المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

Idrissa et ses compatriotes, qui habitent dans la même tente, se sont cotisés pour acheter un réchaud en ville, pour pouvoir cuisiner la nourriture distribuée par le UNHCHR. Crédit photo : Sana Sbouai | www.nawaat.org

سادتي المحترمين،

هل أنتم فعلا محترمين ؟

أو بالأحرى، هل يستحقّ السياسيّون، أنتم أو غيركم، الاحترام؟ لا يخفى على الذي يتمعّن في الملاحظة، أنّ السياسة منذ عقود، ليست سوى مومس رأس المال و الاستيلاء على الطاقات الطبيعيّة و البشريّة. اليمين و اليسار، الديمقراطيّة و الدكتاتوريّة، الشرق و الغرب، الكلّ يخضع لقانون الغابة المعاصر، أي قانون السوق. يبعد السوق هذا كلّ البعد عن “سوق ليبيا” رحمه اللّه أو “سوق الأحد” المليئان بالعطور و الحياة و الألوان. إنّه سوق شرس و عدميّ تحتكر فيه أقلّيّة (أنتم في خدمتها) ثروات الجميع.

تكفي ثروات الكرة الأرضيّة لإطعام ثلاثة أضعاف سكّانها في الوقت الذي يموت الآلاف يوميّا من الجوع و آلاف أخرى يعانون من سوء تغذية فادحة. في قانون السوق هذا، تضعكم الأقلية المحتكرة بينها و بيننا. بمعنى آخر، أنتم كلاب حراستها. فتبيعون الأوهام و تتوعّدون فتح أبواب الجنّة (بالمعنى المجازي و أحيانا حتّى الحرفي). إن رفضنا أوهامكم و وعودكم، تبعثون قواتكم المسلّحة من بوليس و جيش و ميليشيات لإبادة الحرّية التي تعترينا.

فهل أنتم فعلا محترمين ؟

لكنّي أثرثر. الأمر هو أنّكم بينما تمضون على ديون فاحشة سيسدّدها الأكثر فقرا وبينما تبيعون الأراضي للطّامة والعامة وبينما أنتم فوق كراسي كنتم لها مستأجرين فأصبحتم بسحر الشّرعيّة مالكين، هناك مئتين وإثنى عشرة شخصا منهم أطفال و نساء ملقون في صحراء البلاد التي تدّعون أنّكم تحكمون. هؤلاء اللاّجئين الذين كان لهم أقلّ من الأدنى الحيوي لم يعد لديهم شيء. لم يكن لديهم سوى مخيّم الشوشة فأخذتموه منهم.

فهل أنتم فعلا محترمين ؟

لا يهمّني عجز المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تركت هؤلاء بين أيديكم القذرة. لا تهمّني تلك الدول التي تعطي دروسا في الديمقراطيّة و حقوق الإنسان بينما تمنع حرّيّة التنقّل و تهين الأجانب و تحتقر الغجر و ترفض اللّجوء لهؤلاء. تواجد اللاّجئين في الشوشة واقع. و بالرّغم من أنّه أشبه بالخيال، فإنّكم بالفعل من لهم واجب الاعتناء بهم. فهل أنتم بفاعلين ؟ أم أنّكم ذباب تتغذّى فقط من الفضلات و الغائط و الجثث ؟

أين أنتم من الإيمان الذي تدّعون؟

أضعف الإيمان، في بداية هذا الشهر الذي تتبرّجون فيه بتديّنكم الملطّخ بالدماء، هذا الشهر الذي تلتحفون فيه بأبهى أزياء نفاقكم، هو أن تتحمّلوا مسؤوليّاتكم تجاه من شرّدوا و سجنوا في الخلاء. لكن لا عيب عليكم فلستم إلاّ مظهر من مظاهر الدعارة الإسلامويّة. لا داعي لذكر من لا يستحقّ الذكر، ذلك الذي وضعتموه على رأس شؤونكم الدينيّة، أو بالأحرى شؤونكم الفاشيّة. هذا الرهط الذي يسمح لنفسه بأمر غلق المقاهي و المطاعم طوال شهر النفاق خلافا للقانون و خلافا لما يرد في مسودّتكم السوداء.

طبيعيّ أن لا يتفوّه بكلمة عن لاجئي الشوشة فالأطفال التي تموت عطشا في الصحراء ليست من شؤون دينكم. طبيعيّ أن لا تتفوّهوا بكلمة من أجل لاجئي الشوشة فبما أنّهم من دول ليست لسادتكم، يمكنهم أن يموتوا جوعا. طبيعيّ أن لا تنظروا ولو لوهلة إلى لاجئي الشوشة بما أنّكم حقّقتم طموحكم الوحيد وهو السلطة فبالتّالي يمكنهم أن يموتوا بعيدا عن الأنظار.
.طبيعيّ أن لا يتحرّك لكم ساكن فإيمانكم راكع للقويّ و حاقد على ضعيف

أين أنتم من الثورة التي بها تهلّلون و تكبّرون و أنتم في الحقيقة قتلتمون و لجثّتها ناكحون ؟

كم من مرّة عنّف جرحاها و عائلات شهدائها في بهو وزارة حقوق الإنسان و في ساحة الحكومة بالقصبة و غيرها من الأماكن؟ كم من شاب حوكم أو لا يزال و كم عددهم أولائك الذين هم في السّجن لأنّهم شاركوا في الثورة و واجهوا القمع البوليسي و الرصاص الحي؟ من جهة أخرى كم من بوليس اليوم يحاكم أو في السجن بعد أكثر من سبعة و خمسين عاما من تعميم مؤسّساتي من قبل وزارة الدّاخليّة، قيادات و أعوانا، للعنف و الاعتباط و الرّشوة و القتل و التعذيب والشتم و التعنيف و الإهانة؟ كم عدد التجمّعيين و المقرّبين و المنتمين للعائلات الحاكمة الذين تمّ استدعاءهم إلى التحقيق؟ كم عددهم أولائك الفارّين الذين تمّ جلبهم؟ و كم عددهم التجمّعيين الذين استقطبتهم أحزابكم الزائفة، حكومة و معارضة؟

ثورة أخرجتكم من السجون و عادت بكم من المنافي و استقبلت هؤلاء اللاجئين. فأدخلتم شبابها إلى السجون و شردتموهم على طرق المنافي و ها أنتم تهاجمون ضيوفها العزّل. مئتين وإثنى عشرة شخصا منهم أطفال و نساء. ليسوا كثيرين. لا يطلبون الكثير. قطعتم عليهم الماء و كأنّكم تسلطون عليهم عقوبة جماعيّة بسبب رفضهم الاستيطان في تونس!

إنّكم تطعنون في ظهر الضعفاء طعنا. مجرمون مثلكم مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين و الدول التي رفضت مطالب اللاّجئين في الاستيطان. أولائك الذين نفيتم في النسيان و اللامبالاة هم بشر مثلنا مثلهم، بينما أنت في قصوركم و مجالسكم التأسيسيّة و سيّاراتكم المكيّفة و البذخ الذي أتمنّى أن يخنقكم، فلستم إلاّ أشباحا في مهبّ الرداءة و الدناءة.

إسماعيل