بسم الله الر حمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

بقلم عبد الحميد الحمدي / الدنمارك

قبل عدة أشهر عندما أثيرت مسألة تدنيس القرآن الكريم في معتقلات غوانتنامو سيئة الذكر، هب الإعلاميون والسياسيون الأمريكيون من ذوي الأقلام والعقول النيرة للتنديد بما حصل والتبرؤ منه، لا بل ومتابعة كل من تثبت إدانته بهذا الفعل الشنيع الذي يمس بعقيدة ملايين البشر ويهدد مستقبل الحوار بين الثقافات والحضارات الذي ينادي إليه الجميع. ومع أنني أفهم كغيري من المتابعين الأبعاد السياسية والإعلامية لتلك الضجة إلا أنني لا أستطيع إلا أن أحترم كل من ندد بذلك تماما مثلما يندد غالب المسلمين بالأعمال الإرهابية المتهورة التي ترتكب هنا وهناك باسم الإسلام وهو منها براء.

ومع أن إقدام جنود أمريكيين على مثل تلك العملية البشعة في زنزانات غوانتنامو كان أمرا مفهوما ليس فقط لاختلاف الثقافات بل ولربما لجهل أولئك الجنود بمكانة المصحف عند المسلمين فإن ما أثار الاستغراب في الأيام الأخيرة ما اقترفه سجان عربي في بلد إسلامي عريق يحتضن أحد أبرز قلاع الثقافة الإسلامية وأكثرها إشعاعا في التاريخ الإسلامي لشمال إفريقيا، وأقصد هنا ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام العربية والدولية وأكدته منظمات مدنية وحقوقية في تونس عن إقدام سجان تونسي على ضرب معتقل رأي بالمصحف ثم ركل المصحف بقدمه، ولم يتبع ذلك اعتذار رسمي من الحكومة التونسية ولا متابعة قانونية لشخص لم يتعد على حرية شخص بل على عقيدة التونسيين.

لقد أصبح مفهوم الوطنية زئبقيا إلى حد كبير في ظل ثورة الإتصالات وانتقال العالم إلى قرية عالمية كونية حتى أنه إذا اشتكى عضو منه في البصرة أو سامراء أو حديثة , قامت له المظاهرات المؤيدة في نيورك ولندن وكوالالمبور. مع ذلك يبقى الإنتماء للوطن بفهومه الجغرافي يحمل كثيرا من المعاني والقيم التي يتصل بعضها بالشخصية والهوية الوطنية لا بل إن بعض الآثار تربط بين الإيمان وحب الأوطان. ووفقا لهذا المفهوم نمييز عادة بين الكتاب والمفكرين والدعاة والحزبيين , على حسب انتماءاتهم الجغرافية , أو الوطنية , ونعد كل متجاهل لثوابت الأغلبية من المواطنين , أومعاد لقضاياهم بالمتواطئ أو المتعالي , وأحيانا إذاوقف ضد هذه المصالح , نصفه بالخيانة الوطنية.

من هذا المدخل يؤلمني ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من تدنيس للمصحف الشريف في بلاد الزيتونة والقيروان والذي زاد ألمي , الكيفية التي تعاملت بها الحكومة التونسية مع هذا الحدث العظيم , عوضا أن تستنكر هذا الفعل الإجرامي وتعد المسلمين عامة وأبناء تونس خاصة بتحقيق فوري في الأمر على الأقل تأسيا بأمريكا حين أشيع تدنيس المصحف في سجن غونتنامو لكن مع الأسف الشديد سارعت كعادتها بالتكذيب والإنكار , وأبشع من الحكومة صمت القبور لبعض أحزاب المعارضة , التي تقوم ولا تقعد لمجرد أن عونا أمنيا ضرب أحد الرفاق أو الرفيقات بصفعة كف , وكأن الرفاق أكثر حرمة من كتاب الله العزيز , أنا هنا لا أبرر للأمن سلوكه الفاجر بضرب أصحاب الرأي من بني البشر, وإنما أنبه هؤلاء لمسؤولياتهم , وأنتقد تعاملهم ومعاييرهم مع كل ما له صلة بالدين سواء تعلق الأمر بالقرآن الكريم أو بحجاب المرأة التونسية أو بالتعليم الديني , أين الهمامي والشابي وبولحية ومواعدة وبن جعفر وبن سدرين والنصراوي وأم زياد والطالبي وغيرهم من كل هذا , هل هذه الإنتهاكات لا تهمهم ؟؟

لقد بلغ الأمر مرحلة من الخطورة لم يعد من الممكن الوقوف فيه على الربوة والصمت ومتابعة المشهد من بعد، ذلك أن تاريخ العالم ومنه تاريخ تونس الحديث يكتب بنضالات أبنائه وتضحيات نخبه التي لا ينسى. وعليه فإن النظر إلى القضايا الحقوقية والقانونية وخصوصا ذات الصلة بالشأن الديني المقدس لا تحتمل الصمت ولا تقبل الإنصات لما يفعله المتهورون والمعادون للثقافة الإسلامية منهجا وعقيدة وهوية.
مرة أخرى أوجه ندائي لسيادة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي المسؤول وحده أمام الله على هذه الانتهاكات التي يتعرض لها القرآن الكريم بأن يوجه بالتحقيق في هذه المسألة الخطيرة وأن يأمر بغلق هذا السجن السيئ الصيت “برج الرومي” ويطلق محابيسه من أصحاب الرأي المغاير الذين لم يثبت أنهم استخدموا السلاح ضد أحد.

أما دعوتى لنخبتنا المحروسة المناضلة المرابطة من أجل حماية الحريات النقابية والإعلامية والمدنية أن يتقوا الله في كتابه فعنده يجتمع الخصوم ” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ” , “ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا”
صدق الله العظيم