس بن رحومة

بعض من قائمة طويلة من الأسماء التّي ملأت صفحات تقارير المنظّمة التونسيّة لمناهضة التعذيب، منهم من اعتُبر محظوظا ببقائه على قيد الحياة، ومن منهم من لم يسعفه جلاّدوه بفرصة ثانية وأزهقت أرواحهم خلال إيقافهم دون أن يحاسب أحد.

حالات عديدة من التعذيب وانتهاك الحرمة الجسديّة للمواطن، والتي تناولت نواة العديد منها، أثارت في حينها الكثير من الجدل، ولكنّها سرعان ما غُيّبت نظرا للتعاطي الإعلاميّ وفتح الباب أمام المبرّرين والمدافعين عن جواز انتهاك حقّ المواطن الدستوري في المعاملة الإنسانيّة.

قضيّة الحرمة الجسديّة لم تتوقّف عند قضايا التعذيب أو التعنيف خلال الإيقافات، بل شهدت سنة 2015 طرح قضيّتين لطالما بقيتا في الظلّ. القضيّة الأولى تتعلّق بمناقشة قانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 والذّي يتعلق بالمخدرات، حيث أفضت مجهودات نشطاء المجتمع المدني إلى دفع الحكومة لتقديم مقترح جديد يلغي العقوبة السجنيّة خلال الإيقافين الأوليّن بشرط الخضوع إلى العلاج إضافة على الخطيّة الماليّة. حيث اعتبر مشروع القانون الجديد خطوة نحو الأمام، خصوصا مع وضع ضوابط لعمليّة التحليل وما تمثّله من امتهان لكرامة الموقوف شبهة.

أمّا الملفّ الثاني الذّي طرح للنقاش علنا وأثار ردود أفعال متباينة حوله، هو الفصل 230 من المجلّة الجزائيّة المتعلّق بالمثليّة الجنسيّة. القصّة بدأت بإقدام ، ليشرح وجهة نظره ويطالب بإلغاء الفصل 230 الذّي يجرّم مثل تلك العلاقات. رغم عدم حدوث تقدّم يذكر على صعيد هذا الملّف، إلاّ أنّ أنصار هذا الطرح يؤكّدون أنّ النقاش العلني للقانون يعدّ انتصارا وخطوة أولى نحو دفع السياسيّين إلى مناقشة الموضوع جديّا، خصوصا وأنّ طرق الفحص الشرجيّة مثّل إهانة بالغة للكرامة البشرية وانتهاك لحرمة الجسد أكثر من أيّ نوع آخر من الكشوف والتحاليل.

سنة 2015، انتصارات للثقافة البديلة ضدّ الثقافة الانتقائيّة

الحق في الثقافة مضمون.
حريّة الإبداع مضمونة، وتشجّع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعّم الثقافة الوطنية في تأصّلها وتنوّعها وتجدّدها، بما يكرّس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات.
تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه.
الفصل 42 من الدستور التونسي

بعد الطفرة الثقافيّة التي شهدتها البلاد بعد 2011 على الصعيد الثقافيّ، خصوصا بانتشار الفضاءات الثقافيّة البديلة وكسر الطابع النمطي الثقافيّ المرتبط بالفضاءات والبرامج الرسميّة. شهدت سنة 2015 معارك عديدة للتصدّي للجزر وعمليّة تضييق الخناق على تلك الفضاءات الجديدة.

أبرز تلك المعارك تمثّلت في قضيّة فضاء “مسار” الذّي أقرّ حكم قضائيّ بغلقه في بداية شهر مارس، إلاّ أنّ تحرّكات المجتمع المدني والتفاف أهالي منطقة باب العسل حول هذا المكسب الثقافيّ أدّى إلى إعادة فتحه من جديد بحكم قضائيّ جديد نهاية نفس الشهر.

قضيّة فضاء مسار كانت مثالا عن مشاكل المجموعات الثقافيّة الجديدة التي ولدت من رحم الثورة، والتي استطاعت أن تخلق حركية ثقافيّة أشد قربا للشارع وأكثر تماثلا مع المشاكل الحقيقيّة للمواطن، إلاّ أنّ هذه السنة شهدت بعض الانتصارات، حيث لم تمنع العوائق الإداريّة والماديّة الشباب من بعث فضاءات جديدة في العاصمة وفي الجهات بوجه أخصّ. المقهى الثقافيّ “داون تاون” في قفصة ونظيره “ماجيستيك” في بنزرت كانا خير مثال على استمرار مقاومة الثقافة البديلة لمحاولات تضييق الخناق عليها وترسّخ هذا المفهوم الجديد ضمن المشهد الثقافيّ العامّ.

الإعلام في قلب الرحى

حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة
لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.
الفصل 31 من الدستور

تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة.

تسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال.

الفصل 32 من الدستور

من أهمّ المعارك التي شهدتها الساحة الاعلاميّة سنة 2015، تمثّلت فيما يُعرف بحرب توزيع الجرائد التونسيّة بين مسعود الدعداع الذّي يحتكر القطاع منذ عقود وشركة الموزّع التابعة للجامعة التونسيّة لمديري الصحف التي تحاول كسر الاحتكار وتولي مهمّة توزيع المنشورات الصادرة عن المؤسّسات الصحفيّة المنضوية تحتها. حيثيات القضيّة تمثّلت في تعمّد الدعداع منع الشركة الجديدة يوم 12 ماي 2015 من توزيع الجرائد بالعنف واستغلال شبكة علاقاته مع أصحاب الأكشاك ونقاط البيع. النتيجة كانت اختفاء أكثر من ستة عناوين للجرائد الكبرى في تونس عن الأسواق. لكنّ إصرار الشركة الجديدة التابعة للجامعة التونسيّة لمديري الصحف على توزيع جرائدها بنفسها بمساندة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيّين، دفع الدعداع إلى التسليم بالأمر الواقع.

معركة أخرى لا تقلّ أهميّة عن حرب التوزيع ومشكلة الاحتكار، وهي الاعتداءات الأمنية ضدّ الصحفيين كانت سمة مميّزة لسنة 2015، خصوصا مع تتالي التحرّكات الاحتجاجيّة على غرار مانيش مسامح، اين تعرّض عدد من الصحافيّين على غرار صحفيي نواة محمد علي منصالي وأروى بركات إلى الضرب والإيقاف في 30 سبتمبر الفارط، أو محاولة افتكاك كاميرا مصوّر نواة في سوسة أوائل نفس الشهر.

أمّا الحادثة الأكبر فتمثّلت في الاعتداء على الصحفيّين خلال تجمّعهم في موقع العملية الارهابيّة في شارع محمد الخامس يوم 24 نوفمبر 2015. التوتّر ودقّة الموقف حسب وزارة الداخليّة كانت ذريعة في تلك الليلة للاعتداء على أكثر من ثلاثين صحفيا وصل بعضها إلى إحداث كسور بالجسم إضافة إلى الضرب والشتم والإهانات اللفظيّة.

في انتظار الكشف عن العدد النهائيّ للاعتداءات التي طالت الصحفيّين خلال السنة الماضية، لم يتمكّن المهنيّين هذه السنة من حسم معركة تسوية وضعياتهم المهنيّة خصوصا مع تكرار حالات الطرد التعسفيّ على غرار ما حصل مع فريق الحوار التونسي أو قناة حنبعل. وهو ما دفع نقابة الصحفيين التونسيين تنظيم وقفة إحتجاجية أمام مقرّها في الأوّل من شهر أكتوبر الماضي و إعلان إنطلاق حملة تضامنيّة تحت شعار “كلمة واحدة” دفاعا عن الحقوق المهنيّة للصحفيّين ومناهضة كل أشكال التشغيل الهش ضدّ الصحفي من غياب العقود المهنية والتغطية الاجتماعية والأجور الهشة المخالفة للقانون.