اتفاق اللحظات الأخيرة حول التزام الحكومة بالزيادات والمنح المقرّرة لسنة 2017 وضع حدّا لحالة الترقّب وتصاعد المواجهة بين الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة وحكومة يوسف الشاهد من جهة أخرى. هذا الاتفاق الذّي أعلن عنه يوم 07 ديسمبر 2016، قبل 24 ساعة من الاضراب العام المقرّر للقطاع العمومي ردّا على تمسّك الحكومة بتأجيل صرف المستحقات المالية لاتفاق سبتمبر 2015، كان محور ندوة صحفيّة في مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل صبيحة اليوم 12 ديسمبر 2016، في مقرّ المنظّمة في ساحة محمد علي وسط العاصمة تونس.
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العبّاسي ترأّس الندوة الصحفيّة وتحدّث طيلة ساعة تقريبا عن الاتفاق الأخير وتفاصيله إضافة إلى معطيات عديدة في علاقة بالأزمة الأخيرة بين المنظّمة والحكومة.
الأزمة تسقط الأقنعة
منذ بداية الندوة الصحفيّة، أشار الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل إلى ما أسماه الأطراف التي حاولت إرباك الاتحاد خلال الأزمة والانتصار للموقف الحكوميّ. وعبّر دون أن يخوض في الأسماء عن امتعاضه من بعض السياسيّين والاعلاميّين الذّين سعوا إلى تقليص دوره وحصره ضمن مربّع ضيّق للحركة والمناورة. الأسماء التي تحفّظ العبّاسي عن ذكرها اليوم، هي تلك التي سمّاها صراحة خلال كلمته في ساحة محمّد علي في ذكرى 05 ديسمبر، حيث هاجم النواب صابرين القوبنطيني وفاطمة المسدي ومنجي الحرباوي من نداء تونس واعتبرهم ”مجرد أصوات ناعقة تسعى لضرب استقلالية الاتحاد“. وقد كشفت الأزمة الأخيرة بحسب الأمين العام المواقف الحقيقيّة وأسقطت ”الأقنعة“ عن بعض الشخصيات التي مضت بعيدا في محاولات ”شيطنة“ الاتحاد العام التونسي للشغل وتحميله مسؤولية تدهور المناخ الاجتماعي في البلاد والأضرار بالسلم الاجتماعي.
تصريحات العبّاسي تحيل بدورها إلى سياسة الترهيب الإعلامي والاقتصاديّ التي تنتهجها وسائل اعلام مختلفة ومواقع الكترونية تتجنّد عند الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة لللعب على وتر التخويف من الفوضى والانهيار الاقتصادي على حساب المطالب المشروعة للأطراف المقابلة كما حصل في قضايا سابقة في احتجاجات أهالي قرقنة ضدّ شركة بتروفاك أو في جمنة أو الإضرابات القطاعيّة المختلفة.
صندوق النقد الدولي وازدواجية الخطاب
تطرّق حسين العبّاسي خلال الندوة الصحفيّة إلى تدخّل صندوق النقد الدولي خلال الأزمة الأخيرة، حيث أشار إلى أنّ هذه الهيئة الماليّة الدوليّة تعمّدت مغالطة الاتحاد عبر تبني ازدواجيّة الخطاب وإبراز مواقف متباينة إثر اجتماعها مع كلّ طرف على حدة. وقد ذكر الأمين العام أنّ وفد صندوق النقد الدولي أنكر معرفته بوجود اتفاق للترفيع في أجور موظّفي القطاع العام خلال أحد الاجتماعات مع ممثّلي المنظّمة النقابيّة الذّين واجهوه بضرورة التزام حكومة الشاهد بالاتفاقيات التي أبرمتها حكومة الحبيب الصيد وعدم رضا الاتحاد عن دعم صندوق النقد الدولي لأسلوب التنكّر للتعهّدات السابقة.
ويذكر في هذا السايق أنّه مع اشتداد الأزمة وانسداد أفق الحوار بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة يوسف الشاهد، تدخّل صندوق النقد الدولي في محاولة لتقريب وجهات النظر ظاهريا وإقناع الاتحاد بالرضوخ لمقترح الحكومة بتأجيل صرف الزيادات والمنح المقرّرة لسنة 2017 وفق اتفاق سبتمبر 2015. وقد علّق الاتحاد العام التونسي للشغل على صفحته الرسمية مساء يوم الاثنين 14 نوفمبر 2016، مبيّنا أنّ موقفه من مسألة تجميد الزيادات في الأجور ثابت لم يتغيّر، وأنّه نقل موقفه بوضوح إلى وفد صندوق النقد الدوليّ، مشدّدا أنّه لن يقبل وساطة هذا الأخير في الأزمة الراهنة ولن يشارك في ايّ وفد يتوّجه نحو هذه الهيئة المالية الدوليّة.
الأولويّة لمشروع قانون مأسسة الحوار الاجتماعي
منذ تقديمه إلى مجلس النواب في شهر أفريل 2015، ظلّ مشروع قانون احداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي يراوح مكانه. مشروع مأسسة الحوار الاجتماعي كان أحد محاور الندوة الصحفيّة للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حيث اعتبر حسين العباسي أنّ هذا القانون سيمكّن مستقبلا في حال المصادقة عليه من حلّ الخلافات والمشاكل المتعلّقة بالحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة بشكل هادئ ودون تشنّج.
وقد انتقد الأمين العام تأخّر النظر في هذا المشروع في أكثر من مداخلة إعلاميّة، إلاّ انّه أكّد اليوم أنّ رئيس مجلس النوّاب محمد بالناصر قد طمأنه أنّ المجلس سيشرع في النظر في مشاريع القوانين المعطّلة بعد أن اتمّ المصادقة على قانون المالية لسنة 2017. وقد أكّد رئيس مجلس النوّاب للأمين العام حسين العبّاسي أنّ احداث هذا المجلس سيكون من أولويّات مجلس نوّاب الشعب خلال الفترة المقبلة.
”الحكومة ستلعب بالنار إن تنكّرت مرّة أخرى“
حكومة يوسف الشاهد التي تقدّمت بمقترح تأجيل صرف الزيادات والمنح المقرّرة لسنة 2017، اعتمدت على معطيات وتوازنات مالية دفعتها إلى اتخاذ هذا القرار، وقد وقّعت الاتفاق الجديد دون أن تتغيّر تلك المعطيات والتوازنات، وهو ما يحيل إلى إمكانية التنكّر مجدّدا للالتزام الأخير. في هذا السياق، إعتبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أنّ الاتحاد كفيل بضمان الاتفاق الأخير وأنّ الحكومة ”ستلعب بالنار“ إن حاولت المناورة او التراجع عن الزيادات والمنح لسنة 2017. ولكن من جهة أخرى أكّد حسين العبّاسي أنّ الضامن الحقيقي هو الرقابة الجماعيّة وتجنّد جميع الأطراف الاجتماعية للدفاع عن حقوقها والوقوف بوجه أي مناورات سياسية. وقد ختم العبّاسي الندوة الصحفية مشدّدا على أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل على عكس بعض الأحزاب السياسيّة ما يزال متمسّكا باتفاق قرطاج ما لم تخرق الحكومة بنوده وأنّه سيظّل يلعب دورة الرئيسي في تصحيح الانحرافات التي قد تشهدها السياسات الحكوميّة تجاه القضايا الاجتماعية والاقتصادية وحتّى السياسيّة معتبرا أنّه لا يمكن لأي كان تحديد مربّع حركة المنظّمة التي تبقى دائما معنية بالشأن السياسي وقضايا السيادة الوطنية.
iThere are no comments
Add yours