كل هضبة زبلة و كيس أسود عالق في شجرة و حفاضة أطفال مستعملة أمام منزل نشاز البناء ذو 3 طوابق العليا منها على الطراز اللبناني (أقصد لبنان-الحرب اﻷهلية. فما أبشع منازلكم الغير مكتملة يا مدمني الياجور) و حفرة للطريق مؤذية للعجلات قاتلة و كل كلب “عربي” خواف نباح و كل قاطع طريق قابع أمام “خليفة” للفواكه الجافة و كل مجرم يصفع مومسا بالمطعم و يعيرها بمهنتها و هي أجيرة عنده هو نفسه و كل إداري ليس للسلام رادا و لا للخدمة منجزا و كل رسالة تصل متأخرة بالبريد و مسروقة رغم أن ساعي البريد لا يعرف لحيّنا مدخلا و يجافينا أصلا و كل سيارة تتجول بأموالي و أموالك ﻷن حفظ اﻷمن بعد اﻹنقلاب الناعم يتم بالتجول بسيارات على الكورنيش و توقيف الدراجات النارية باﻷحياء الراقية…
كل تلك اﻷشياء مهمة. و كل تلك اﻷشياء ترمز إلى الجزء اﻷكبر من طريقة تفكير و عقيدة تونس كمجموعة بشرية.
للقارئ أن يضيف عشرات الأمثلة أخرى على نفس الوزن من حياته. لا تؤاخذني على اختيار هذه الجرائم بحق مزاجي الشخصي. أنا كاتب هذه السطور و عليك بالمتصالحين المتحاورين الديمقراطيين المتحاذقين (خاصة بقايا اﻹتجاه اﻹسلامي و التجمع مرسكلا كاملا) إن أردت أن يأتيك حديث “تونس الخضراء” و “السعي لمصلحة تونس” و”اﻷمن و اﻷمان”. فأنا لا يأتيني ساعي البريد.
كل تلك اﻷشياء محددة لنفسية اﻹنسان. و السعادة أسمى أهداف التعامل اﻹنساني من التنظم اﻹجتماعي وصولا إلى ممارسة السلطة. فلماذا إذا يتحدث التعساء كثيرا و عن ماذا يتحدثون؟ يظهر المتحاذقون على قنوات الدعارة-صنف-“مش-عيب” و التي تعرف كذلك بالتلفزات التونسية من قبيل تونس7 و افتح الصندوق و عقلك مغلق و سيرين لابسة محزوق إلخ. لكن مؤتمراتهم و برامجهم التلفزية و جامعاتهم و محاكمهم و منظماتهم لا يمكن أن تمحي أن طفلا إسمه خميّس في حي ما في مدينة ما في تونس، سيقضي رعبا ﻷن 5 كلاب سائبة تعيش على فضلات عائلة خميّس نفسه هاجمته ففقد صوابه و أصابه السكري صنف1.
من الجاني و من الضحية بالله عليكم؟ أهو شعب سارق نزق جبان يعشق القذارة أم حكامه و هم منه و عليه، أم هو خميّس نفسه؟ لماذا تسمحون لهم باللغة الخشبية و الكذب عليكم و كأنكم الصم البكم؟ ربما في الحقيقة تعلمون أنكم كلكم متورطون خائضون في الدم الحرام مع أسيادكم (المحتل) و خدم أسيادكم المقربين (من تركهم المحتل للحراسة).
لا مرتشي بدون راش و تأخرنا الجذري عن اﻷمم المتحضرة مرآة لواقعنا و ليس حيفا و كلكم تتذمرون لكن بضاعتكم هي نفسها التي ردت إليكم.
للتذمر أخلاق أيضا: لا يجب أن ينسى الجالسون بالمقهى المرددون لعبارات “هذي بلاد توة!؟” و “بلاد خامجة كلاتها الزبلة بنزرت” و “حتى البحر خامج”، أنه يوجد مسؤول وحيد: نحن.
أرانا نضرب من أجل 30 دينار زيادة وهمية في اﻷجور و لكننا لا نعتصم لتتوقف مجازر المسطحات المائية بتونس من جراء تبرّزنا في نفس مياه شرابنا (طاقات التصريف و المعالجة في تونس شبه منعدمة، أين تضنها ذهبت بعد أن أكملت حاجتك؟). بلاد تتبرز في مشربها، لكنها ديمقراطية.
اﻹنتخابات تؤدي أحيانا إلى غياب الصراحة و الحقيقة عندما تكون التربية اﻹعلامية لعموم المواطنين من عيار “يفتح الستار”. فكلا الشيخين يستطيعان التودد و النفاق و مدح جموع الناخبين، و ذلك بالضبط ما حصل فكانت الساحة السياسية كلها تبّعا. أما الشيخ المتمسك بتلابيب رداء السبسي فقد أبدع في لغة الخشب فردّد “حكومة وحدة وطنية” و ترجمتها بالعامية إستجداء على وزن “براس أمك كرسي والأ 2 “. و بالطبع في السياسة من يستجدي موقعا فهو لا يقدر عليه و لا فائدة من الوصال معه. و بالعامية السبسي “طفّاه صديقوا متع باريس بعدما انتهى المكتوب”.
طالما نكذب سنبقى شعبا خسيسا. طالما الكلمة تقال كيفما اتفق و لا يكون وراءها اﻷشاوس يذودون عنها و يمارسونها سيبقى إعلامنا في واد و شعب القابعين أمام خليفة للفواكه الجافة في واد. طلما لا نتصارح بخورنا فلا سبيل لتصديق كذب اﻹصلاح و السياسيين و المنظمات.
ربما بعض القراء و خاصة من اﻷسلاك التي ذكرتها (كلها بأم عيني و لا مؤاخذة فهذا هو المعيار) سيحسون بالغبن من كلامي. خصوصا أنهم ألفوا كلاما لا يستهوي إلّا الطفل السمين المكتنز. كلام من قبيل: في المؤسسة “ج” اﻷغلبية عمال بارعون و فقط توجد أقلية فاسدة. أو كلام من قبيل و حاشا المخلصين منهم و هم الغالبون عديدا إلخ…
لماذا تتعصبون و تستحيلون قبائل في أعمالكم؟ تلك قبيلة المعلمين و تلك قبيلة المحامين و الكل ينهش المزايا و يحمي منتسبيه حتى/خصوصا في ظلمهم. يا سيدي أو سيدتي، إن كنت تعمل بالبريد أو بالبلدية أو بأي مما ذكرت فلا عارف ﻷفعالك حقيقة إلا أنت و ربك. فإن وجدت كلامي عليك منطبقا فاغضب فأنت مخل و سارق و أتمنى أن تحرك كلماتي بعضا من ضميرك. و أما إن كنت إنسانا أمينا خدوما لبقا فلن تنفعك منّي لغة اﻹعتذارات الخشبية الطفولية من قبيل و حاشا المخلصين منهم. كلّنا كبار و التلهي بالشكل عن المضمون من شيم المومسات.
يقال أن اﻷمور بخواتمها. اليوم كنت بصدد المغادرة عن طريق مطار قرطاج. و قرطاج هذه هي مملكة مضخمة وهمية إستعملها بن علي ثقافيا و هي في الحقيقة مثل اﻹتحاد السوفييتي في زمانها، تبخر زبدها عند ملامسة صخور روما و بان زيف ادعاءات القوة و المنافسة التي لم تكن يوما.
يوجد طقس غريب مريع يمر به كل المغادرون عن طريق مطار قرطاج:
يضطر المسافر إلى شراء طابع جبائي ب60 دينارا أو لا يمر!
حاولت أن أجد وجها لحسن التدبير في هذا اﻵداء التونسي 100% فلم تسعفني إلى صورة “البراكاج”. الدولة التونسية لا يهمها أن تكون خواتم رحلات زائريها و سياحها و مواطنيها بالمسك رمزا لكرم و عدل و شهامة تونس. لا. الدولة التونسية تعلم أنّك كمسافر مجبر على الدفع و لا مفر، فتستغل ذالك إستغلال فاحشا (قارن 60 دينار باﻷجر اﻷدنى مثلا) و تقوم ببراكاج: من يدفع يمر. قلة ذوق فاحشة أن تكون آخر ذكرى لمن يزور تونس براكاج قانوني. هذا اﻹجراء يكاد يصرخ أنه كتب في تونس بعقلية إستغلالية من أمام خليفة الحماص.
بئس ما دبّرتم. و كما أسلفت: تصارحوا بخوركم و لا يغرنكم تحاذق خميّس على التلفاز. فإنك إن قابلت كلاب خميّس و ديكور بلاتو حياته من الزبلة لكان أبلغ من كلماته و كلاماتي.
السلام عليكم،
أتفق معك و أكاد أوقن أن كثيرا من المتذمرين ليل نهار يعلمون جيدا هذا،
و لكن كهروب من المسؤولية يحاول لعب دور الغبي فهذا أنفع، فهو بهذا يتخلص من المسؤولية كليا، ويحافظ على مكاسبه المادية و طريقة عيشه التي هي في أغلبها نتاج المنضومة،
كثيرون يبحث عن الطرق السهلة (ظاهرا) فهم كما يقول المثل الفرنسي “يريد الزبدة و ثمنها”،
يريد كل شيء بدون إستعداده لدفع أي شيء، لذى يذهب لتصديق أنه هو بورقة يمكن أن يقرر مصير،
و يتهمك بالخيانة، نفسه نفس من عاتبك على مشاركة في التحركات و عدم إمكانك تغيير شيء، و أنك تتعب نفسك و أهلك، أمثال هؤلاء من الغباء النقاش معهم لأنه ببساطة يريد تصديق الكذب أو أنه غبي لدرجة لا توصف(رغم أني لا أعتقد في الثانية)
عزيزي المواطن -مع إيقاف التنفيذ، يقول المثل “ليس هناك من هو أكثر صمما من ذلك الذي يرفض الاستماع”. يمنع النفاق والعناد التونسي عامّة من الاعتراف بواقعه السقيم الذي كان هو السبب فيه أساسا. فلا خرف قرطاج أو الشيخ التكتاك أو صانع الصناديق أو حتى صنم الدولة الدكتاتورية الدائم (بورقيبة) نزلوا من المريخ، وإنما هؤلاء نتاج طبيعي ومنتظر لهذا الشعب، وما يحملونه من صفات إيجابية كانت أو سلبية ليس سوى صورة مصغّرة لما يتميّز به المجتمع في عمومه! لكن يرفض الأغلبية الاعتراف بأنّ المشكل الأساسي هو في عقلية، سلوك وقيم هذا الشعب، وأننا ما لم نتجرّأ على محاسبة أنفسنا والنظر إلى صورتنا في مرآة الواقع بكل تفاصيلها والأهم الاعتراف ببشاعتها والعزم على إصلاحها، فلن نتقدّم أبدا قيد أنملة وسنبقى دوما قوما من الهمّج المتخلفين، غير المتحضرين وإن انخرطنا في ثقافة المجتمع الاستهلاكي وتزيّنا بكل بمساحيق الحداثة
وإني أشاطركم الرأي في وصف الدولة التونسية بدولة “البراكاج” بل أذهب إلى أبعد من ذلك بكثير: الدولة التونسية، دولة لصوصيّة مافيوزية إرهابية مارقة. وهذه ليست مبالغة فلقد كانت عبر تاريخها الحديث دولة أوليغارشية مستبدّة تمارس البلطجة، السرقة والتمييز بقوّة الإرهاب البوليسي (وذلك هو السبب الرئيسي لتصادمها من حين لآخر مع بعض الفئات المعدمة هنا وهناك منذ علي بن غذاهم وحتى محمد البوعزيزي). ولكنها رغم ذلك تبقى دولة على صورة السواد الأعظم من رعاياها لأنّ التونسي عامة لا يفكّر إلا في أساليب التحايل على القانون والتحيّل على رزق البيليك حتى في أبسط الأمور. وهو ما جعل صفات “الخبث” و”التكمبين” مصدر فخر واعتزاز في مجتمعنا على عكس مجتمعات أخرى تعتبرها صفات مشينة ومدانة. وهذه المفارقة لوحدها تكشف حجم الأزمة القيميّة التي يعاني منها شعبنا “المسلم ولا يستسلم”! وليس هناك -في تقديري- مقولة تعبّر عن جدلية العلاقة بين دولتنا المارقة وشعبنا المتخلف أكثر صدقا من “كما تكونون يُولّى عليكم”. وحسبنا الله ونعم الوكيل