anc-tunisie-terrorisme-loi

بقلم احمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء،

ربما يبدو هذا الموضوع في السياق الذي نعيشه من الإشكالات البارزة التي تواجهنا خصوصا بعد القرارات الأخيرة لرئاسة الحكومة التي اتخذت على إثر العملية الإرهابية بجبل الشعانبي وما خلفته من خسائر فادحة في صفوف الجيش الوطني. ومن الأكيد أن عددا كبيرا قد رأى في تلك الإجراءات ردا ضروريا و مطلوبا لمقاومة المظاهر المشجعة على الإرهاب و التصدي لدعوات العنف و التكفير التي تغذي الأنشطة الإرهابية.

ولكي نتجنب منذ البداية كل التباس بشأن الحديث عن الحدود القانونية للإجراءات التي سنتها الحكومة من الواجب التأكيد بأن تلك القرارات الحكومية – التي تضمنت الإيقاف و الغلق وتقييد حرية التعبير – يمكن احتمالا تفهمها إذا كان من الثابت يقينا انطباقها على الأشخاص و المؤسسات التي لا شك في ارتباطها بالشبكات الإرهابية لكن الأمر في الواقع على خلاف ذلك بالنظر الى أن انطباقها يشمل الأشخاص أو المؤسسات “المشتبه” في مشاركتهم أو مشاركتها في الأنشطة الإرهابية أو تعاونهم مع الإرهابيين.

ولهذا السبب وبهدف ان تتم مكافحة الإرهاب بصفة ناجعة كان من الضروري التفكير حول السبل الملائمة لمطابقة التدابير المتخذة في هذا الشأن مع مقتضيات دولة القانون. فلا مجال بطبيعة الحال لأي تبرير يضفي مشروعية على الإرهاب أو يعطي الحق لأي كان لقتل الأبرياء.

فمن الواضح أن الإرهاب لا يخدم أية قضية مهما كان وزنها أو موقعها بل يعمد الى تلطيخها و الإساءة إليها.

إلا أن آفة الإرهاب – وإن كانت تستدعي ردا صارما لا يقبل المهادنة- فلا يجب أن يكون هذا الرد عاطفيا بل يقتضي الحال أن يكون متعقلا. ومعنى ذلك أن ما تدفع إليه العمليات الإرهابية من غضب و خوف وشعور بالعجز لا يجب ان يمنعنا من التفكير السليم. وإضافة لذلك فمن الوهم أن نعتقد أن القوة العسكرية يمكن لها وحدها أن تقضي على الإرهاب. فالإعتماد على القوة يمكن في بعض الحالات أن يكون الحل الوحيد لتحييد المجموعات الإرهابية لكن ليس بإمكان تلك القوة بمفردها القضاء على الإرهاب.

وعلى هذا الإعتبار فإن مكافحة الإرهاب لا يجب أن تنفصل عن عنصر ضروري وهو احترام حقوق الإنسان.

فلا يجب مطلقا ونحن نقاوم الإرهابيين أن تهن عزائمنا فيدفعنا ذلك إلى محاكاتهم. ولهذا السبب كان من واجب الدولة أن تسهر على احترام الحدود القانونية التي تفرضها المعايير الدولية والقيم الديمقراطية التي نسعى إلى ترسيخها.

فلا يجب ان يغيب عن نظرنا ان المجموعات الإرهابية يمكن ان تحقق” انتصارات”- لا قدر الله -إذا ما عمدت الحكومات- في ردها على أعمال العنف و الإرهاب – إلى تجاوز سلطاتها القانونية و الإعتداء على الكرامة البشرية و الحريات الشخصية. فمثل هذه التجاوزات و الإعتداءات لا تصطبغ فقط بعدم الشرعية بل يمكن استغلالها من قبل الإرهابيين أنفسهم وذلك بمساعدتهم على استقطاب مؤيدين جدد وإشاعة اجواء العنف و الترهيب.

وبناء على ذلك فلا يمكن التضحية بحقوق الإنسان تحت عنوان مكافحة الإرهاب خلافا لما يعتقده عدد كبير من المثقفين و الناشطين بالمجتمع المدني. كما لا يمكن التسليم بأن الدفاع عن حقوق الإنسان يتناقض مع مقاومة الإرهاب. فعلى خلاف ذلك يبقى المبدأ الجوهري المتعلق باحترام كرامة كل شخص – إضافة إلى الضمانات المتصلة بالحريات – أحد الأسلحة الأكثر قوة لمكافحة الإرهاب.

ولهذا فإن الدفاع عن حقوق الإنسان والسعي إلى احترامها وتطبيق المعايير الدولية في هذا الشان يجب ان تبقى الأركان الأساسية لمجابهة الإرهاب .

باردو في 23 جويلية 2014