بقلم صفاء متاع الله،
انطلقت يوم 7 أوت الجاري فعاليات الدورة 40 للمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمدينة قربة. دورة تزامنت مع احتفال جمعية المهرجان بخمسينيتها حيث ضربت منذ عشرات السنوات موعدا للمسرحيين الهواة وللمواكبين ومتساكني قربة موعدا مع المسرح وخلقت مدرسة مرّ عبرها أجيال من ابرز الممثلين اليوم على الساحة المسرحية.
ولئن تميّزت هذه الدورة بأجواء هادئة عموما مقابل التوتر الذي ساد الدورة السابقة فإنّ الجمعية التي كان من المفترض أن تنطلق في الإحتفال بخمسينيّتها منذ بداية الشهر الجاري تخلّت عن برمجتها التي خصت بها شوارع مدينة قربة نظرا للعوامل المادية التي باتت الغول الذي يهدد سيرورة العمل الثقافي بما فيه من تطوير لآليات التصور والإعداد لكل المهرجانات العريقة والحديثة العهد في تونس.
برمجة الدورة: بين الواقع والمنشود
عندما اطلعنا في البداية على برمجة الدورة ال40 للمهرجان الوطني لمسرح الهواة بقربة، وجدناه يزخر بعديد العروض الموازية والتي كان من المفترض أن تقام في الساحات الكبرى بالمدينة من أجل مسرح للجميع وتنشيط الطرقات وإعادة همزة الوصل بين المواطن والمسرح على غرار عرض “تانادرت” (مشروع تخرج المعهد العالي للمسرح) والذي كان سيقام يوم 9 أوت بشاطئ قربة والذي تم إلغاؤه نظرا لعدم قدرة إدارة المهرجان على توفير الإمكانيات المطلوبة لتقديم العرض بسبب ضعف الميزانية. كما اضطرت إدارة المهرجان إلى التخلي عن برمجة تنشيط الشوارع لنفس السبب وتأجيلها إلى عطلة ديسمبر القادم أو ربيع 2015 إضافة إلى التكريمات التي سيخص بها المهرجان كل المشجعين له والذين دعموه منذ انطلاقه على غرار وزارة الثقافة السابق في عهدي السيد بشير بن سلامة والسيد الشاذلي القليبي.
أمين مال المهرجان السيد كمال الدّعاش حدّثنا عن المقترحات التي تقدم بها أعضاء الجمعية والمهتمين بالشأن المسرحي بصفة عامة حول الإحتفال بخمسينية الجمعية وأشار إلى أنّ المسؤولين عن المهرجان والمناصرين له لا تعوزهم الكفاءة ولا الخبرة في إدارة أكبر مهرجان مختص في مسرح الهواة في تونس، لكنّ العائق الحقيقيّ الذي حال بينهم وبين إنجاز تصوراتهم وحتى دفعهم إلى التخلي على جانب من البرمجة رغم الإعلان عنها هو العائق المادي. فوزارة الثقافة دعّمت المهرجان بعشرين ألف دينار ذهب 80 بالمائة من المبلغ إلى استخلاص معاليم إقامة المشاركين والمواكبين للمهرجان في حين بقي النزر القليل منه لتسيير فعاليات التظاهرة. كما قال أمين المال أنّ إدارة المهرجان قد حصلت على وعود بتمويل الدورة من المندوبية الجهوية للثقافة بنابل وبلدية قربة والولاية لكن إلى هذه الساعة ورغم انطلاق فعاليات المهرجان إلا انّهم لم يحصلوا بعد على أيّ من هذه المبالغ.
كما أشار السيد كمال الدعاش إلى انّ المنشور الذي أصدرته وزارة الثقافة مؤخرا، والذي يخص قانون الجمعيات، حيث لا يمكن لأي جمعية الحصول على الدعم من الوزارة وفروعها في نفس الوقت فإن تمكنت إدارة المهرجان من الحصول على الدعم من الوزارة لا يحق لها الحصول على دعم آخر من المندوبية الثقافية للجهة، وعليه أخبرنا السيد الدعاش أنّ إدارة المهرجان قررت توزيع مطالبها على المؤسسات المعنية بالتمويل كالآتي: قدمت إدارة المهرجان مشروع الدورة إلى وزارة الثقافة ومشروع خمسينية المهرجان إلى المندوبية الجهوية للثقافة ومشروع تنشيط المدينة والذي من المفترض أن تذهب مداخيله إلى تنشيط الشوارع من خلال العروض الموازية إلى البلدية.
الأيام الأولى من المهرجان
شهدت الأيام الأولى من المهرجان انطلاق العروض المسرحية المدرجة ضمن المسابقة الوطنية إضافة إلى انطلاق تربص حول مسرح الدعاية و التحريض بتأطير الفنان فتحي العكرمي.
بالنسبة إلى الجمهور ورغم أنّ عدده قد انخفض مقارنة بالدورة السابقة والتي سبقتها إلا أنّ مسرح الهواء الطلق بقربة كان شبه ممتلئ بالمتابعين للعروض التي شدّتهم، وهو ما يُبقي الأمل في أنّ للفن مكانا في قلوبنا وحياتنا رغم الفترة الحرجة التي تمرّ بها تونس.
على هامش المهرجان: قوس تفتحه لجنة التحكيم
على هامش المهرجان كان لـ”نواة” لقاء بأعضاء لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الوطنية وهم كل من المخرج المسرحي سامي نصري والممثلة دليلة مفتاحي والباحث والناقد المسرحي الحبيب المبروكي. أسئلتنا الموجهة إليهم ركزت في الإجمال على المهرجان في دورته الأربعين ومردود المسرحيين الهواة المشاركين ونوعية العروض المقدمة فكانت إجاباتهم كالآتي:
لقد زرت المهرجان سنة 1982 وكان الجمهور المتابع للعروض أكبر بكثير من اليوم حيث كان يضطر أغلبهم إلى متابعة العرض مستندين إلى الحائط أو جالسين على الأرض، وهذا وإن دلّ على شيء فعلى حب الناس للمسرح. انا حزينة اليوم لأنّ الجمهور قد تراجع عدده ورغم ذلك فإنّ عودتي مجددا إلى هذا المهرجان أعادتني إلى تلك الأيام الجميلة.
دليلة مفتاحي: أنا حزينة لتراجع عدد الجمهور
إنّ الإيجابيّ في هذه الدورة هو خروج المسرحيين الهواة عن النمطية في العروض فهناك اختلاف بين الأعمال المقدمة كل منها ذهب إلى مدرسة وهو ما يدل على أنّ الشباب بصدد البحث والتجريب وهذا يصب مباشرة في خانة تطوير قدراته على الإبداع وشق الطريق نحو الحرفية. إنّ دور المسرح هو تأصيل المنابع التي تأتي منها التجارب لكنّ الذي لاحظته بصفة عامة سواء من خلال الاعمال المقدمة في المهرجان أو خارجه أنّ مسرح الهواة يعاني من نقص في تقنيات الكتابة والتعبير نتيجة انعدام التأطير والإطلاع وعدم الرغبة في التعلم. إنّ مسرح الهواية هو روح المسرح وفي تطوره تطور للمسرح المحترف. ومن خلال تجربتي أرى أنّ تونس تزخر بالطاقات في هذا المجال لكنّها مهمشة وتفتقر إلى التأطير إضافة إلى غياب الارضية التي تسمح للشباب بالكشف عن طاقاتهم الإبداعية.
أمّا بالنسبة لهذه الدورة فإنّي أعتقد أنّ إدارة المهرجان كان يمكن لها أن تنظم دورة أفضل من التي نواكبها الآن بكثير وأعتقد أنّ الوقت قد حان لتطوير آليات عملنا في هذا المجال. ففي اعتقادي هذه الدورة لم تضف شيئا مقارنة بالدورات السابقة. وقد يكون التمويل هو السبب لكن على المشرفين على المهرجانات الخاصة بهذا الفن أن يكونوا أكثر راديكالية في التعامل مع هذه المسألة. فمن المفترض أن نسعى إلى التطور في منتجنا لا إلى التراجع. إنّ الرضى بميزانية ضعيفة هو الخطوة الأولى نحو الحضيض.سامي نصري: على المشرفين على المهرجانات أن يكونوا اكثر راديكالية في مسألة التمويل
ظروف هذه الدورة إجمالا كانت طيبة. هناك التزام بتوقيت العروض لكن بعد الدورة 40 أعتقد أنّه على الدورات القادمة أن تكون أكثر نضجا وعلى إدارة المهرجان أن تسعى إلى خلق أجواء جديدة وتضيف الحركية أكثر على أيامه. أقترح مثلا أن يتمّ التقليص في عدد أيام المهرجان من عشرة أيام إلى أسبوع واحد مع برنامج مكثف ومتنوع كما أقترح أن يتم استدعاء فرق أجنبية من المسرح الهاوي حتى يتسنى للمشاركين ومواكبي الدورة الإطلاع على تجارب أخرى أجنبية وهذا قد يساهم في انفتاح آفاق تطلعاتهم وسيكون له بالتأكيد تأثير على نظرتهم للمسرح وللعمل المسرحي. وأنا أعتقد أنّ الإشكالات التي يعاني منها هذا المهرجان سواء من ناحية التصور والإجراء أو من ناحية العروض المشاركة يمكن أن تنسحب على المشهد بأكمله فالمسرح الحقيقي اليوم آيل إلى الانقراض جراء التهميش وحتى ننقذ المسرح لا بد لنا من مراجعة سياساتنا الثقافية التي تتطلب تغييرا جذريا يكون المسرح من أهم أركانها.
الحبيب المبروكي: المسرح الحقيقي في تونس آيل إلى الزوال
بين النقد لبرمجة الدورة واستحسان تنوع تجارب المسرحيين الهواة، تتواصل فعاليات الدورة 40 من المهرجان الوطني لمسرح الهواة والذي سيختتم يوم 16 أوت الجاري. إنّ هذا المهرجان ليس الوحيد الذي يتعرض للنقد بسبب ضعف ميزانيته التي حدت من رغبة إدارته في الدفع قدما ببرمجته وإضفاء طابع جديد عليه. كما أنه يواجه اليوم تهديدا بزواله إذا ما لم تفي الجهات الرسمية بوعودها في التمويل. ورغم ذلك لا يمكن لما سبق أن ينفي مجهود إدارة المهرجان التي اعتمدت على الطاقات البشرية لتوفر على الأقل استقبالا طيبا للمشاركين والمواكبين والحرص على ضمان سيرورة فعاليات المهرجان في ظروف طيبة.
iThere are no comments
Add yours