فوجئ الرأي العام التونسي مؤخرا بعرض حكومة الصيد لمشروع قانون جديد على مجلس نواب الشعب لمناقشته والمصادقة عليه تحت عنوان” زجر الإعتداء على القوّات المسلحة“. ويهدف هذا القانون حسب الفصل الأول منه إلى «حماية أعوان القوات المسلحة من الإعتداءات التي تهدد سلامتهم وحياتهم وذلك ضمانا لاستقرار المجتمع بأسره. كما يهدف هذا القانون إلى زجر الإعتداء على المقرات والمنشآت والتجهيزات الموضوعة تحت تصرفهم أو حمايتهم أو رقابتهم وإلى زجر الإعتداء على أسرار الأمن الوطني».
وكانت حكومة علي العريض قد تقدمت خلال شهر جوان 2013 للمجلس التأسيسي بمشروع قانون “تجريم الإعتداء على الأمنيين ومقراتهم الأمنية”. ورغم مناقشة هذا القانون باللجان المختصة إلاّ أنه لم يتم تمريره وسقط على إثر معارضة واسعة من حقوقيين وسياسيين اعتبروا هذا القانون “مهزلة” الهدف منها تضييق الحريات والحد من الإحتجاجات الشعبية ضد الترويكا.
نفخ الروح في قانون علي العريض وحكومته مع تغيير بعض الفصول جاء حسب تصريح إعلامي للنقابي الأمني الصحبي الجويني على إثر سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الأمنيين بسبب المواجهات الشعبية أو بسبب الإرهاب مما حتم خلق منظومة قانونية تشدد الحماية خصوصا لفئة القوات المسلحة للحد من الإعتداءات التي يواجهونها. الجويني أكد أيضا أن النسخة الجديدة من هذا القانون تم إعدادها من طرف شخصيات وطنية آزرت حكومة الصيد في مهمتها لإنجاز هذا المشروع في انتظار أن يتم تنقيحه والمصادقة عليه بمجلس نواب الشعب. غير أن تبريرات الجويني وغيره من المنتمين للنقابات الأمنية لم تكن مقنعة لدى التونسيين ومن بينهم حقوقيين وسياسيين الذين رأى بعضهم ضرورة التخلي نهائيا عن هذا القانون في حين رأى آخرون حتمية تنقيحه وتغيير أغلب ما جاء فيه من أحكام رأوا أنها جائرة وزجرية ومبالغ فيها.
مشروع قانون مخالف للدستور
يحمل مشروع قانون “زجر الإعتداء على القوات المسلحة” في طياته جملة من الفصول التي تتعارض مع ما جاء في دستور تونس الجديد من مساواة بين جميع المواطنين وحماية للحقوق والحريات والحق في الحياة. وسنقدم في ما يلي مقارنة بين بعض هذه الفصول وبعض فصول الدستور ما يثبت هذا التعارض غير المبرّر سوى برغبة بعض الأطراف في فرض نظام بوليسي يسعى التونسيون للتخلص منه.
تهديد المساواة بين المواطنين التونسيين
يساوي الدستور التونسي بين جميع التونسيين والتونسيات في الحقوق والواجبات دون أي تمييز وذلك حسب الفصل 21 الذي ينص على التالي:
المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم.
من جهة أخرى يمنح مشروع قانون زجر الإعتداء على القوات المسلّحة عائلات هذه الفئة الأمنية امتيازات خاصة دون التنصيص على أية استثناءات كما جاء الفصل الثالث من هذا القانون:
تتولى الدولة حماية الأعوان المشار إليهم بالفصل الأول من هذا القانون من الاعتداءات والتهديدات التي يتعرضون لها أثناء مباشرتهم لوظيفتهم أو بمناسبتها.كما تتولى حماية محال سكناهم ووسائل تنقلهم من الاعتداءات إما بسبب أدائهم لمهامهم أو لمجرد صفتهم وتنسحب هذه الحماية على أزواجهم وأصولهم وأبنائهم ومن هم في كفالتهم قانونا.
المس من الحق في الحياة
يمنح الدستور الحق في الحياة والحرمة الجسدية لجميع التونسيين حسب الفصلين 22 و23 منه:
الحق في الحياة مقدس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون. الفصل 22
تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي. الفصل 23
في المقابل يمنح مشروع قانون زجر الإعتداء على الأمنيين الحصانة القانونية لرجل الأمن الذي تسبب في إطار عمله في إصابة أو قتل أحد المواطنين وذلك بإعفائه من أية مسؤولية جزائية من خلال فصل مقتضب يتضمن عبارات فضفاضة يمكن للمعنيين استعمالها للدفاع عن أنفسهم في صورة قيامهم بجرائم لا علاقة لها بالدفاع عن النفس. وجاء هذا التنصيص في الفصل 18 من هذا المشروع.
لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب، عند دفعه لأحد الاعتداءات التي تتكون منها الجرائم المنصوص عليها بالفصول 13 و14 و16 من هذا القانون، في إصابة المعتدي أو في موته، إذا كان هذا الفعل ضروريا لبلوغ الهدف المشروع المطلوب تحقيقه حماية للأرواح أو الممتلكات، وكانت الوسائل المستخدمة هي الوحيدة الكفيلة برد الاعتداء وكان الرد متناسبا مع خطورته. الفصل 18
ضرب حرية الإعلام والنفاذ إلى المعلومة
يضمن الدستور حرية الفكر والنشر والإعلام والنفاذ إلى المعلومة حسب الفصول الآتية:
حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة.
لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.الفصل 31
تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة.
تسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال.
الفصل 32
ويستعرض مشروع قانون زجر الإعتداء على الأمنيين جملة من الإجراءات التي من شأنها أن تحد من هذه الحقوق بهدف تقييد الإعلاميين ومنعهم من أداء مهامهم بغلق كل الأبواب التي تؤدي إلى المعلومات الأمنية والعسكرية بمنحها طابع السرية إضافة إلى التأكيد على المنشآت الأمنية والعسكرية كمناطق مغلقة. وفي ما يلي بعض هذه الفصول:
يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل شخص له الصفة في استعمال أو مسك أو تداول أو حفظ سر من أسرار الأمن الوطني على معنى الفصل 4 من هذا القانون، تعمد حسب الحال إما اختلاسه أو إتلافه أو إفشاءه أو تغييره بأي وجه كان ومهما كانت الوسيلة أو مكن الغير عمدا أو عن تقصير من النفاذ إليه أو إتلافه أو الاستيلاء عليه أو اختلاسه أو نسخه بأي وجه كان ومهما كانت الوسيلة.الفصل 5
يخضع لترخيص مسبق من السلطة المختصة كل استعمال لآلات التصوير والتصوير السينمائي والأجهزة الهاتفية وآلات التسجيل وأجهزة الاستقبال الإذاعي أو التلفزي داخل المنشآت الأمنية أو العسكرية أو في مواقع العمليات الأمنية أو العسكرية أو بالعربات أو على متن الوحدات البحرية أو الجوية التابعة للقوات المسلحة.
كما يخضع لترخيص مسبق من السلطة المختصة كل نشر أو إحالة للأفلام أو الصور أو التسجيلات المصورة أو الصوتية التي تتم داخل المنشآت الأمنية أو العسكرية أو في مواقع العمليات الأمنية أو العسكرية أو بالعربات أو على متن الوحدات البحرية أو الجوية التابعة للقوات المسلحة.الفصل 7
ولئن عبر عديد التونسيين من حقوقيين ومواطنين وسياسيين عن شديد استغرابهم من قيام معدي مشروع هذا القانون بخصوص تجرّئهم على اختراق فصول من الدستور تحمي الحقوق والحريات والحرمة الجسدية، فإن في هذا الدستور ما يمكنه أن يفسر هذه الجرأة وهذه القدرة على الغلو في تحديد العقوبات. فبالرغم من أن الدستور قد ضمن في المطلق هذه الحريات جميعا إلا أنه عاد في الفصل 49 منه ليحد من هذه الحريات بدواع أهمها في هذا المقام “مقتضيات الأمن العام.” وينص هذا الفصل على الآتي:
يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلّا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفّل الهيئات القضائية بـحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك. الفصل 49
تشديد كارثي للعقوبات في مشروع قانون مرفوض
تناولت المواقع الإجتماعية بالسخرية ما جاء في قانون زجر الإعتداء على الأمنيين من مبالغة في وضع العقوبات التي تصل إلى حد السجن عشرة سنوات أو حتى مدى الحياة مقارنة ببعض التهم التي تعتبر غير خطيرة كالإعتداء على عربة أو سيارة رجل الأمن أو التهديد دون الفعل أو غيرها من الجرائم. ومن بين هذه العقوبات نذكر:
● يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل شخص ليست له صفة في مسك أو استعمال أو تداول سر من أسرار الأمن الوطني.
● يعاقب بالسجن بقية العمر كل من تعمد حرق أو هدم مقر أسلحة أو حرق أو تحطيم عربة أو آلية تابعة للقوات المسلحة.
● يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة وعشرون ألف دينار كل من هدد بارتكاب جناية أو جنحة في حق عون من الأعوان…
● يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من تعمد تحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام.
هذه العقوبات التي رأى البعض أنها مشطة إضافة إلى غموض بعض العبارات الهامة يمكن أن يؤدّي تفسيرها بطرق مختلفة إلى كوارث قضائية ومن الممكن استعمالها للتشفي من خصوم سياسيين أو من مواطنين أبرياء. رئيسة المركز الدولي للاستراتيجيات الأمنية والعسكرية بدرة قعلول أكدت في تصريحات إعلامية مختلفة أن
هذا القانون إضافة إلى عدم ارتقائه مع ما جاء في الدستور، من شأنه أن يخلق حالة من الصراع بين المواطن والأمني ينتج عنها تهديد للأمن العامّ والسلم الإجتماعي. كما أن التعجيل في طرح هذا المشروع على مجلس نواب الشعب الذي لم ينه بعد النظر في قانون المجلس الأعلى للقضاء وقانون الإرهاب هو إجراء يطرح عديد الأسئلة.
نواة حاولت رصد رأي حزبي نداء تونس وحركة النهضة بخصوص هذا القانون باعتبار تحالفهما لتشكيل حكومة الصيد وحصولهما على الأغلبية في مجلس نواب الشعب. النائب بالبرلمان عن حركة النهضة أحمد المشرقي أكد أن كتلة حركة النهضة النيابية ومن ورائها الحزب لا تختلف في رأيها عن بقية مكونات الشعب التونسي الرافض لهذا القانون بصيغته الحالية موضحا أن حرص الحزب على حماية الأمنيين خصوصا مع ما تمر به البلاد من أحداث يتساوى مع حرصها على احترام الدستور والحقوق والحريات التي عملت على تضمينها بالدستور.
من جهته أكد النائب عن نداء تونس محمود الطرودي أن حزبه لا علاقة له بهذا المشروع وأنه كان نتيجة مشاورات داخلية لحكومة الحبيب الصيد التي تضم عديد الأحزاب والكفاءات الوطنية. كما أضاف الطرودي أنّه :
بعد عرض مشروع هذا القانون على اللجان المعنية سيتم الإستماع إلى حقوقيين وخبراء وسياسيين ولن يتم تمرير هذا المشروع في صورة حمله لأي تهديد للحقوق والحريات. وبالتالي فإن إمكانية تنقيحه بطريقة فعالة ممكنة كما إمكانية إسقاطه وإعادته إلى حكومة الصيد ممكنة أيضا مع وجود فرضية ثالثة وهي تضمين بعض فصول هذا المشروع ضمن قانون الإرهاب الذي يحتوي بدوره بابا خاصا بآليات حماية الأمنيين.
النائب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية عبّر لنواة عن رفض كتلته النيابية لهذا المشروع رفضا قاطعا معتبرا إياه بابا جديدا من أبواب عودة النظام البوليسي القمعي. هذا مع تأكيده على ضرورة إيجاد صيغ قانونية معقولة ومقبولة لحماية الأمنيين من التهديدات التي تلحقهم أثناء قيامهم بمهامهم الوطنية.
عزيزتي الكربولة اللطيفة، إنّ شعبنا “المسلم ولا يستسلم، الرافع للتحديات أبدا” يعشق الاستعباد، يحبّ الإهانة والتعذيب ولا يهتم للحقوق أو الحريات، فهي أصلا لا تعنى له أي شيء! فلماذا إذن التأسّف على خرق الدستور/الخرقة؟ أليس هذا الشعب المتخلف هو من سلّم السلطة عن طواعية وبفخر واعتزاز، لمافيات التجمّع والخوانجية ولوبيات الفساد والاستبداد؟ الديمقراطية تقتضي احترام خيار الشعب، وعليه لا يجوز أساسا انتقاد هذا القانون القمعي والسالب للحريات بإرادة شعبية! يحيا التجمّع. يحيا الخوانجية. يحيا الفاسدون والمرتشون. يحيا القتلة والجلادون، ويسقط شعب القردة والخنازير
دولة_الاستبداد_والفساد_باقية_وتتمدد
الجماهيرية_التجمعية_الإسلاموية_البوليسية_العظمى
شعب_القردة_والخنازير
كما_تكونون_يُولّى_عليكم
سكّرلي_البرنامج_سي_عناء