تعقد النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يومي 6 و7 أكتوبر 2023، مؤتمرها الانتخابي السادس منذ إعادة تأسيسها في شكلها النقابي ذات 13 جانفي 2008. 16 سنة مضت بحلوها ومرها، بمعاركها ومطباتها، نجحت خلالها نقابة الصحفيين في المحافظة على استقلاليتها تجاه السلطة وتبوّء موقع ريادي في الذود عن حرية الصحافة والتعبير، ما جعلها رقما صعبا استعصى على كل محاولات ضربها وتحجيم دورها المحوري قبل ثورة 17/14 وبعدها، رغم اختلاف السياقات وموازين القوى وجعل من مقرها مركز انطلاق التحركات ذات الطابع الحقوقي والإنساني.

وإن كان للنقابات إجمالا مهمة أساسية في الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للمنخرطين صلبها وحتى غير المنخرطين من بنات وأبناء قطاع ما، فإن خصوصية نقابة الصحفيين تجعلها مطالبة بخوض المعارك المعيشية لمنظوريها والدفاع بالشراسة ذاتها عن حرية الرأي والتعبير وقضايا الحريات بصفة أشمل. خصوصية لا تغيب عن مصدح أو قلم أو كاميرا زمن المد الحقوقي، حولها منعرج 25 جويلية 2021 إلى حرج يربك الأيادي المرتعشة زمن التسلط والاستبداد. فباستثناء المحترفين الجدد لرياضة ”ضرب البندير“ العريقة في تونس، لا ينكر عاقل الانتكاس الخطير الذي لحق بآخر مكاسب الثورة، فحق الولوج إلى المعلومة يكاد يصبح في خبر كان ليتحول الحصول عليها استثناء وإنجازا غير هين، أما الصد والمماطلة فصارا خبزا يوميا للصحفيين ومؤسساتهم ولنا في نواة سجل حافل في ذلك. حتى أن أحد المكلفين الوزاريين بالإعلام، بعد إصرار منا في الحصول على إفادات رسمية، طلب برشاقة عدم ذكر اسمه كمصدر تجنبا لمشاكل مهنية قد تطاله إن وردت صفته على موقع نواة.

هذا الانغلاق التدريجي الذي ضرب القطاع والبلاد برمتها، مهدت له السلطة عبر مراسيم وقرارات وزارية حكومية مثل سيء الذكر والصيت المرسوم 54 أو العدوان الثلاثي لوزارات الداخلية والعدل وتكنولوجيا الاتصالات بتعلة مكافحة الجرائم الالكترونية، أو ما تزخر به المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات من فصول كفيلة بسجن البلاد ومن عليها ليكون مستهل الحقبة السعيدية حافلا بالهرسلة والملاحقات القضائية والسجن وتفنن وزراء السمع والطاعة في رفع القضية تلو الأخرى بأقلام تجرأت على انتقاد سياساتهم المرتبكة. وإن أضفنا إلى كل ذلك سياسة التواصل ”الترامبية“ للرئيس قيس سعيد في تجاهل وسائل الاعلام كغيرها مما يعتبرها أجساما وسيطة وانتهاجه التواصل المباشر مع شعب المريدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو إصراره أكثر من مرة على ان يكون خارج سياق التاريخ بتدخله في محتوى المضامين الإعلامية وحتى ترتيب الأخبار، تكون النتيجة انغلاقا مضاعفا وتلاعبا غير بريء بمشاعر شرائح واسعة من الشعب الكريم تفضل الارتواء من مستنقع نظريات المؤامرة وكسر المرآة بدل إصلاح العيوب التي تكشفها.

طبعا هذا لا يعني البتة اهمال المصالح المادية والمعنوية للصحفيات والصحفيين والاقتصار على صياغة بيانات الرفض والتنديد، ما يتطلب من المترشحين لعضوية المكتب التنفيذي موازنة بين الشجاعة والإقدام النضالي المنتصر دائما للحريات من جهة وتجربة في التفاوض الذكي مع السلطة ومن يمثلها من جهة أخرى. لكن التجربة علمتنا أن الأنظمة المستبدة التسلطية لا ترضى بتسوية ملف ما خارج دائرة الابتزاز المادي السياسي، وما نراه من تعامل السلطة مع ملفات دار الصباح ولابراس وشمس أف أم أو تقريع مديرة التلفزة الوطنية بتلك الطريقة المهينة – رغم رفضنا لسياستها في تسيير المؤسسة – إلا دليل صارخ على ذلك.

فكي لا يكون رفع شعار المهنية مقروءً كتطمين للسلطة وكسب أصوات من يحلمون بتحويل النقابة الى ما يشبه شعب التجمع المهنية، وحتى لا يعتبر رفع شعار الثبات والصمود إهمالا للمطالب المادية للقطاع، وجب على عموم الصحفيين قبل المترشحين فرادا أو ضمن قائمات أن يفهموا جيدا خصوصية العمل والانتماء النقابي الصحفي، الذي لا يقتصر على أيام المؤتمر ولا يبحث عن وجاهة اجتماعية مزيفة مهما علا صوت قارعي الطبول ومحترفي التشويه على اختلاف مواقعهم.