في23 جانفي 2021، جلست بثينة الوحيشي الطبيبة المرافقة لوفد من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان لتتفحص حالات عنف وتعذيب تعرض له موقوفون في السجن المدني بمرناق، على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات التي اجتاحت مناطق كثيرة في البلاد بداية العام الماضي، وبدأت تدون ملاحظاتها: “ش/ظ”، سائق تاكسي عنفه أعوان أمن فكُسرت ساقه اليمنى وسقطت ضرسه وبدت آثار الضرب على عينه اليسرى، “ب/ع” شاب عمره خمسة وعشرون عاما يعاني من الصرع تعرض إلى الضرب وتسبب ذلك في جرح بعرض 2 سنتيمتر فوق حاجبه، وبدت آثار ضرب بالنعل على يده اليمنى، “أ/ع” يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما أحدث له صفع أعوان أمن له نزيفا في الأنف وقصورا في السمع، “أ/و” تعرض إلى اعتداء على أعضائه التناسلية، إلخ إلخ…
قمع وحشي للاحتجاجات
لم يغادر رئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي منصبه إلا وقد ترك وراءه ملفات حقوقية بعشرات الصفحات وثقت حالات قمع وعنف وتعذيب في مناطق كثيرة من تونس. طيلة أكثر من شهرين، وقع قرابة 2000 شخص تحت قبضة قوات الأمن وعصيّهم، في حين بقي الأمنيون المتورطون في التعذيب والعنف تجاه المحتجين دون عقاب ولم تُحسم أكثر من خمسين قضية رُفعت ضدهم إلى الآن، حسب تصريح نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بشير العبيدي لنواة.
أنذر دخول عام 2021 بتوجه حكومة المشيشي نحو سياسة إغلاق الشوارع ومعاقبة المشاركين في الحراك الاحتجاجي. وفي 9 جانفي 2021، اعتقلت قوات الأمن 293 شخصا من جمهور النادي الإفريقي، وكان أغلب الموقوفين قُصّرا. كانت تونس تستعد لاستقبال أشد الفترات قمعا، “لم تشهدها البلاد حتى في أحلك فترات حكم نظامي بورقيبة وبن علي”، كما وصفتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. كانت الشرارة التي أوقدت فتيل الاحتجاجات في سليانة السنة الفارطة في شهر، حين صفع أمني راعيًا أمام مقر الولاية. وفي خطوة استباقيّة منها، فرضت حكومة المشيشي حظر تجوّل يوم 14 جانفي بدافع وقائيّ لمجابهة انتشار الوباء خلال التجمّعات، ولكنّها كانت تسعى إلى قمع الاحتجاجات من خلال فرض هذه التدابير.
توسّعت رقعة المظاهرات في مناطق كثيرة من تونس، ووصلت إلى أحياء ساخنة من العاصمة، مثل حي التضامن. وحسب تقرير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أوقفت قوات الأمن 632 شخصا في يوم واحد على خلفية الاحتجاجات في كلّ من فوشانة وحي التضامن والسيجومي وطبربة. فيما بلغ العدد الجملي للإيقافات التي رصدتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى غاية شهر فيفري 1680 شخصا من ضمنهم أكثر من مائتي قاصر يُمثّلون نسبة 13 %من جملة الموقوفين. ففي سجن مرناق مثلا، بلغ عدد التلاميذ الموقوفين 62 تلميذا على خلفية الاحتجاجات.
تجاوزات في حق قاصرين واستهداف لكرامة الموقوفين
تفنن الأمنيون في الاعتداء على الموقوفين على خلفية الاحتجاجات، واستهدفوا القاصرين بالتحديد، إلى حد توجيه تهمة الاعتداء على أمن الدولة إلى موقوف عمره 14 سنة، يمكن أن يؤدي تثبيتها إلى حكم الإعدام. وحسب تقرير للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بعد زيارة سجني مرناق وطينة بصفاقس، أُجبر موقوفون على الاعتراف بأسماء محتجين تحت التهديد، وقد استغلت جهات التحقيق الأمني صغر سنهم للضغط عليهم.
يقول “أ/س”، وهو موقوف عمره 19 عاما لوفد الرابطة الذي زار السجن المدني بطينة في 25جانفي 2021إن قوات الأمن جردته من ملابسه وسكبت عليه الماء، وأنه تعرض إلى الضرب والسحل بعد ملاحقته والقبض عليه، وهو ما خلف جروحا في اليد والركبة. وأضاف “أ/س” أنه أُجبر على إمضاء محضر سماعه دون أن يتمكّن من قراءته. كما قال
رمى أعوان أمن في مركز حي البحري قنبلة غاز مسيل للدموع داخل مركز الإيقاف حين كنا نياما، وقيل لنا أن ذلك كان سهوا من الأعوان.
تتطابق شهادات موقوفين آخرين من ولاية المهدية مع موقوفين قصَّر قالوا إن أمنيين تعمدوا المس من كرامتهم، من خلال خلع سراويلهم وتهديدهم بالاغتصاب، حسب ما ذُكر في شهادتهم. ولم يتوان بعض أعوان الأمن عن وضع أصابعهم في مناطق حساسة لموقوفين قُصّر، في حين أجبر أمنيّون أحد الموقوفين يُدعم “ع/د”، على أن يجثو على ركبتيه وأن يجلب الولاعة بفمه.
يقول بشير العبيدي لنواة إن خمسة من الموقوفين الذين لم يبلغوا السن القانونية أحيلوا إلى السجن وهو تجاوز قانوني فادح في حقهم. وقد شمل العنف والمس من الكرامة أغلب الموقوفين، بمن فيهم حاملون لإعاقة ذهنية. يقول “س/ع/ل” وهو موقوف يبلغ من العمر 19 عاما، إنه تعرّض إلى الصفع واللكم في مركز طينة بصفاقس، ممّا خلّف كدمات على جسده، حين رفض الإمضاء على محضر يتهمه بالمشاركة في الاحتجاجات، ورماه عون أمن بمركز الأمن بكابسة أوراق.
يقول بسام الطريفي، كاتب عام الرابطة التونسية لحقوق الإنسان لـنواة، إن الرابطة اشتكت للّجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وللهيئات الأممية المختصة في حقوق الإنسان، بعد أن عاينت العنف والتعذيب الذي تعرض له مئات المحتجين بسبب مشاركتهم في مظاهرات جانفي 2021، ويضيف
نعلم أنه من غير المجدي التوجه للقضاء، كما نعلم أنه في حال تقدم أحد المتضررين بشكوى ضدّ تجاوزات أعوان الأمن فإن الموازين ستنقلب ضده وسيجد نفسه في وضع المتّهم.
في 17 ماي 2011، صادقت تونس على انضمامها إلى “البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة“، وكان ذلك الانضمام أحد الثمار المشتهاة التي طالب بها حقوقيون زمن بن علي وجناها التونسيون بعد رحيله. إلا أن الدولة بقيت على عهدها مع ثقافة الإفلات من العقاب.
iThere are no comments
Add yours