بقلم سامي بن غربية

أخبرنا صخر الواشي عن جلافة ابن المُخبر عن أبي العينين قال : حدثني أبي عن جدي أمير أهل التحقيق و قطب أهل التدقيق شديد ابن علي القـنزوعي قال ” كنت بين يدي من لـِزمت طاعته ملك تونس زين العابدين ابن علي رحمه الله عندما أمر بإحضار سفيه ابن عبد الجاه العبعاب، الإمام الحافظ المتبحـّر صاحب كتاب “العبر في الأحلام السلطانية ومناسك المظالم الأزلية”. وعندما دخل عليه سفيه حَمَدَ زين العابدين ربّه و أثنى عليه ثم همس و قد بدت عليه علامات الحيرة :

” يا سفيه، لقد رأيت في منامي رجلا مـُقبلا علي، أبيض الوجه باسم الثغر مشرق القسمات، فلما رآني اسودّ لونه وانطفئ نوره و أمسك برقبتي يهزها مرددا الآية [وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون]. ثم أدبر فهبت ريح من قبل الجنوب أذرت ما بين السماء والأرض و أنا واقف و على يميني ابني محمد و على شمالي قمر اكتملت دورته ‏‏. أستيقظت وكأني لم أرى من الدنيا إلا سفه زينتها و من الآخرة إلا حقيقة أهوالها.”

“إخبرني يا سفيه فقد أكرمك الله بنور العلم و منّ عليك بسعة الفهم. من هو ذاك الرجل ؟ و ما سر هذه الرؤية ؟”

فقال سفيه ابن عبد الجاه العبعاب و كان خير ما نطق به لسانه إلى أن لاق ربه مؤمنا:
” يا أمير المؤمنين إن لهذه الرؤية أسرار و عبر و حِكم.

فأما الرجل فهو شجع ابن الجائع الطرابلسي. ولي من أولياء الله الصالحين عرف بتصنيفه “كتاب المصالح في وضع الجزية والخراج و في أحكام الحسب و المرابح”. و الدليل على نسبته لبني الطرابلسي ريحه التي أقبلت جنوبا من جهة طرابلس و أذرت شمالا شطر قرطاج كعبتك و كعبة سلفنا من أولي الأمر منا.

واعلم حفظك الله أن الريح طليقة غير حبيسة، فهي من نفس الرحمان لقوله تعالى: [وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته]. و منها الروح والراحة و الإستراحة و الريحان.

و أما الرقبة فسرها عظيم لقربها من الوريد و من الذات القدسية فهي كالبرزخ معلقة بين عالمين. فالرقاب بالقطع و بالمسك و بالتحرير الذي يخص مقامنا هذا لقوله سبحانه :[فتحرير رقبة مؤمنة].

و أما الأرقام فهي كالروح من أمر ربي و [قل ربي أعلم بعدتهم]. و ما التخصيص بالألـْف إلا لطفا و جمالا إلهيين. فكن جميلا لطيفا و تعدّ حدّ اليوم الذي هو تارة ألفا و تارة ألفا و خمس مائة و لا تبخل و ابسط يدك تخرج روحك من قفص الدنيا بيضاء من غير سوء.

و أما إبنك ودورة القمر فسنته الأولى وهي ميقاتك وابتلاؤك.

وكأني يا أمير المؤمنين بشجع ابن الجائع الطرابلسي يأمرك بتحرير ما لا يقل عن 1500 رقبة بمناسبة عيد ميلاد أبنك محمد أدام الله ظلّه على أهل تونس.

هذا ما عبرته من رؤياك فانظر إلى مقاصد الحِكــَم و اقطع بمصالح الحـُكْم و خذ الكتاب كما عهدناك بقوة.”

و ما أن أكمل سفيه ابن عبد الجاه العبعاب حديثه حتى أجهش زين العابدين بالبكاء. بكى حتى جردت عيناه و سقطت أشفاره و أنشد رُباعيته الشهيرة :


شربت مُدام الحُكم ليلا ً و استوى * * * على العرش أمرٌ راق لصبحه بطشي
و لا زلت أهوى النهي و الأمر سوا * * * كعشقي لِليلـَى سُكرٌ زاد من عطشي

 

ثم التفت في انحنائة أبوية إلى خاصته و معاونيه : “و الله ما أرهبتني زيارة ملك الموت و قاطف أرواح المسلمين وزير الحرب الأمريكي رامسفيلد الأخيرة إلى أرض تونس بقدر ما أرهبتني فصاحة العبرة البعبعية. يا ابن القـنزوعي، أأمر زبانيتك بعتق 1657 رقبة مؤمنة من سجون تونس. خلوا سبيلهم 3 أيام بعد الإحتفال بعيد ميلاد ابني محمد. أفرنقعوا الآن عني فأن لي ميقاتا آخر مع شجع ابن الجائع الطرابلسي. رزقنا الله و إياكم من علمه و فتح علينا و عليكم خزائن خيره.”

أنتهت رواية صخر الواشي إمام محدثي البلاد التونسية و ذلك في سنة 19 من الزحف الزعبعي على بلاط الملك بقرطاج.

هذا و قد أكتشف علماء حفريات العهد الزعبعي نسخة سمع- بصرية من حفل عيد ميلاد محمد ابن زين العابدين إبن علي، آخر أمراء السلالة الزعبعية قبل اندلاع ثورة الزنج الثانية.

لمشاهدة النسخة السمع- بصرية إضغط هنا.