نشرت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات يوم الاثنين 8 جانفي 2018 تحيينا لدليل الترشّحات الخاصّ بالانتخابات البلدية القادمة، كما تم تحيين القرار المؤرخ في 20 جويلية 2017 المتعلّق بقواعد وإجراءات الترشّح للانتخابات البلدية والجهوية. من جهة أخرى، يستكمل المُقبلون على الترشّح إعداد قائماتهم الانتخابية والإجراءات الإدارية، وذلك قبل موعد تقديم الترشّحات المُقرّر بين 15 و22 فيفري 2018.

 السباق الشاقّ نحو استكمال تشكيل القائمات

لم يتوقع هشام فرادي (45 سنة)، عندما اختار تقديم ترشّحه للانتخابات البلدية ببلدية مرناق، منذ موعدها السابق في 17 ديسمبر 2017، أنّه سيواجه هذا الكمّ من الصعوبات. أمّا مروان النيفر (29 سنة)، أحد الشباب القلائل المهتمّين بتشكيل قائمة مستقلّة تضمّ عددا من أصحاب الشهادات العليا في بلدية الصخيرة، فلم يُخف توجّسه هو الآخر لا سيما مع ضعف التأطير، إذ يقول

لم أكن أتصوّر أنّ الموضوع بهذا التعقيد، لا أحد يقوم بدور المرافقة أو الإرشاد، وكأنّ هذا متعمّد من أجل عدم تشريكنا نحن الشباب

مروان النيفر، 29 سنة، مهندس من بلدية الصخيرة

هذا وتطرّق عدد من العازمين على تشكيل قائمات مستقلّة في المقام الأوّل إلى صعوبة استكمال العدد. إذ ينصّ القانون الانتخابي في الفصل 49 سابعا، على أن ”يكون عدد المترشّحين بكلّ قائمة مُساويا لعدد المقاعد المخصّصة للدائرة“، مع إرفاق قائمة تكميلية تضمّ ثلاث مترشحين على الأقلّ، وتسقُط القائمة في صورة عدم استيفاء الشرط. ويتراوح عدد المقاعد بمختلف البلديات بين 12 و60 مقعدا، ممّا فَتح المجال لتشريك أكبر عدد من المُستقلّين والمجتمع المدني وتشكيل قائمات ائتلافية بين الأحزاب، قصد تحصيل العدد قبل المرور إلى بقية الشروط المتعلّقة بتركيبة القائمة. في هذا السياق، أشار حافظ عزيز (52 سنة) من بلدية شنني- نحّال بالقول “علينا أن نغطّي أيضا كافّة العمادات حتى نضمن تمثيلية عادلة للناخبين في المجلس البلدي”. كما كشف لنا رضا زنينة (57 سنة) من قليبية عن الإرباك المترتّب عن توسيع مجال دائرتهم البلدية لتشمل عمادة إضافية، حيث تجاوز عدد السكان 50 ألف دون ملاءمة عدد المقاعد ليصبح 30 بدل 24. ثمّ استدرك، ”نحن نعمل على إعداد قائمة تضمّ 30 مترشّحا على الأقلّ، بغضّ النظر عن الخطأ الناجم عن توزيع عدد المقاعد إثر التقسيم الترابي الأخير“. في نفس السياق، لم ينكر حافظ عزيز، وهو بصدد إعداد قائمة مستقلّة ببلدية شنني-نحّال، أنّهم يستعينون في هذه المرحلة بالأقارب لاستكمال عدد المترشّحين بالقائمة، خصوصا وأنّ حظوظ الفوز لن تشمل كافّة أعضاء القائمة الواحدة. فمع اعتماد نظام الاقتراع النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا، من المتوقّع أن تفرز الانتخابات البلدية مجالسا شبيهة بمجلس نوّاب الشعب بتعزيز تمثيلية القائمات الكبرى وتشتيت تمثيلية القائمات المتحصّلة على أضعف الأصوات.

تحدّي تشريك النساء

يُمثّل تشريك النساء في ظلّ الظروف والرهانات السياسية الوطنية والمحليّة، شرطا غير منصف حسب رأي أصحاب القائمات المستقلّة التي تسعى لتقديم ترشّحها. من جهة أولى، يفرض شرط التناوب العمودي داخل القائمة مع العدد الكبير المطلوب، التوجّه إلى أكبر عدد ممكن من النساء. ويقول هشام في هذا الصدد،

نهتمّ في قائمتنا بتشريك فئات من النساء والرجال تعكس مستوى المواطنين وشواغلهم بمدينتنا، لكننا نصطدم بانشغال النساء وعزوفهن عن المشاركة. فالرجال يبادرون، في حين ترفض النساء ذلك ناهيك عن نُدرة ترشحهن بشكل تلقائي للعمل البلدي التطوّعي

ورغم أهمية نفور النساء فإنّ هذا الموقف يعكس ظاهرة أخرى وهي الهيمنة الذكورية التي لا تكفي القوانين للتخلّص منها. بالنسبة لريم القلعي (44 سنة)، مترشّحة عن حزب آفاق تونس ضمن قائمة ائتلافية ببلدية الكرم، فهي مهتمّة بالترشّح في دائرتها لكنها لا توافق على إلزامية شرط التناصف خاصّة مع طبيعة العمل البلدي.

ريم القلعي، 44 سنة، جامعية مترشّحة عن حزب آفاق تونس ببلدية الكرم

يتضاعف هذا المشكل بالنسبة للقائمات الحزبية التي ستترشّح في أكثر من دائرة حزبية واحدة، حيث يشترط القانون الانتخابي التناصف الأفقي مع عدم قبول القائمات التي لا تحترم هذا الشرط. وهو ما أكّده عَمري الزواوي (46 سنة)، أحد العازمين على خوض السباق الانتخابي ضمن قائمة حزبية للحزب الاشتراكي ببلدية سبيطلة، حيث سيتقدّم حزبه بـ30 دائرة انتخابية بلدية ويجد صعوبة في تحصيل ثلاث رئيسات قائمات ببلديات ولاية القصرين. وأكّدته ريم كذلك التي تنقُص قائمتها الائتلافية  أربع نساء لاستكمال 33 مترشّح على الأقلّ، مُشيرة إلى ضُعف عدد المترشّحات على رأس القائمات. من جهة ثانية، وتحديدا في السياق الاجتماعي المحلّي، أثار المُتحدّثون لنواة تواتر الضغوطات التي يتعرضن لها النساء والشابات، خاصّة من طرف الأب أو القرين الذي يحاول التأثير على المُشاركة. في هذا السياق، أشار هشام فرادي إلى أنّه لحركة النهضة بجهته دور في ذلك، فهي حسب رأيه ”لا تتوانى في استعمال هذا الأسلوب للضغط على الراغبات في الترشّح من خلال التأثير على أقاربهن من الرجال“.

معضلة تمثيلية الشباب وذوي الإعاقة

هذا ولا يمثّل تشريك الشباب رهانا أكثر سهولة، فقط تختلف عوامل العزوف عن الترشّح، ويلاحَظ في هذا السياق تهرّب الشباب من الإجراءات الإدارية ومقاطعتهم للعمل السياسي والحزبي، في حين ينصّ القانون الانتخابي على ”أن تضمّ القائمة من بين الثلاثة الأوائل فيها مترشّحة أو مترشّحا لا يزيد سنّه عن خمس وثلاثين سنة“. وعن صعوبة تحصيل هذا الشرط، علّق حافظ عزيز من بلدية شنني-نحّال قائلا

الأمر في غاية الصعوبة مع الظروف التي تمرّ بها البلاد وطنيا وفي الجنوب تحديدا

كما تُضاف تمثيلية ذوي الإعاقة إلى سلسلة المعضلات التي تواجهها القائمات المُشاركة في سباق الترشّح للانتخابات البلدية في مختلف البلديات خاصّة الصغرى منها. إذ أن واحدا على عشرة هو ما تشترطه تركيبة القائمة، وهي ”تمثيلية غير واقعية“ على المستوى المحلّي حسب رأي بعض المُشاركين. يُوضّح هشام فرادي من بلدية مرناق، ”لدينا مترشّح وحيد حامل لإعاقة في الترتيب التاسع بالقائمة، لكننا لم نتمّكّن بعد من إيجاد حامل شهادة إعاقة ثان قادر على خوض الانتخابات ومتابعة العمل البلدي“. وتعتبر ريم القلعي أنّ القانون الانتخابي بهذا الشرط ”قدّم ورقة مزايدة لحاملي شهادة الإعاقة“. لكن بالنسبة لحافظ عزيز من بلدية شنني-نحّال فإنّ تمثيلية حاملي الإعاقة ليست تعجيزية كبقية الشروط، خصوصا وأنّه تمّ ربطها بالتمويل اللاحق، حيث لا تسقط القائمة ويمكن تعويضها ماديّا.

شرط تسوية الوضعية الجبائية

عن انطلاق السباق الانتخابي ومدى تقدّم إجراءات الترشّح، صرّح عمري الزواوي، أحد العازمين على خوض السباق ضمن قائمة حزبية للحزب الاشتراكي ببلدية سبيطلة، لنواة قائلا ”تقدّمنا بنسبة 60 بالمائة في الإجراءات، نحن بصدد الانتهاء من تقديم مطالب للحصول على شهادة في عدم ترسيم عقار“. ثمّ استأنف،

هناك بعض التعطيلات على مستوى استخراج بعض الوثائق، منها شهادة إبراء للمترشّحين الذين سبق لهم الترشح في الانتخابات التشريعية في 2014. لسنا متأكّدين من حصول تنسيق بين الهيئة الفرعية والقباضة المالية، فالقباضة تُعلمنا أنّه ليس لنا أية متخلّدات في حين نخشى أن يتمّ رفض ترشّحنا من قبل الهيئة بعد فوات الأوان

في نفس السياق أشار هشام فرادي إلى أن ”الوضعية الضريبية لبعض الأشخاص تثير تخوّفهم، فبعض الموظّفين وجدوا أنفسهم مُطالبين بخلاص أداء على الدخل غير المصرّح به فتهرّبوا وتراجعوا عن الترشّح“، وهو ما أيّدته ريم القلعي، مُعتبرة ”الإجراءات مُجحفة بالنسبة لمن يرغبون بالمشاركة عن أحيائهم ومُكلفة أيضا“. أمّا بالنسبة لرضا زنينة من بلدية قليبية، فالأمر محسوم. إذ يؤيّد أهمية إبراء ذمّة المترشّحين للعمل البلدي من آداءاتهم الضريبية والبلدية، ويعتبره ”حدّا أدنى لضمان نزاهتهم“.

رضا زنينة، 57 سنة، من بلدية قليبية

هذا وقد سبق أن نشرت وزارة الشؤون المحليّة والبيئة في 29 ديسمبر المنقضي بلاغا إلى الولاّة، تفسّر فيه إجراءات الحصول على الوثائق اللازمة وتطالب بتسهيل الحصول عليها، نظرا للحيّز الزمني الذي فرضته الروزنامة الانتخابية الجديدة وللعدد الكبير للمترشّحين الذي سيكون بالآلاف. ويَعتبر رضا زنينة أنّ ”للأحزاب الحاكمة امتيازات في هذا الشأن، خصوصا مسألة تسهيل الإجراءات أو الحصول على الوثائق الإدارية المتعلّقة بالإبراء والخلاص على الدخل“. في نفس هذا السياق بالتحديد، أعلن حزب نداء تونس منذ الأسبوع المنقضي عن قائمة المنسّقين الجهويين لحزبه في الانتخابات البلدية القادمة. وتضمّ القائمة عدد من قيادات الحزب الذين يتقلّدون سلفا حقائب وزارية ومناصب إدارية مركزية وجهوية ومحلية. هذا ولم يخف الحزب سواء هذه المرّة أو في مرّات سابقة، إثر الإعلان عن حركة المعتمدين، تضارب المصالح بين أجهزة الدولة وتحزيب أعوانها وقيادتهم للحملة الانتخابية فيما بعد، رغم خطورة هذا التداخل الوظيفي وصرامة القانون فيما يتعلّق بضرورة الالتزام بشرط حياد الإدارة وأجهزة الدولة وبما يضمن تكافأ الفرص والمنافسة النزيهة في الانتخابات.