crise-ingenieurs-tunisie

بقلم محمد سميح الباجي عكاز،

الإضراب المفتوح الذّي انطلق منذ الخامس من شهر جانفي الحاليّ في جميع كليّات الهندسة أثار الكثير من الجدل في الشارع التونسيّ بخصوص مطالب الطلبة المحتجّين وماهيّة القرار الذّي فجّر هذه الإحتجاجات. إذ لم تكن الإتفاقيّة الممضاة بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات والإتصال ووزارة التكوين المهني والتشغيل في ال25 من ديسمبر الماضي، والتي تضمّنت تحديد آليات تمكين خريجي التكوين المهني الحاصلين على شهادة الباكالوريا من الإلتحاق بمسارات التعليم العالي من ناحية، وتحدد كيفية التحاق الطلبة بمؤسسات التكوين المهني من ناحية أخرى، سوى الشرارة التي أطلقت موجة من التحرّكات الطلاّبيّة في شتّى كليات الهندسة بجميع اختصاصاتها، ليدخل الطلبة، منذ ذلك التاريخ، في إضراب مفتوح وصولا إلى مقاطعة الامتحانات التي جرت في أوائل شهر جانفي.

2

هذه الخطوة الاحتجاجيّة من قبل الطلبة أماطت اللثام عن مشكلات عديدة تعاني منها هذه الشعبة التي تحظى بمكانة متميّزة سواءا على المستوى الرسميّ أو المهنّي وتُحاط بقدر كبير من الاحترام والجاذبيّة في ذهنيّة المواطن التونسيّ. حيث كشفت لائحة المطالب التي تقدّم بها ممثّلو الطلبة عن حجم الهنّات والنقائص التي تشكو منها كليّات الهندسة على غرار نقص التجهيزات ومحدوديّة الميزانيات المرصودة للبحث العلمي ومشاريع التخرّج وعدم ملائمة بعض الاختصاصات لحاجيّات سوق الشغل. كما أثارت التحرّكات الطلاّبية مسألة الكليّات ومدارس الهندسة الخاصّة التي أحدثت خللا كبيرا على مستوى توازن السوق وملائمة الدفعات المتخرّجة لقدرة استيعاب سوق التشغيل.

هذا بالإضافة إلى تدنّي المستوى الأكاديميّ لبعض تلك الجامعات الخاصّة وتشعّب مسالك الدخول إلى كليّات المهندسين ممّا أثّر على المستوى العلمي للمهندسين، وهو ما لم يخفه كلّ من عمادة المهندسين والنقابة الوطنيّة للمهندسين خلال حديثهما إلى نواة حول التحرّكات الأخيرة لطلبة الهندسة.

المشاكل لم تقتصر على الطلبة، بل شملت وضعيّة المهندس التونسيّ الذّي يعاني إثر تخرّجه من البطالة ومن الأجور المتدنيّة التي تصل إلى حدود 250 دينارا بالإضافة إلى ابتزاز أصحاب الشركات الخاصّة وغيرها من الممارسات التي مسّت من هيبة المهنة وأصبحت تؤرّق المهندسين الشبّان والطلبة على حدّ سواء.

ما ميّز الأزمة التي يعيشها هذا القطاع منذ شهر تقريبا هو تداخل الأطراف المعنيّة من عمادة المهندسين والنقابة الوطنيّة للمهندسين والإتحاد العام لطلبة تونس ووزارة الإشراف.

greve-ingenieurs-tunisie-crise-2

هذه الوضعيّة الشائكة وتداخل الأطراف والمصالح دفعت بنواة إلى محاولة فكّ ملابسات التحرّكات الأخيرة لطلبة الهندسة وفهم التراكمات والسياسات التي دفعت بمثل هذا القطاع “النخبوي” إلى هذه الأزمة. وهو ما حاولنا كشفه من خلال حوارين أجريناهما مع عمادة المهندسين التونسيّين والنقابة الوطنيّة للمهندسين الذّين عايشا جميع مراحل الأزمة وشاركا في لجان المفاوضات.

وكما جاء في مداخلتي الكاتب العام للعمادة، السيّد الهادي بن صالح، ونقيب المهندسين التونسيّين، خير الدين خليفة، أنّ الاحتجاجات الطلاّبية مشروعة في ظلّ التهديدات التي تحدق بالقطاع ككلّ وأنّه من هذا المنطلق كان دعم الهيئتين لمطالب الطلبة وتقديم النصح والتأطير للتحركات الطلاّبيّة. وقد تدخّلت كلّ من العمادة والنقابة في المسار التفاوضيّ مع الوزارة عبر ممثّلين في لجان الحوار رغم بعض المشاكل الجانبيّة والمتعلّقة بما اعتبره نقيب المهندسين ازدواجيّة الهياكل داخل العمادة.

وفي حين طالب كاتب عام عمادة المهندسين الطلبة بالتهدئة وإيقاف الإضراب وهو ما بدأ بالفعل حسب تصريحه مدينا محاولات التوظيف السياسيّ للتحرّكات الطلابيّة الأخيرة، كانت لهجة النقيب خير الدين خليفة أكثر حدّة مؤكّدا زيف ما يروج عن تعليق الإضراب وداعيا الطلبة إلى مواصلة العمل عبر الضغط الميداني لتحقيق جميع مطالبهم رغم ما اعتبره رغبة الوزارة الصادقة في الوصول إلى حلّ يرضي الجميع. وقد لخّص نقيب المهندسين المطالب الرئيسيّة في النقاط التالية:

● الاتفاق على توحيد المسالك بين القطاع العام و الخاص و ذلك بالعمل على تقديم مقترحات لتعديل و تنقيح القوانين و ذلك من طرف لجنة محدثة للغرض متكونة أساسا من ممثلين عن الطلبة و النقابة الوطنية للمهندسين و عمادة المهندسين و يقع العمل بالمناظرة الموحدة بالسنة الجامعية 2015/2016.

● تحديد سقف أقصى لعدد الطلبة المقبولين في مدارس الهندسة الخاصة و لا يمكن تجاوزه. و يحدد هذا العدد سنويا باحتساب النسبة المئوية المبينة أسفله من أصل عدد المقبولين بالمدارس و المعاهد و الكليات العمومية المهتمة بتكوين المهندسين. و تحدد هذه النسبة المئوية كما يلي:

– السنة الدراسية الجامعية 2015-2016: 30 بالمائة،
– السنة الدراسية الجامعية 2016-2017: 25 بالمائة،
– و ابتدءا من السنة الدراسية الجامعية 2017-2018: 15 بالمائة.

● التطبيق الصارم لبنود كراس الشروط الحالي في انتظار إعادة النظر فيه و ذلك بالبدء الفوري في عمليات التفقد و اتخاذ الإجراءات الإدارية و القانونية الضرورية في ذلك.

● الوقف الفوري لإسناد الرخص و ذلك في ما يخص تكوين المهندسين من طرف الخواص.

● مواصلة أعمال اللجنة المكلفة بالاعتماد (Accréditation) في منظومة الجودة الشاملة للتعليم العالي الهندسي للمؤسسات الجامعية و ذلك للارتقاء بمؤسساتنا التعليمية الجامعية حسب المواصفات العالمية و ردا اعتبار للمعاهد التحضيرية و مدارس المهندسين.

● العمل على تحيين و تطوير البرامج و مد وزارة الإشراف بالطلبات في ما يخص التجهيزات و ذلك بغية برمجتها بميزانية الدولة لسنة 2016 كما يمكن تقديم ذلك بالميزانية التكميلية لسنة 2015.

● تنمية المهارات للإعداد للحياة المهنية عن طريق تمكين الطلبة من إمكانية التدريب للحصول على شهادات دولية معترف بها و في انتظار إعادة النظر منظومة التكوين المهندسين بالبلاد.

● تكوين هيئة تحت الإشراف المباشر للوزير المكلف بالتعليم العالي و متكونة أساسا من ممثل عن النقابة الوطنية للمهندسين التونسيين، وممثل عن عمادة المهندسين التونسيين و ثلاثة طلبة ممثلين عن مدارس المهندسين و المعاهد التحضيرية، و تتمثل مهمة هذه اللجنة في إعادة النظر كليا في منظومة تكوين المهندسين بالبلاد.

● تكوين لجنة لمتابعة ما يتم الاتفاق عليه بين لجنة المفاوضات والوزارة، مكونة من ممثل عن النقابة الوطنية للمهندسين التونسيين، وممثل عن عمادة المهندسين التونسيين و ثلاثة طلبة ممثلين عن مدارس المهندسين و المعاهد التحضيرية.

وقد بدأت وزارة الإشراف في الاستجابة لبعض المطالب حسب ما أبلغنا به ممثّلا النقابة والعمادة كمسألة تخصيص اعتمادات لتنمية مهارات وكفاءة المهندسين وإيقاف منح الرخص للجامعات الخاصّة وإعادة النظر في منظومة التكوين والبرامج الدراسيّة بالإضافة إلى اتفاق مبدئي حول السقف الأقصى لعدد طلبة الهندسة في الجامعات الخاصّة.

greve-ingenieurs-tunisie-crise-PV

أمّا عن الضمانات التي قدّمتها الوزارة لتطبيق هذه الاتفاقيّات، فقد أصرّ النقيب فخر الدين خليفة على أنّ مواصلة الضغط والمتابعة الدائمة لتنفيذ محاضر الجلسات هي الضامن الوحيد لتلبية مطالب الطلبة والقيام بإصلاحات جذريّة وحقيقيّة في قطاع الهندسة.