ليس من الصعب اليوم استشعار من سيكون الضحية و من سيصبح الجلاد. فالوضع في أقصى حالاته لن يتجاوز مجرد تبادل أدوار و لو أن الصراع لم يحسم حاليا على حساب النظام القديم. فالنظام القديم في بنيته الأساسية باق في كل الأحوال مادامت العدالة غائبة و لن تتجاوز نتيجة الصراع القائم حاليا تحديد الوجوه التي ستتصدر السلطة في حالة الإستتباب.
لقد رحل بن علي و قوضت دائرة النهب القريبة المحيطة به، لا شك في ذلك و لكن منظومة الإستبداد أعمق جذورا من نظامه و أشد إستحكاما من حكمه. عصية عن الإستئصال. و نحن التونسيون في تركيبتنا الذهنية الأزلية ندين بالموالات لكل غالب و الناس على دين ملوكهم و في الغالب بمجرد النفاق وقلة نادرة فينا تنتصر دوما للمبادئ و تتحدى كل التجاوزات. لذلك كانت الثورة الحقيقية أن ندرك سرعة تلوننا و نبدأ الثورة على ما درن علينا من موروث عقليتنا.
“الدولة ظالمة” بهذه العبارة تختزل ذاكرتنا الشعبية العلاقة بين الحاكم و المحكوم. و كيف لها أن لا تكون إلا كذلك و هي لم تكن أبدا غير ذلك. نحن لا نفرق بين الدولة و النظام القائم، لأننا نعرف أن من يملك السلطة يملك الدولة بجندها و بوليسها و حكامها و أعوانها و إعلامها و أموالها. و بمجرد سقوط طاغية تتحول كل هذه الأجهزة للبحث عن مخدوم جديد لأنها لم تكن أبدا مؤسسات و لا في غير خدمة أصحاب السطوة و الجاه.
و عندما تضعف الدولة و تلوح بوادر إنهيارها يشعر بذلك أعوانها بقدر ما يستشعره ضحاياها. لذلك ينتفض محكوميها ويحاولون إغتصابها كل قدر جهده و بقدر المستطاع لأنهم لا يتأملون منها شيئا عندما تستعيد قوتها و تنظم أجهزتها سوى إعادة التنكيل و النهب من جديد ضمن علاقة القهر و الإستعداء الأزلية القائمة.
لذلك عندما نحلم بدولة العدل و الحرية إنما نحلم بعالم جديد و يسرح بنا الخيال بعيدا بعيدا في طوباويته المغرقة في مكبوت أحلامنا. إن كل ما يذكرنا بالعهد البائد يوقظنا بعنف من هذا الحلم الجميل و عندما نستيقظ على نهب السلطة و السعي المحموم للسيطرة عليها و على كل مفاصلها نعلم أن السلطة ليست هدفا في حد ذاتها، لقد خبرنا ذلك مرارا و تكرارا كلهم بدؤوا مبشرين ومصلحين و لم تتغير النتيجة، كل من نهب السلطة سينهب الوطن. لذلك ندرك أننا في وضع حرية مؤقتة في ضل دولة ظالمة.
لقد فشلتم… هذا إن صدقنا حسن نيتكم عندما كان يجمعنا النضال المشترك ضد دولة الإستبداد و الفساد. إن فجر الإنعتاق و الحرية الذي لاح متاحا في وجه شعبنا يوم 14 جانفي كفرصة فريدة و كأنها ليلة القدر تكاد تكون الأولى منذ أكثر منذ ثلاثة آلاف سنة تلوح اليوم ملبدة بالغيوم مهددة بالتحديات تكاد تخبو روحها و تفقد جذوة الإيمان بها.
لقد فشلتم… إذا كنتم تعتقدون بما ظهر من ممارساتكم على مدى الحولين الماضيين و ما أرسته من علاقة مع مجموع شعبكم ستنتصرون وحدكم على منظومة الإستبداد التي استردت أنفاسها و استجمعت قواها و استعدت لمواجهتكم.
سوف لن يجدي نفعا تغيير وزير بوزير و لا حتى كل حكومتكم، أنتم تهرولون لبيعة جديدة لأنكم تريدون السلطة و السلطة في أيديكم و تنسون أن الثورة قامت لإعادة تأسيس الدولة حتى يصبح تولي السلطة سيان أيا من كان بتمكن الشعب من آليات السيطرة على حاكميه.
تريدون السلطة و نريد العدل و لن تكون نهاية العالم أن تتغلب السلطة على العدل مرة أخرى لأن العدل سيضل في النهاية الهدف الأعلى و الأمل المنشود و حلم الأجيال اللاحقة كما كان حلمنا و حلم آبائنا و أجدادنا و من سبقهم من أسلافنا بقدر إدراكنا و إدراكهم أن لا ضمان لحرية بدون عدالة و أن لا شرعية بدون انتصار لقضايا المظلومين و المحرومين لاسترداد حقوقهم و كرامتهم الوطنية.
قد تقولوا ماذا يقول هذا فهذا ما نقول. أكتبوا دستوركم فصلوا سطوره وفصوله بقدر ما تسمح به عبقرية بيانكم ثم تسائلوا من أنتم لعلكم كنتم منا و كنا منكم و لكننا لحد الآن لا نكاد نعرفكم.
المختار اليحياوي
تونس في 26 ديسمبر 2012
توّة فاق بيها ثورة بلا عدالة؟؟؟ وين كان في غيبوبة أم أم هي مجرّد غفوة؟؟؟
الجميع يلقي بالمسؤولية على الجميع وكأن الحل الحلم في يد هذا الآخروحده والحقيقة ان الحلول في ايدينا كلنا هي مسؤوليتنا جميعا ،الراي العام القوي هوأحدى الضمانات لتحقيق العدل والسلطة اي سلطة تنصاع إذا وجدته كذلك فلا تلقي المنديل سيدي الرئيس وقدم لنا مفاتيح حلول لتحقيق العدل ولاتتخلى عن دورك في الدولة في الحياة بذلك نضمن ان يرى ابناؤنا العدل