riadha-cherfeddine

30 رصاصة استهدفت النائب عن نداء تونس ورئيس النجم الرياضي الساحلي صبيحة يوم الخميس 08أكتوبر الجاري في مدينة سوسة أثناء توجّهه إلى شركته، بعد أكثر من عامين على آخر عمليّة اغتيال لشخصيّة سياسيّة.

هذه العمليّة تزامنت مع احتقان المشهد السياسيّ بعد هروب الإعلامي معزّ بن غربيّة إلى سويسرا وتلويحه بكشف “ما لديه من معلومات” حول “بارونات” الفساد في تونس تلتها استقالة الأزهر العكرمي من مهامه كوزير معتمد لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب. ولكن السؤال الملّح، من يكون هذا الصيدليّ الذّي تحوّل إلى واحد من أكبر رجال الأعمال في تونس وأحد أبرز الوجوه السياسيّة والرياضيّة؟

1989: المنعرج الأهمّ في حياة الصيدليّ

وُلد رضا شرف الدين في مدينة أكودة من ولاية سوسة في الثاني من جويليّة 1952. كغيره من أبناء جيله الذّين استفادوا من تعميم التعليم في السنوات التي تلت الاستقلال، تحصّل النائب الحالي عن نداء تونس على شهادة الباكالوريا في تونس ليواصل دراسته الصيدلة في مدينة بوردو الفرنسيّة أين تحصل على شهادة الدكتوراه ليعود إلى تونس ويباشر مهنته كصيدليّ بمدينة سوسة بالتوازي مع التدريس بكلية الصيدلة بالمنستير.

المنعرج الكبير في حياة رضا شرف الدين كان سنة 1989، إذ قرّر هذا الأخير الانتقال إلى مجال الاستثمار الخاصّ في ميدان الصناعات الدوائية ليبعث شركة UNIMED، لصناعة الأدوية.

مسيرة النجاح الاقتصاديّ لرضا شرف الدين الذّي تحوّل خلال ربع قرن من صيدليّ إلى أهمّ مستثمر في مجال صناعات الأدويّة، لم تتأثّر بدخول صخر الماطري إلى هذا القطاع خلال السنوات القليلة قبل 14 جانفي 2011.

كما استطاع شرف الدين أن يكوّن ثروة هائلة ويحقّق أرقام مبيعات قياسيّة خلال السنوات التي تلت تأسيس مخابره الخاصّة UNIMED، مستفيدا في البداية من فقر السوق التونسيّة للمخابر الخاصّة، وقد استفادت UNIMED سنة 2002 من الأمر الرئاسيّ عدد 547 والذّي ينصّ في فصله الأوّل على:

الفصل الأول ـ تنتفع شركة «UNIMED» بالإعفاء من المعاليم الديوانية وبتوقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة المستوجبة عند توريد التجهيزات اللازمة للقاعة البيضاء والمبينة بالقائمة الملحقة بهذا الأمر.

سقوط بن علي وانهيار الامبراطوريّة الماليّة لحاشيته، لم يؤثّر على أعمال رضا شرف الدين حيث توسّعت أعماله لتشمل قطاع العقّارات، بعد اقدامه على شراء الشركة العقّاريّة «La Baie de Promotion Immobilière» سنة 2011 والتي تعود ملكيّتها لرجل الأعمال عبد الحكيم هميلة. وللتذكير فهذا الأخير كان صاحب الشكوى المقدّمة ضدّ سمير الوافي بتهمة التحيّل والابتزاز والتّي تمّ حفظها في ما بعد.

كما أنشأ سنة 2011 شركة Medpack المختصّة في تصنيع الورق المقوّى برأس مال يفوق المليوني دينار في إطار توسيع دائرة نشاطاته الاقتصاديّة بعد الثورة.

UNIMED، الشركة الأمّ التي ترأّس رضا شرف الدين إدارتها منذ تأسيسها، انتعشت أعمالها بعد 2011، حيث كشفت مجلّة Africa Intelligence إقدام صندوق الاستثمار التابع للبنك الفرنسي La Société Générale على شراء 34% من رأس مالها وهو ما مثّل دفعا جديدا على الصعيد الماليّ لهذه الشركة التي توسّعت شبكات تصديرها لتشمل الجزائر وليبيا والعربية السعوديّة والعراق ودول غرب افريقيا. إضافة إلى الشراكة بين شركة Promochimica الإيطاليّة لإنشاء مخابر لتصنيع الأدوية في مدينة باجة.

الرياضة مدخل خلفيّ للعمل السياسيّ

على غرار سليم الرياحي، منصف السلاّمي، صلاح الدين الزحّاف ومهدي بن غربيّة، كانت الرياضة وكرة القدم بالخصوص مدخلا خلفيّا لرضا شرف الدّين لولوج عالم السياسة وتوظيف جماهير الجمعيات الرياضيّة في لعبة الصناديق الانتخابيّة. رئاسة النجم الرياضي الساحلي، لم تكن النشاط الرياضيّ الأوّل لرضا شرف الدين، حيث تولّى قبل ذلك تسيير فرع الكرة الطائرة لنفس الفريق.
أمّا عن تفاصيل الرئاسة، فقد تمّ انتخابه في الرابع من ماي 2012، إثر تجريد الرئيس السابق للنجم الرياضي الساحلي حافظ حميّد وحلّ الهيئة المديرة بقرار من المحكمة الابتدائيّة في سوسة ليصبح رضا شرف الدين الرئيس رقم 19 في تاريخ النجم الرياضي الساحلي بعد أن تم انتخاب قائمته المترشحة الوحيدة لانتخابات الهيئة المديرة للنجم ضمن جلسة عامة استثنائية لم تشهد حضور وتصويت سوى 337 شخصا من مجموع 1186 منخرطا في الجمعية.

صراعات القوائم الانتخابيّة وحرب المصالح الخاصّة

اصطفاف رضا شرف الدين السياسيّ بعد 14 جانفي 2011، كان ضمن حركة نداء تونس والذّي أصبح نائبها اليوم في مجلس النوّاب. لكنّ الوصول إلى البرلمان لم يخلو من صراعات خرجت إلى العلن في صفوف المجلس الجهويّ في سوسة ضمن ما عرف بحرب القائمات الانتخابيّة في سنة 2014 والتي خسرها وزير الخارجيّة الحاليّ الطيّب البكّوش.

القائمة الأولى التي ترأسها الطيّب البكوش تعرّضت لهجوم ممنهج من قواعد النداء في الجهة بغية الدفع بقائمة جديدة لرضا شرف الدين وزهرة ادريس، وهو ما تمّ في نهاية المطاف ولم يصمد وزير الخارجيّة الحالي أمام تحالف أرباب الأعمال الذّين قرّروا الدخول بشكل مباشر في العمل السياسيّ وتمثيل مصالحهم في مجلس النوّاب.

بعد الانتخابات، اتجّه السيّد شرف الدّين ليكون فاعلا في اللجان النيابيّة ليحوز في نهاية المطاف على عضويّة في لجنة شؤون التونسيّين في الخارج ولجنة الصحّة والشؤون الاجتماعيّة. الغريب في الأمر هو ما كشفت عنه احصائيّات “بوصلة” حول انضباط النوّاب، حيث لم تتجاوز نسبة حضور النائب شرف الدين في الجلسات العامّة 46%، أمّا اجتماعات اللجان فلم يحضر هذا الأخير ايّ اجتماع منها. كما لم تتجاوز نسبة مشاركته في التصويت 9%.

تبقى مسألة أخيرة تثير نقطة استفهام لم تحسم بعد، فقد راجت الكثير من الأخبار عن علاقة رضا شرف الدين بقناة التاسعة وتصريحات معزّ بن غربيّة الأخيرة إثر محاولة الاغتيال، لكنّ النائب عن نداء تونس وبسؤاله حول العلاقة وحقيقة شراكته في قناة التاسعة، تجنّب بشكل محيّر الإجابة عن هذا السؤال، ليبقى الباب مفتوحا على مصراعيه للشكوك والفرضيات، فيما يبدو أنّه بداية جديدة لحروب المصالح الاقتصاديّة والسياسيّة أو كما عرّفها الكاتب الصحفي البريطاني مايكل جونستون “بمتلازمات الفساد والسلطة والثروة والديمقراطيّة” وحتما الإعلام.