بسم الله الرحمان الرحيم

الأستــــــاذ فتحـــي نصـــــــري

maitre_nasri@yahoo.fr


وجـود صحافة حرة بدون حكومة أفضل من وجود حكومة بدون صحافة حرة”؟ ”

جرم كبير ما اقترفته زبانية النظام التونسي في حق ما لا يصح ايمان المرء الا بالايمان بــه وهو كتاب الله ، جرم فضيع اقترفته أحذية اختزلت عقلية استبدادية وصلت أعلى مراتبها لتتطاول على كتاب مضى فيه أمر الله بالحفظ من كل دنس ، وهو دلالة رمزية لثقافة وعقلية الاستعلاء قبل أن تكون نوعا من التعذيب النفسي للمساجين ، وتحقيرا لمقدسات الشعب التونسي وكل المسلمين

وبحكم خصوصية مسرح الجريمة وهو سجن برج الرومي ، وخصوصية أطراف القضية
سجين وسجان ، وخصوصية شهود الجريمة موظفين مغلوبين على أمرهم , وخصوصية جسم الجريمة أقدس المقدسات القرآن الكريم ، وخصوصيةالجريمة في حد ذاتها باعتبارها تتجاوز أسوار السجن ، وتتجاوز أطرافها المباشرين لتمس الضمير الجمعي للأمة الاسلامية قاطبة ، بحكم كل هذه الخصوصيات كان لا بـد للقضية أن تأخذ حجمـــها الحقيقـــي رغـــم محاولات سحرة فرعون التشكيك في وقوعها
وكعادته لم يتوان النظام التونسي في تحريك عرائس الصحافة والأقلام المأجورة والصحف الصفراء , لتدشين حملة مسعورة ضد الرابطة التونسية لحقوق الانسان ، ونعتها بمغازلة المتطرفين ، وتنفث سمومها في اتجاه المعارضة الوطنية وتصفها بالموالين للخارج ، ولم تسلم حتى القنوات الفضائية التي أذاعت الخبر مثل قناة الجزيرة لتصفها بالفضائيات المشبوهة …؟ مما يطرح سؤالا مهما حول الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام الرسمية في تونس ، وعلاقتها بأخطبوط السلطة والمال ؟

فقد لا يختلف اثنان في كون علاقة وسائل الاعلام الرسمــي بالنظام التونسي هــي علاقــة تواطىء وشراكة ومعاشرة وافتتان وولاء ، مما غيب عنها صفة السلطة الرابعــة في ظــل تغول السلطة التنفيذية بما هي السلطة الوحيدة القائمة والمطلقة ، أما السلطــة الرابعة فقــد استحالت خيالا ووهمــا ، وتحولــت ” صاحبة الجلالة ” الى مما ملكــت أيمــان السلطــة ، ومسخ ” رجال الصحافة ” سحرة يحولون الأقلام أفاعي تسعى في التزوير والبهتان
والمتأمل فيما تكتبه الأقلام المأجورة في المدة الأخيرة يلحــظ تشابهــا كبيرا في الخطــاب ، وكأننا أمام ببغاءات تكرر نفس العبارات ” استغلال الدين ” ، ” الاستعداء بالخارج ” ،”حرب
الاشعاعات” مع عبارات التخوين ، مما يوحي بكون الحملة ممنهجة ومخطط لها سلفا ، في حين أن الأقلام الحرة ليست في حاجة الى خلق وقائع غير صحيحة ، بكل بساطة لأن سياسة الدولة الأمنية المركبة هي سياسة لا تقرأ الحسابات ، ولا تعترف بالخطوط الحمراء ، ومــا حدث خلال محاولة عقد مؤتمر الرابطة التونسية لحقوق الانسان يكشف مدى تغول العقليــة الأمنية ، حيث لاحظت الوفود الأجنبية كيف يعامل الحقوقــي في تونــس ، وكيف تعامــــل الزعامات الوطنية المعارضة , وكيف تعامل مكونات المجتمع المدني ، وتفضلوا مشكورين بنقل الحقائق التي شاهدوها الى وسائل الاعلام العالمية ” نزلنــا من السيارات التي تقلنــــا ، ووقفنا قرب مكان انعقاد المؤتمر ، وفي هذه الأثناء لاحظت أحد رجال الأمن يتوجه لرئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ليسبه ويهدده حيث قال لرئيس الرابطة انه يستعين بالأجانب ، وفي هذه اللحظات تدخلنا نحن في الوفد المغربي ، وقلنا له اننا مغاربة وأشقاء ، فقام أحدهم بضربي في اتجاه العنق ضربة قوية ، ثم قال لي آخـــر … وتطورت الأمـــور لدرجة أنهم قاموا بدفعنا بالقوة وادخالنا للسيارة التي أقلتنا ، مثلما أدخلوا سائقة السيارة عنوة بعدما تم ضربها وتعنيفها … ” طبعا الكلام ليس لأحد أقطاب المعارضة التونسية وانما لعضو المكتب التنفيذي لمنتدى الحقيقة والانصاف المغربي الأستاذ حسن الحسني العلوي ( جريدة الأيام العدد 234 بتاريخ 5 ـ 11 يونيو 2006 ) ، فهل الأقلام الحرة في حاجة الى اختلاق أحداث غير حقيقية لتشويه صورة النظام بالخارج …؟

ان تهمة تدويل فضيحة سجن برج الرومي هي أشبه بقصة الجلاد الذي يجلد الضحية ويتهمه بالصراخ ، فغباء النظام التونسي وأحذية جلاديــه هي التي قادت الفضيحـــة الى المســـرح الدولي ، ففي الوقت الذي لم يستفق الضميــر الجمعــي للأمة الاسلاميــة من جرائم تدنيــس القرآن الكريم بسجن ” أبو غريب ” ومعتقل غوانتنامو ، ها هو يصدم من جديد وبشكل أفضع لأن عملية التدنيس تمت بأحذية موظف يفترض أنه مسلم ، وفي دولة ينص دستورها على أن الاسلام هو دينها ، ولو كان سدنة الحكم في تونس غير راضين على ما اقترفه مدير سجــن برج الرومي وأعوانه لسارعو الى الاعتذار للشعب التونسي واحالة المتهمين على القضــاء
لا احالة من فضح الجريمة على قاضي التحقيق ، ولكن سياسة النعامة تثبت مرة أخــرى أن موظفي السجن ليسوا سوى أدوات تنفيذ لسياسة نظام السابع من نوفمبر
أما ما يتعلق بمقولة زج الدين في السياسة والتي أصبحت ” قميص عثمان ” منذ ما يزيد عن العقدين سعى فيهما النظام التونسي الى محاربة الدين تحت شعار عدم تسييسه ، ومحاربة حملة المشروع الاسلامي تحت شعار تحييد الديني عن الحقل السياسي ، فالحقيقة التي كشفت عنها فضيحة برج الرومي هي أن السياسة البشعة لنظام 7 نوفمبر هي التي صادمت الدين بشدة ، وأغارت عليه في أعتى حصونه ، ومست أقدس تجلياته بكل عنف ، في محاولة لجــر المقدس نحو لعبة السياسة ، وغرس سنان الرماح في القرآن الكريم ، وليس حمله على السنان كما تزعم الأقلام المسعورة
ما وقع في سجن برج الرومي من تدنيس للقرآن الكريم لا يعدو أن يكون رسائل غير مشفرة من السلطة للمساجين السياسيين بأنه ماض في تدميرهم والتنكيل بهم جسديا ونفسيا لما يمثل القرآن من خزان صمــود واطمئنــان وصبــر على الابتلاء , ورسالــة الى طلائع المجتمع التونسي ـ التي ما فتئت تضيق الخناق على رموز الفساد والاستبداد ـ بأن الخطوط الحمراء أصبحت خضراء ، وهم ليسوا بأعز من القرآن الكريم الدي طالته أحذية الأزلام ، ورسالة تحدي الى المجتمع الدولي بأنه لن يخضع للمطالبات بالاصلاح السياسي وارساء ديمقراطية حقيقية واطلاق سراح المساجين السياسيين ، ورسالة الى الساسة الأمريكان بأنه تعلم الدرس من فضائح ” أبو غريب ” ويستحق شهادة تقدير حتــى وان كان الثمن الدوس على انسانيـــة الانسان من خلال الدوس على أقدس مقدساته

ما وقع في سجن برج الرومي يمس كل مكونات وأطياف المجتمع التونسي شعبا وأحزابا وجمعيات ومنظمات ونقابات ومؤسسات ومنابر اعلامية …يمس وجدان كل تونسي ، وكل مسلم ، وكل مؤمن باحترام مقدســات الشعوب ، يمس تونس التاريخ والهويــة والحضــارة والثقافة … فالنظام التونسي الموغل في الاستهانة بكل المقدسات والمواثيق الدولية وجه من خلال تدنيس القلرآن الكريم رسائل واضحة ، وعلينا جميعا أن نتجند للرد على هذه الرسائل بالانخراط الجاد والمسؤول في حركة الاحتجاج للذود عن حرمة المصحف الشريف وحرمة المواطن التونسي ، وكشف الضغوط التي يتعرض لها السجين أيمــن الدريدي للتنازل عــن شكايته مقابل حياته ، والوقوف الى جانب شيخ الحقوقيين ورئيــس فرع بنزرت للرابطـــة التونسية لحقوق الانسان علي بن سالم المحال على القضاء ، وتدشين حملة عالمية للتعريف بمعاناة المساجين السياسيين الجسدية والنفسية بالسجون التونسية ، وتسليط الضوء على سجن برج الرومي أعتى السجــون العالمية والــذي أصبح من فئة خمس نجوم من حيث وحشيـــة معاملة السجناء ، وقد تفوق شهرته سجن ” ابو غريب ” لو تكاتفت جميع الجهود لفضح ما يحدث داخله من جرائم محرمة شرعا ، ومعاقب عليها قانونا ، ومجرمة دوليا ، وربما يأتي يوم يشاهد فيه العالم بالصورة والصوت ما يحدث بالسجون التونسية كما شاهد سابقا فضائح سجن ” ابو غريب ” ولن تجد الأقلام المأجورة ما تحبر به الصحف الصفراء.