لقد طلعت علينا قناتنا الوطنية في اليوم الأول – ليس بأكذوبة- بل بكذبة من الحجم الكبير و الغبي والتي مفادها أن عدد الشباب التونسي المفقود في البحر خلال سنة 2011 بلغ عشرون ألفا، وهي ربما إحصائيات لعدد المفقودين لمدة عشرة سنوات في كل أنحاء العالم. و لنعلم أن من يعمل و يشرف على غرفة الأخبار من الهواة المتحاملين، فإنهم لم يذكروا مصدر المعطيات وهذا خطأ مهني كبير في مجال الإعلام.
في اليوم التالي و بصفة حصرية قامت قناتنا العتيدة بسبق صحفي لا مثيل له فقد جاءتنا بشاب ادعى بأنه ذهب إلى سوريا للقتال مع الجيش الحر ليصف لنا معاناة الشباب التونسي هناك، و بالتثبت في ماتم تقديمه، تبين أن هذا الشاب من القوميين المناصرين لبشار الأسد و قد عاد من تركيا (و ليس سوريا) منذ أكثر من سنة، و التساؤل هو :أين السبق في هذا الخبر و لمصلحة من يتم بث ذلك و لماذا هذا التضليل و اللعب على عقول البسطاء. لكن تأثير ما بثته القناة الوطنية خطير لأنه سرعان ما انتشر على الشبكات الاجتماعية في تنديد واضح بكذب و صلف هذه القناة و من يعمل فيها، كما تعالت الدعوات للجهاد في سوريا، مما يعني أن بث هذا الشريط سوف يكون له أثر عكسي حيث سوف يدفع الشباب التونسي للتفكير بجدية في الذهاب إلى سوريا.
برنامج بتوقيت الأولى لاحدى الصحفيات المؤدلجة بفكر التجمع مختص في تقديم تلك النخبة التي يكرهها المشاهد، من الجاهلين بالمجتمع التونسي المنبتين عن هويتهم الذين يعيشون في خيال قشور الحداثة. هل هذا البرنامج حكر على ما تختاره هذه المذيعة من أصدقائها و معارفها؟ ألا يحق لباقي التونسيين من مختلف الجهات و الأحياء الشعبية و من مختلف الأعمار و المستويات؟ المذيعة عادة لا تستدعي المحجبة و الملتحي و صاحب البشرة السوداء، بل تقتصر على من يحمل فكرها و توجهها التمييزي. لقد قدمت لنا سبقا غير مسبوق و اكتشاف يسجل في تاريخ الصحافة، لقد اكتشف ضيوفها بأن لجان حماية الثورة هي الثورة المضادة (هذا على لسان أستاذ جامعي و أفهم الآن سبب تراجع مستوى النزاهة الفكرية في جامعاتنا)، في حين صاحت ضيفة أخرى بأن الحكومة هي الثورة المضادة و أن الجبهة الشعبية في سيدي بوزيد هي من قامت بالثورة. ولتبين لنا المذيعة بأنها مثقفة تقدم لنا يوميا اشهارا مجانيا لكتاب باللغة الفرنسية و هذا على ما يبدو حدود ثقافتها، و أتحداها أن تقوم بتقديم كتاب باللغة الانقليزية على سبيل المثال أو كتاب ديني.
لقد مللنا نقد هذه المؤسسة و ما تقدمه لنا من ترهات تافهة، لا ترقى لمستوى الموارد المالية و البشرية المخصصة لها، بل إن المصيبة أننا من نتحمل أعباء هذا المؤسسة الفاشلة و التي بأموالنا تكذب علينا و تستهزء بعقولنا.
إن من تربى على ذل لعق أحذية السيدة الأولى و سيادة الرئيس، و خضع لدورات مختصة في الكذب و التضليل و تشويه الخصوم بأسفل الطرق ليس بإمكانه اليوم أن يتخلى عن عادته بسهولة. الغريب في الأمر أننا كمشاهدين مضطرين لتحمل ايديولوجيات مقدمي البرامج و الأخبار و كأنهم أصحاب فضل علينا حيث يقولون لنا ” ما أريكم إلا ما أرى “. لكن كذبهم مفضوح و مستواهم المتدني معلوم للجميع و كما قال أحد شباب الثورة لو كانوا متميزين ما كانوا ليرضوا بالبقاء في ذلك المستنقع.
كريم السليتي: كاتب و محلل سياسي
أنت متحامل جدّا يا كريم…. و لعل انتماؤرك السياسي هو الدافع لما تقول… ان “الجهاد” في سوريا هو قتل للعرب و للمسلمين و كان الأولى الدعوة الى التهدئة و ان كانن نضام بشار فاشيّا … ما حصل اليوم في سوريا بفضل دعواتكنم الى “الجهاد” في الشام هو خراب لبلاد عربي حيث قتل عشرات الألاف من المسلمين و كل ذلك لا يخدم الا اسرائيل لا غير… كفى مغالطة و قل الحق… و السلام
شكرًا علي المقال سيد كريم، ثم لا يفوتني ابداء ملاحظة :
الحكومة لم تدعو أحدا لا الي الهجرة السرية ولا الي الجهاد!!!فكل من نحي هذا النحو يتحمل مسؤوليته وتداعيات ما فعله، ومن يدعي ان هناك جهاد فهو غافل ومغفل!!! لست مع بشار السفاح ولكن لم اسمع بجهاد في سبيل الحرية والكرامة!!!!!
اخيرا وجدت المقال المناسب في خصوص طبيعة الاعلام الذي تمارسه القناة الأولى وان كنت أشارك كل ما جاء فيه بالنظر للزاوية المهنية التي تم من خلالها تناول المسالة فكنت أتمنى اقتراح حل عملي يخلصنا من تحمل تفاهة العاملين في القناة كأن تلغى نهائيا مساهمة المواطن عبر فاتورة الكهرباء في تمويل مصاريف المؤسسة.
يقول الكاتب: “إن من تربى على ذل لعق أحذية السيدة الأولى و سيادة الرئيس، و خضع لدورات مختصة في الكذب و التضليل و تشويه الخصوم بأسفل الطرق ليس بإمكانه اليوم أن يتخلى عن عادته بسهولة.”
ولا بد أن نضيف أنّه لا يوجد دواء لهذا الوباء إلا الاقتلاع، فقد أصبح لدي شخصيا حساسية حتى للأخبار الرئيسية وما إن أشاهد تلك الوجوه النوفمبرية حتى أضغط على الزر لأشاهد قناة أخرى.
لماذا لا يقدم هؤلاء استقالتهم أو يطلبون العمل في المكاتب كي لا نرى وجوههم التي تذكرنا بالبؤس الفكري والرداءة الثقافية التي عانينا منها على امتداد عقود؟
ألا يعتقد هؤلاء أن تونس التي أنتجت مذيعين وصحفيين من أفضل ما هو موجود على الساحة العربية تستحق وجوها أفضل من وجوههم وأداء أرقى من أدائهم
الله يخفف علينا