المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

essebsi-bourguiba-elections

لا ينهك الباجي قائد السبسي مؤسس حزب نداء تونس ورئيسه من إستغلال أسطورة الحبيب بورقيبة ضمن التنافس الشديد حملته للإنتخابات الرئاسية، فالسبسي يسعى لإستحضار روح بورقيبة للتأثير في اللاوعي لدى الناخب وجذب صوته.

يبدو من الضروري وضع هذه الأسطورة في الإعتبار حيث يتم إستعمالها في خطاب السبسي المتضمن لرسائل اقتصر دورها في ممارسة تأثير سياسي فيما دون الوعي لدى الناخب.

الأسطورة السياسية تلعب دورا هاما في إستقطاب قاعدة شعبية تدعم حظوظ الحزب في الظفر بالسلطة، وهي تعرف بإحياء شخصية تاريخية تبث الفخر والإعتزاز في نفوس المؤمنين بها، كما أن رمزيتها تشبع الذاكرة والثقافة الشعبية على غرار الأفلام والمسرحيات والكتب والمعارض والمتاحف التي تساهم في نشرها وتأصلها في أذهان الناس.

لكن للأسف، الأسطورة السياسية تعتمد على التفكير الرمزي لا العقلاني، وبالتالي يضمن رجل السياسة عدم الخوض في الحقائق التاريخية للأسطورة التي ربما تكون قابلة للتأويل والتطور لتتناسب مع مصلحة الحزب أو منافية تماما لما هو شائع بين عامة الناس. الإصرار على تأليه شخصية تاريخية وإستخدامها كأسطورة سياسية يلغي عقلانية الناخب وقراءة التاريخ بعين ناقدة.

الباجي قائد السبسي ينهل من أسطورة الحبيب بورقيبة لأنها تخفي في طياتها خرافة من شأنها أن تؤثر في ذهن الناخب ومن ثم يتحصل على أصوات تؤيده دون تفكير سليم ودليل حقيقي على إستحقاقه لمنصب رئيس الدولة التونسية.

وغالبا ما يتم التطابق بين مصطلح “الأسطورة” و “الخرافة” خاصة أن ثقافتنا الشعبية تزخر بالخرافات، فئات عديدة من الشعب تقع تحت الوقع الخرافي للأسطورة دون التحقق من صحتها أو البت فيها، ومع فشل حكم حركة النهضة المراهقة سياسيا المصحوبة بمعارضة وديعة طيلة ثلاث سنوات نستخلص أن الناخبين مهيئين لاحتضان أسطورة بورقيبة الوهمية التي تلب حاجاتهم النفسية …هذا ما يهيئ لهم مؤقتا.

فالسبسي لا يكتفي بالإدعاء أنه يعيش في جلباب بورقيبة بل ينصرف لتقليده في حركاته وإستعمال كلماته الطنانة في خطابه فهو أشبه بالدجال الذي يبهر الناخب بشعوذة سياسية تحي العظام وهي رميم. يحاول السبسي تقمص شخصية بورقيبة سعيا منه لإحياءه في نفوس الناخبين، إذا هو يراهن على رمزية بورقيبة ليوهم الناخب أنه إمتداد له.

هكذا يتم اللجوء للأسطورة السياسية لتجميع أصوات الناخبين حيث يكون الرهان على التفكير الرمزي لدى الناخب الذي يعلق آماله المستقبلية على رمز من التاريخ وجب التمعن في فترة حكمه الملغمة بالدكتاتورية والتعذيب والتنكيل بالمعارضين وتهميش المناطق الداخلية ووهن الخيارات الإقتصادية ونشأة المركزية … لكن السبسي يتجاهل حقائق الأمور ويكتفي بإستنزاف عقيدة بورقيبية لدى الشعب التونسي من شأنها أن تستثمر في تعبيد الطريق للرئاسة وسوف يتشبث بأسطورة بورقيبة لأنها تمثل درع يحمي جميع الأبناء الضالين للحبيب بورقيبة المنتمين لحزب نداء تونس.

الناخب الذي يمكنه أن يصوت وفق ما يؤمن ويعتقد في تجلي حصري للزعيم المنقذ في ذهنه لا ينتظر منه أن يشكك في تاريخ الحبيب بورقيبة والباجي قائد السبسي فهو يقبع تحت وقع رواسب كساد فكري متعاقب منذ عشرات السنين لم تنجح الثورة في محوها بل أضافت شوائب فكرية متزامنة مع عودة حاشية بن علي ليشوهوا المشهد السياسي من جديد وهذا من شأنه أن يؤكد إجهاض الثورة التونسية.

من الإجحاف أن ننكر إنجازات الحبيب بورقيبة فقد ثابر على بناء دولة ظاهرها حداثة و باطنها دكتاتورية. أسطورة بورقيبة تبهر الناخبين بجاذبيتها المغرية وتخفي قبحها المنفر الذي لا يلحظه إلا قلة من العقلانيين. من الدهاء السياسي أن يتخذه الباجي القائد السبسي كمرجعية لإحياءه في نفوس التونسيين الذين سوف يصوتون للأب الروحي من منظور لاوعيهم.