elections-tunisie-monitoring-ong

ترافق المسار الثوري في تونس مع تخلّص منظمات المجتمع المدني من القيود القانونية والرقابة التي سلّطها عليها النظام السابق. فبعد تغيّر الواقع السياسي إثر ثورة 17 ديسمبر 2010 تحوّل المجتمع المدني إلى طرف مهمّ في الحياة السياسية حيث اتّخذ النشاط المدني والحقوقي عدة أوجه من أهمّها الدور الرقابي، مما جعل مساهمته في كتابة الدستور وفي صياغة عدد من القوانين فاعلة. ونظرا لهامش الحرية الذي حصلت عليه منظمات المجتمع المدني وأهمية نشاطها وحساسية المواضيع التي تعمل عليها فقد تحولت شيئا فشيئا إلى قوة ضغط نجحت في التنسيق مع المواطن وإيصال صوته إلى أصحاب القرار.

وقد لعبت منظمات المجتمع المدني خلال انتخابات 2011 دورا هاما في ملاحظة سير العملية الإنتخابية رغم أن تجربتها في هذا المجال كانت آنذاك محدودة. وقد ساهم عدد كبير من المراقبين الدوليين والتونسيين خلال انتخابات 2011 في توعية المواطنين بأهمية المشاركة في عملية الإقتراع وكيفيتها والتصدي لمحاولات الغش والتلاعب بالأصوات وتجاوز قانون الحملة الإنتخابية واستخدام المال السياسي. كما كان لهذه المنظّمات دورا هاما في نشر الوعي لدى شريحة هامة من التونسيين في اختيار ممثليهم بالمجلس التأسيسي. هذا بالإضافة إلى اعتماد عدد هام من الشبان التونسيين في عملية مراقبة العملية الإنتخابية وتدريبهم على آليات المراقبة ودمجهم في العمل الجمعياتي الرقابي وتأطيرهم للمناسبات الإنتخابية القادمة.

و تميّز عمل هذه المنظّمات والتي أصبحت معروفة وطنيا ودوليا بالجدية في تطبيق المشاريع الخاصة بمراقبة الإنتخابات وفي العمل الميداني والتواصل مع المواطنين وفي التنسيق مع هيئة الإنتخابات في إطار ما تخوله لها صلاحياتها. وقد نجحت هذه المنظمات في إبراز أهمية الإنتخابات وضرورة المحافظة على نزاهتها وشفافيتها من خلال الظهور الإعلامي للمشرفين عليها وكشفهم لكلّ الإخلالات التي تشوب عمل هيئة الإنتخابات. وقد تحوّل العمل الجمعياتي المختص في مراقبة الإنتخابات إلى شبه منافسة بين المنظمات المعنية حيث قدّمت مؤخرا عديد المنظمات مشاريع مختلفة ومتطورة من أجل إنجاح الإنتخابات القادمة. ولئن عملت كل الجمعيات على التعريف بمشاريعها إعلاميا إلا أن أغلبها عملت على التكتّم حول مصادر تمويل هذه المشاريع وقيمتها الماديّة رغم أهمية هذه النقطة في تحديد نزاهة المنظمات المذكورة من عدمها.

آلاف المراقبين ومشاريع حديثة على ذمة الإنتخابات

من أهمّ المنظمات التي تخصّصت في مراقبة الإنتخابات منذ صياغة القانون الإنتخابي إلى يومنا هذا نذكر منظمة “عتيد” ، “مراقبون“، “مرصد شاهد” و“أنا يقظ”. هذه الجمعيات سجّلت حضورها في المسار الإنتخابي من خلال تقديمها لمشاريع للقانون الإنتخابي والتي تمّ اعتمادها من طرف المجلس التأسيسي في صياغة القانون الإنتخابي الحالي. وقد عملت هذه الجمعيات منذ مدّة على تطوير مشاريعها بخصوص مراقبة الإنتخابات وعلى مضاعفة عدد الملاحظين الذين ستعتمدهم خلال أيام الإقتراع والفرز.

بخصوص مسألة اعتماد الملاحظين أكّد عضو شبكة مراقبون أنيس السّمعلي لنواة أنّ أكثر من 4000 ملاحظ تابعون لمراقبون من جميع الفئات العمرية سيتوزعون يوم الإقتراع وأيام الفرز على 4833 مكتب اقتراع ب 27 دائرة انتخابية بالداخل والخارج. كما صرّح السّمعلي أن مراقبون ستعتمد خلال الإنتخابات القادمة تقنية جديدة تتمثّل في نظام الخارطة الرّقميّة. وسيؤمن هذا المشروع قرابة 100 شاب وشابة باعتماد تكنولوجيا متطوّرة، مضيفا أن الشبكة تضع على ذمة تونس خبراتها البشريّة في هذا المجال. وكان منسق شبكة مراقبون رفيق الحلواني، قد أكّد من خلال عرضه للطرق التقنية والإعلامية للخارطة الرقمية خلال ندوة صحفية نظمتها الشبكة، على أن المشروع سيساعد الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات على توزيع مراكز الاقتراع مع الأخذ بعين الإعتبار المعطيات الجغرافية والمسافة بين المجموعة السكانية إلى جانب الإعداد اللوجستي ليوم الإقتراع وتخصيص الموارد البشرية الكفيلة بإدارة الإنتخابات المقبلة. هذه الخارطة الرقمية لا تعد أداة عملية للهيئة فحسب بل أيضا ستمكن منظمات المجتمع المدني والأطراف ذات العلاقة بالمسار الإنتخابي من الحصول على معطيات جغرافية ستساعدهم على التنسيق فيما بينهم وترشيد عملية المراقبة والملاحظة وتجنب تمركز كثيف للمراقبين بمكاتب اقتراع على حساب أخرى.

وتعتبر جمعية “عتيد” لمراقبة الإنتخابات من أهم المنظمات الناشطة في مجال مراقبة المسار الإنتخابي وحتى السياسي في البلاد. وقد عرفت عتيد بتصدّيها لجملة من القرارات التي اتخذها المجلس التأسيسي بخصوص القانون الإنتخابي حيث كان عدد من أعضاء الجمعية حاضرين في جلسات استماع مكثفة بالمجلس التأسيسي لتقديم مقاربات الجمعية بخصوص عدد من المسائل القانونية والدستورية الخاصة بالإنتخابات. وحسب تصريحات إعلامية لأعضاء “عتيد” فإنّ الجمعية شرعت في استغلال نظامها الخاصّ للملاحظة الّذي تمّ تطويره من قبل كفاءات تونسيّة و يقع تسييره انطلاقا من مكتب الجمعيّة بتونس العاصمة. وقد صرّح معزّ بوراوي، رئيس الجمعيّة التّونسيّة من أجل نزاهة و ديمقراطيّة الإنتخابات “عتيد” أن “نظام الجمعيّة الخاصّ لملاحظة الإنتخابات يمكّن من نشر و تسيير شبكة هامّة من الملاحظين في تونس و الخارج الّذين تمّ تكوينهم من قبل خبراء الجمعيّة و بعض الأخصّائيين التّونسيّين و الدّوليّين إلى جانب إرساء جهاز متطوّر للإتّصالات بمقرّ الجمعيّة من أجل جمع المعلومات و تحليلها”. و ستغطّي شبكة “عتيد” 27 دائرة انتخابية (من جملة 33) ممّا يتيح لها معاينة سير العمليّة الإنتخابية عن قرب و ملاحظة الخروقات أو السّلبيات أو التأثيرات إن وجدت. وتوفّر الشّبكة عددا هامّا من الملاحظين، يقاربون ال2000 ملاحظ في تونس و 100 في الخارج.

من جهتها أعلنت منظمة “أنا يقظ” عن إطلاقها لمشروع جديد خاص بالإنتخابات القادمة والذي سيعمل على إنجاحه أكثر من 1000 ملاحظ في 24 ولاية مقسّمة إلى 6 أقاليم. وقد كشف رئيس المنظمة أشرف العوادي، خلال ندوة صحفية، أن منهجية المراقبة ستعتمد على تقسيم الـ 24 ولاية إلى 6 أقاليم رئيسية وأن المنسق الإقليمي سيشرف على كل إقليم اضافة لنشر 27 ملاحظا على المدى الطويل في 27 دائرة انتخابية، ثم المرور إلى نشر أكثر من 1000 ملاحظ يوم الإقتراع الخاص بالإنتخابات التشريعية والرئاسية موضحا أن العملية تهدف بالأساس إلى القضاء على مركزية الإنتخابات.

وأضاف العوادي أن المنظمة المعنية ستقوم كذلك بمراقبة سير عملية الاقتراع والمراقبة داخل وخارج مراكز الاقتراع ابتداءا من ساعة الفتح إلى الإغلاق إضافة إلى مراقبة حياد أعضاء الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات المشرفة عليه مؤكدا أن ملاحظي منظمة “انا يقظ” سيراقبون كذلك عملية الفرز وإعلان النتائج. ولن يقتصر عمل منظمة أنا يقظ على مراقبة سير الإنتخابات فقط بل وسيراقب كذلك مردود كل من الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والأحزاب السياسية خصوصا يوم الإنتخاب إلى حين الإعلان النهائي عن النتائج بكلّ مراحلها.

كما قامت المنظّمة بإطلاق البوابة الالكترونية المخصصة لتدريب وتكوين الملاحظين المحليين الكترونيا وهي البوابة الأولى من نوعها في العالم المختصة في هذه المسألة، وتحتوي على تقنيات وأدوات بيداغوجية تسمح بمزيد تشريك المواطن في العملية الإنتخابية ومن شأنها أن تجعل عملية المراقبة أسهل واقل تكلفة و ربحا للوقت.

ويسعى “مرصد شاهد لمراقبة الإنتخابات” إلى تكوين 5000 ملاحظ لمراقبة الإنتخابات غير أنّ الملفات التي تمت المصادقة عليها لم تتجاوز 2000 إلى حد كتابة هذه الأسطر. وقد أكدت رئيسة المرصد ليلى بحرية في تصريح لنواة أنّ “عمل الملاحظين سيشمل مراقبة الحملة الإنتخابية في جانبها المالي والإعلامي ومواكبة عملية الفرز والنّتائج الأولية والطّعون المقدّمة. ويعمل مرصد شاهد على تنظيم حملات تحسيسية يلتقي فيها مباشرة مع المواطنين من اجل التحسيس بأهمية الإقتراع والمساهمة في جعل نسبة العزوف على الإنتخاب في حدّها الادنى.

وكان مرصد شاهد قد كشف عملية تزوير التزكيات الرئاسية التي أحدثت جدلا كبيرا في الأسابيع الفارطة بعد تفطن أعضاء المرصد إلى وجود إخلالات في أرقام بطاقات تعريف وهويات المزكين مما انجرّ عنه مراجعة الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات لهذه القائمات واعترافها بوجود تزوير وتعهدها بمتابعة الفاعلين.

هذا وقد تمّ الإعلان مؤخّرا عن تكوين جبهة شباب داعم للديمقراطية تضم خمس جمعيات من أجل ترسيخ المشاركة الفاعلة للشباب التونسي في الإنتخابات وتفعيل دوره على الساحة السياسية. ومن بين مكونات هذه الجبهة نذكر الإتحاد العام التونسي للطلبة وشبكة الديمقراطيين بالعالم العربي (فرع تونس) ومنظمة الشباب التونسي وجمعية الشباب القيادي. كما عرفت الولايات الكبرى بتونس إطلاق مشاريع مختلفة لمراقبة الإنتخابات.

من أجل مراقبة “شفّافة” لشفافية الإنتخابات

آلاف الملاحظين من تونس والخارج وعشرات المشاريع والإجراءات سيتم تخصيصها من أجل مراقبة الإنتخابات وهو تقليد اتبعته كل الدول الديمقراطية من أجل ضمان سير الإنتخابات التشريعية والرّئاسية في إطار الشفافية. وكما هو معلوم فإن عمل الجمعيات وتحركاتها الميدانية، خصوصا بهذا العدد الهام من الملاحظين الذين سيتم اعتمادهم، يتطلّب توفير مصاريف ومعدات لوجستية وتكاليف تنقل وغيرها من المستلزمات المادية. وفي محاولة فهمها لمصادر تمويل الجمعيات المراقبة للإنتخابات اصطدمت نواة بردود بعض مسؤولي هذه المنظمات المتجاهلة لهذا السؤال.

ففي حين أكد رئيس جمعية عتيد معز البوراوي لنواة أنّ مشاغله الكثيرة تمنعه من الإجابة عن تساؤلات نواة، قال المسؤول بشبكة مراقبون أنيس السّمعلي أنّ الأمور المالية للشبكة تدخل في إطار عمل المسؤول المالي وأنه غير مخوّل للإجابة عن تساؤلات حول المبالغ المرصودة لمراقبة الإنتخابات من طرف الشبكة. هذا في حين أكد السمعلي أن مصادر تمويل الشبكة تتأتى من مساعدات ترصدها منظمات عالمية مهتمة بدعم الديمقراطية.

وتحدّث المدير التنفيذي لمرصد شاهد الناصر الهرابي عن عدم قدرة مرصد شاهد على مجاراة بقية المنظمات الرقابية في الحصول على التمويلات الكافية موضحا أن المرصد يعتمد أولا على الطاقات البشرية لمنظوريه ورغبتهم في العمل التطوعي من أجل الصالح العام. كما صرّح أن المرصد تمكّن مؤخّرا من توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مما سيقدم للمرصد الدعم المادي واللوجستي، كما أن الامتداد الجغرافي للإتّحاد سيمكّن المرصد من توفير الموارد البشرية للمشاركة في مراقبة الإنتخابات في كل الجهات.

هذا التكتم على مصادر تمويل الجمعيات المهتمة بمراقبة الإنتخابات وحجم المبالغ المخصصة لمراقبة الإنتخابات، يحرم المواطن من الإطلاع على معلومة يحتاجها لفهم آليات ضبط مراقبة الإنتخابات، كما أنه يثير الشكوك حول شفافية عملية تمويل هذه الجمعيات وكيفية صرف المبالغ المتحصل عليها ومصادرها. فهل ستقوم هذه الجمعيات التي تسعى لكشف حسابات الأحزاب ومراقبة تمويلها إلى تقديم كشوفات تمويلها للرّأي العام إثر انتهاء الإنتخابات؟ هذا السؤال ستعود نواة لطرحه على الجمعيات المعنية إثر انتهاء مهامها في مراقبة الإنتخابات.